تمديد هدنة غزة... يَحمل أزمة للحكومة الإسرائيلية

فلسطينيون يستغلون الهدنة للفرار من شمال غزة إلى جنوبها أمس (رويترز)
فلسطينيون يستغلون الهدنة للفرار من شمال غزة إلى جنوبها أمس (رويترز)
تصغير
تكبير
تعالت الأصواتُ حول العالم، مُطالِبة بضرورة تمديد اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، والذي يَنتهي الساعة السابعة من صباح اليوم (أعلنت قطر مساء أمس مدها ليومين، ومن المتوقع ان تمدد لأيام إضافية لاحقاً). ولهذا، فإن تل أبيب تحتاج لمَن يفاوض عنها كي لا تُفرض عليها شروط لا تطيقها من المقاومة.
وكانت إسرائيل وافقتْ خلال اجتماع حكومتها لإقرار الهدنة الأسبوع الماضي وأثناء الحرب، على إطلاقِ سراح تدريجي لـ 300 فلسطيني سجين إذا لزم الأمر في مراحل لاحقة وبحسب تطور المفاوضات ومن دون الحاجة للعودة لاجتماعٍ جديد للحكومة.
علماً أن «حماس» قَبِلَتْ بإطلاق سراح مُحْتَجَزٍ إسرائيليّ مقابل ثلاثة فلسطينيين وعرضتْ إطلاق 50 فقط (مقابل 150) في المرحلة الأولى للتأكد من صدقية إسرائيل الهشة. وبالتالي يبدو أن إسرائيل توقّعت تَمَدُّد أيام الهدنة.

إلا أن ارتفاعَ وتيرة الانتقادات الغربية ضدّ إسرائيل، نظراً لحجم القتل والدمار الذي أحدثتْه آلة الحرب الوحشية بحق المدنيين، واستحالة تحقيق أهدافها المعلَنة وضرورة وقْف جميع الأعمال العدائية، يَفرض عليها التراجع عن تطوير الأعمال الحربية وعن العودة لاستكمال احتلال شمال غزة.
لكن هناك معضلة كبرى تواجه تل أبيب إذا توقّفت عن الأعمال الحربية من دون تحقيق الأهداف المعلَنة. فهل هناك حلول واضحة تُوازِنُ بين توقف الحرب وتحقيق بعض الأهداف لإرضاء الاسرائيليين المتعطشين للدماء وكذلك لتحرير جميع معتقليهم؟
دلّت الإحصاءاتُ الدولية حول حجم القتل الذي قامتْ به إسرائيل خلال 50 يوماً من القتال والدمار واحتلال جزء من قطاع غزة على أن هناك نحو 20.000 شهيد بينهم 18.450 مدنياً ونحو 1500 من المقاومة الفلسطينية («حماس» لوحدها تضمّ نحو 30.000 مقاتل).
وتوثّق هذه الأرقام القتلَ الممنهَج الذي ارتكبتْه قوات الاحتلال بحق المدنيين بالدرجة الأولى، وتؤشر في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل لم تكسر «حماس» ولا قدراتها، خصوصاً بعدما فرضتْ الحركةُ شروطَها لوقف إطلاق النار على حكومة العدو ولم تتوقف يوماً أيام الحرب عن ضرب القوات الغازية داخل شمال القطاع وقصْف المستوطنات بالصواريخ.
وهذا إن دل على شيء فعلى فشل الأهداف التي وضعتْها حكومة العدو الصهيوني منذ بداية الحرب وخلالها.
وهذا ما أكده أيضاً رئيس الأركان العامة للقوات المسلّحة الإيرانية اللواء محمد باقري بقوله إن «قدرات حماس لم تُمسّ وإن الكيان الصهيوني اضطُر للقبول بالهدنة نتيجة ضغط المقاومة».
كذلك صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أيهود باراك بأن «إسرائيل لا تستطيع القضاء على حماس لأنها حركة ايديولوجية موجودة في عقول الناس وقلوبهم».
وتالياً فهو يحاكي ويشاطر وجهةَ نظرِ مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي قال إن «حماس ليست مجرد مجموعة أفراد إنما فكرة ايديولوجية لا يمكن قتْلها». واستطرد «يجب تمديد الهدنة، وإسرائيل تجاوزتْ حد الدفاع عن النفس وعليها ألا تفكّر في معاودة احتلال غزة».
إذاً تتعالى الأصواتُ بضرورة وقف الحرب التدميرية التي يَعلم أصحابُها في الحكومة الصهيونية المحتلّة أن أهدافها المعلَنة غير واقعية ومستحيلة الإنجاز.
ولهذا السبب بدأ المسؤولون الإسرائيليون بالنزول عن الشجرة. وهذا لوحظ من خلال تصريح وزير الدفاع يوآف غالانت الذي قال إن «إسرائيل لن تنسحب من شمال غزة حتى تحرير الرهائن» من دون التطرق لأهداف أخرى معلَنة سابقاً.
وهذا يعني أن «إنهاء حماس» و«احتلال كامل القطاع» لم يَعُد من الأهداف المعلَنة، وان إطلاق سراح الرهائن والمحتجَزين يتمّ من خلال التفاوض.
ولم يتردّد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في القول إن «إرسال مساعداتٍ إلى إسرائيل يجب أن يكون مشروطاً»، خصوصاً أن الضربَ بعرض الحائط بالقوانين الدولية أثناء الحرب على غزة أضرّ بمكانة الولايات المتحدة التي لم تعد تُعتبر شريكاً صالحاً للسلام بل داعمِاً للصهيونية ولقَتَلة الأطفال والنساء، بعد انتشار الصور المروّعة للدمار الذي تسبّبت به إسرائيل من خلال سياسة العقاب الجَماعي الذي يُعتبر جريمة حرب، واستخدامها أكثر من 40.000 طن من المتفجرات لتدمير غزة وتَسَبُّبِها بأزمةٍ إنسانية غير مسبوقة في تاريخ الصراع لتُحَوِّلَ القطاعَ منطقةً منكوبةً غير صالحة للسكن.
ولكن، كيف تستطيع الحكومةُ الإسرائيليةُ وَقْفَ الحرب وهي في وضعٍ غير مستقر رغم القتل والدمار؟
من الممكن أن تَعتبر حكومة نتنياهو أن حجمَ الدمار وأرقام القتلى المرتفع يشبع غريزة الإسرائيليين ويُشْعِرُهم بالاكتفاء بالدم الفلسطيني المراق بعد نكبة إسرائيل يوم السابع من أكتوبر.
إلا أن ذلك لن يعطي الأمانَ للمستوطنين على الحدود الجنوبية مع غزة ضمن مستوطنات الغلاف ولا على الحدود اللبنانية علماً أن هذا الشعور بانعدام الأمان تُرجم بنزوح أكثر من 150.000 إسرائيلي منذ بداية الحرب ومغادرة أكثر من 500.000 شخص البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حربَ عام 2014 على غزة ضاعفتْ رقمَ عناصر «حماس» والمقاومة أربع مرات، عما كانوا عليه قبل الحرب، وتالياً فإن تَرداد إسرائيل أن «حماس» فقدتْ نحو 1500 مقاتل من أصل 30.000 يعني أن قوة حماس لم تُمس وأن خسارة عدد من قادتها لا يغيّر شيئاً في القدرات لأن هيكلية التنظيمات غير الحكومية أفقية وليست عمودية ولا تَعتمد على أشخاص معيّنين لإكمال المسيرة.
من الواضح أن «حماس» و«الجهاد الإسلامي» لن يطلقا سراح أي جندي وضابط إسرائيلي من دون مبادلة شاملة تؤدي إلى تنظيف السجون الإسرائيلية كلياً من الأسرى الفلسطينيين، خصوصاً أن إسرائيل تحاول التعويض باعتقال 3200 فلسطيني منذ بداية الحرب من الضفة الغربية.
وتالياً، فإن من البدهي أن الصفقةَ النهائيةَ ستشمل الجميع ولن تَرضى المقاومة إلا بفرْض شروطها كما فعلتْ في الهدنة الأولى واللاحقة عند إنجازها.
إنه واقعٌ يدركه نتنياهو ويقدّر أن الحرب لن تنتهي ببقائه في الحُكْم لمدة طويلة. فأثناء الحرب، يتكتّل المجتمعُ الإسرائيلي مع بعضه البعض ولا تُوجَّه انتقاداتٌ لاذعةٌ للجيش وأدائه، خصوصاً أنه مجتمع حربٍ وأن حكومته المصغّرة مؤلّفة من الليكود والمعارضة من خلال وجود نتنياهو ووزير الدفاع غالانت وبني غانتس، زعيم المعارضة.
ويفضّل الإسرائيليون تَوقُّف الحرب لحين تحرير جميع الرهائن والمحتجَزين العسكريين وإكمالها بعد ذلك. ولكن ما الأهداف التي مازال بالإمكان تحقيقها بعد الذي حصل؟
كلما طال أَمَدُ الهدنة كان وضع إسرائيل أكثر سوءاً على الساحة الدولية حيث لم يَعُدْ ممكناً تبريرُ جرائمها، خصوصاً أن قادةً دوليين انضمّوا للرؤية التي عبّر عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول أن المشكلة «بدأت قبل 50 عاماً وليس في السابع من أكتوبر».
وقال رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز - الذي اتهمه نتنياهو بدعم الإرهاب بعد إدانته جرائم الحرب الاسرائيلية ضد الفلسطينيين - إن «قيام دولة فلسطينية هو الحل الوحيد لضمان السلام».
من هنا بات ثمة مناخُ متصاعد بأنه أصبح ضرورياً سحْب «رخصة القتل» من يد إسرائيل ودفْعها نحو إنهاء الحرب حتى ولو لم تحقق شيئاً على الأرض.
وتالياً، يبدو أن قادة العالم فَقَدوا شهيتهم على دعْم آلة القتل الإسرائيلية وأن ضغوطاً كبيرة تُمارَس على حكومة نتنياهو لإنهاء الحرب بالنتائج المحقَّقة أياً تكن والقبول بالواقع الذي فرضتْه المقاومة، أملاً في تقليب الرأي العام الفلسطيني على «حماس» بتقطير إدخال المساعدات الإنسانية، خصوصاً في فصل الشتاء الحالي في ظل تدميرٍ كاملٍ لـ 59000 وحدة سكنية وتدمير جزئي لـ 165000 وحدة سكنية أخرى.
ولهذا فإنه من الممكن جداً أن تتوقف الأعمال العسكرية في غزة عند هذا الحدّ إفساحاً لعودة الاستقرار الأمني وانتظار خروج الجيش المحتلّ من الشمال، بحسب سير المفاوضات.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي