العودة إلى المنزل ولو مدمراً قرب غزة... «خيار» عائلات فلسطينية في ظل الهدنة

 فلسطينية تمشط شعر ابنتها قرب منزلها المدمر في خان يونس (أ ف ب)
فلسطينية تمشط شعر ابنتها قرب منزلها المدمر في خان يونس (أ ف ب)
تصغير
تكبير
تعد تغريد النجار خبز الصاج على الحطب والشاي ثم تبدأ تحضير ساندويشات من الجبن والفلفل الأحمر الذي تشتهر به غزة لفطور صباحي على أنقاض منزلها المدمر في حي عبسان شرق مدينة غزة.
انهارت الجدران وغرق الأثاث تحت الإسمنت. لكن المرأة البالغة 46 عاماً تبدو وكأنها لا تبالي بكل الدمار المحيط بها.
تقول تغريد وهي تغسل كاسات شاي «منذ أعلنوا الهدنة خرجت مشياً من مدرسة الوكالة (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا) في خان يونس (جنوب) باتجاه منزلي هنا في عبسان. حين وصلت، رأيت المنزل مدمراص تماماً. شعرت بغصة وقهر وبأن 27 عاماً أمضيناها في العمل لإنشاء هذا البيت ذهبت، لكنني شعرت أيضاً براحة نفسية، شعرت بأن روحي عادت إلي».

اضطرت تغريد إلى الفرار عندما بدأ الجيش الإسرائيلي قصف قطاع غزة ردّاً على الهجوم غير المسبوق لحركة حماس داخل الأراضي الإسرائيلية في السابع من أكتوبر والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص في إسرائيل غالبيتهم مدنيون، قضى معظمهم في اليوم الأول من الهجوم، وفق السلطات الإسرائيلية.
وقتل في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة خلال سبعة أسابيع زهاء 15 ألف شخص بينهم أكثر من ستة آلاف طفل، وفق حكومة حماس.
وعاشت تغريد خلال الأسابيع الماضية مع أفراد أسرتها التسعة في مدرسة الأونروا التي استحالت مخيماً للنازحين في خان يونس.
وقتل العشرات، وفق ما تقول، من أفراد عائلتها الكبيرة. الجمعة، في الدقائق الأولى من الهدنة، عادت إلى منزلها سيراً على القدمين.
- «سأقيم خيمة»
وتؤكد تغريد «لم أتمكّن من تناول الطعام في اليومين الأولين (...). ثم قلت يجب أن نعيش وفكرت أن أبنائي بخير الحمدلله. فالبيت معوّض. نحن من بنيناه وبإمكاننا فعل ذلك مرة ثانية».
وفي انتظار أن يحدث ذلك، تضيف مبتسمة «لا تضحكوا علينا، نقفز من شباك غرفة مازالت جدرانها قائمة وننام فيها. قمنا بإنشاء حمام صغير. ننام في أي مكان، نحن تسعة أشخاص».
وتتابع «بعد التهدئة، سنقيم خيمة هنا وسنعيش فيها لحين إعادة بناء منزلنا. إما نعيش بكرامة وإما نموت».
تقدّم تغريد كوباً من الشاي الساخن لجارها جميل أبوعاذرة الذي يجلس في ضيافتها وهو يقيم أيضاً على أنقاض منزله المدمر مع 15 من أفراد عائلته بينهم أربعة أطفال.
ويقول أبوعاذرة (64 عاماَ) «كل منازلنا دمّرت هنا، لكننا فضلنا البقاء رغم البرد والدمار فهذا أفضل من البقاء في المدارس، لم نعد نحتمل».
ويضيف «حتى الأطفال يريدون البقاء هنا، ينامون في أي مكان، الأطفال حياتهم صعبة جميعهم خائفون ومصدومون، حتى نحن الكبار خائفون لكننا نكذب ونتظاهر بالقوة من أجلهم».
في الشارع المقابل، يقف بسام أبوطيعمة أمام ركام عمارة كانت تضم أربعة طوابق كان يعيش فيها مع زوجته وأطفاله الثلاثة وأشقائه الأربعة.
- جهاز زفاف
ويقول أبوطيعمة مرتدياً سروالاً قصيراً رغم الأمطار ودرجة الحرارة المتدنية «نعيش هنا نحو أربعين شخصاً، غادرنا مع بدء التصعيد، وعندما عدنا وجدنا البيت مسوى بالأرض. لا أعلم لماذا، لا علاقة لنا بالتنظيمات. جميعنا نعمل بالزراعة وقيادة سيارات إجرة».
ويتابع بغضب «أتيت مع إعلان التهدئة، وجدت البيت مدمراً، أنام هنا مع زوجتي منذ بدء التهدئة، بعد الحرب سأقوم بإزالة الركام وسأقيم خيمة لنسكن فيها».
على الجهة الأخرى، يدقّ نعيم طعيمات (46 عاماً) مسامير لتثبيت أعمدة خشبية لهيكل خيمة ينوي المكوث داخلها مع عائلته.
ويقول «أجهز خيمة للعيش هنا بعد الحرب. أتيت إلى منزلي ووجدته مهدوماً بالكامل، أعيش أنا وزوجتي وأطفالي السبعة ووالدتي في المنزل إضافة إلى اخوتي الأربعة وأبنائهم، كل منهم لديه سبعة أبناء».
يطرق بمطرقة الكتل الإسمنتية التي تغطي كلّ شيء محاولاً شق فتحة للتمكن من دخول المنزل لإخراج بعض الملابس خصوصاً جهاز ابنته التي كان يفترض أن تتزوج.
ويضيف في ما يغطي كفَّي يديه مزيج من الرماد والدماء «ابنتي نيفين كانت ستتزوج الأسبوع المقبل، دمّر بيتنا وبيت خطيبها، أحاول إخراج جهازها حتى تشعر ببعض الفرح».
في ظل ضيق الأحوال، تكون البهجة أحيانا مخفية في أمور بسيطة. ويقول عبد الصمد البالغ 12 عاماً «أحضرنا بطارية ومصابيح ليد كما سنشعل الحطب للتدفئة».
ويجلس عبدالصمد مع عدد من أصدقائه أمام مدرسة تابعة للأونروا دمرت جزئياً ويرددون بعض الأغاني والأناشيد ويتبادلون القصص والنكات.
وترتفع أصوات ضحكاتهم بعدما قال نبيل (8 سنوات) «الحرب مرعبة وسيئة جداً لكن الأمر الوحيد الجيد أن المدرسة دمرت ولن نعود إليها قبل وقت طويل».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي