في بداية الأزمة العالمية التي اندلعت بالنصف الثاني من 2008، وتحديداً مع بداية العام 2009، برزت في الأسواق تعقيدات مؤثرة تتعلق بضعف خطوط الائتمان وانسداد جزء كبير منها، متأثرة بمواجهة البنوك العالمية لأزمة سيولة وانكشافها على كتلة كبيرة من القروض المتعثرة.
في الكويت كان المشهد المصرفي مختلفاً، حيث باتت البنوك المحلية تعاني من عبء تصريف فوائض السيولة وسط تداعيات الأزمة العالمية على كيانات السوق المحلي وتنامي مخاطر الإقراض خارحياً.
وقتها أعتقد المصرفيون أن أزمتهم في تصريف فوائض السيولة ستنتهي بمجرد ذوبان جليد الأزمة عالمياً، لكن بعد مرور نحو 14 عاماً على الأزمة العالمية لا تزال البنوك الكويتية تكافح تشغيلياً بسبب تباطؤ النمو الائتماني محلياً في وقت يملأ التوسع الائتماني كل الأسواق تقريباً.
وأمام ضيق سبل تصريف فوائض السيولة بالكويت مدفوعة بتباطؤ محركات التنمية وانخفاض مستوى الانفاق الرأسمالي للدولة بدأ صانعو السياسة الائتمانية في البحث عن مخارج إنقاذية يتفادون من خلالها ضغوط ارتفاع تكلفة الأموال المتراكمة.
ومن باب الموضوعية لا يمكن إنكار هذا المسار على البنوك المحلية وسط ضعف الائتمان المحلي الذي توسع ليصيب الشركات والأفراد، وقبلهما مشاريع التنمية التي نسمع عنها أكثر مما نلمسها أمام زيادة حاجتها الملحة للتشغيل ومن ثم الربحية وبالتبعية تغطية توزيعاتها السنوية للمساهمين من الأرباح.
ومع مرور الوقت وثبات رأس أزمة ضعف الائتمان محلياً يحق للبنوك الكويتية التحرك باتجاه الخارج المتعطش للسيولة لتعويض الضعف التشغيلي بغرض زيادة رافعة قروضها خصوصاً في أسواق الخليج.
وعملياً، يحمل توسع البنوك الكويتية خارج حدودها مؤشرين سلبيين، الأول يتعلق كما تمت الإشارة إلى ضعف البيئة التشغيلية محلياً لدرجة أصبحت معها البنوك تعاني من تخمة سيولة بعكس غالبية البنوك الخليجية والعالمية التي تواجه طلبات تمويل في أسواقها تفوق قدراتها على تلبية كامل الطلب. وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية أن تنتبه الحكومة لتسريع طرح المشاريع الكبرى خصوصاً المعلقة في ظل التوقعات المتزايدة بإمكانية تعرض المؤسسات المالية المحلية لأزمة عوائد تشغيلية في حال اكتفت الأسواق الخليجية مستقبلاً من طلب الائتمان المستورد.
بالطبع مخاطر تباطؤ النمو محلياً لا تقتصر على تغذية حاجة البنوك بالفرص التمويلية المناسبة التي يمكن من خلالها امتصاص فوائض سيولتها بمخاطر متدنية فحسب، يل يمتد الأثر السلبي لضعف دوران عجلة التنمية لتشمل جميع القطاعات المترقبة لنفضة تنموية تدفع الكويت إلى الأمام لعلها تواكب الطفرة التنموية التي تشهدها غالبية أسواق الخليج.
أما المؤشر السلبي الثاني المرتبط بتوسع البنوك الكويتية بالخارج فيتعلق بارتفاع مخاطر هذا التوجه على الدولة.
وللتبسيط وبعيداً عن أي تعقيدات مصرفية معلوم أن الكويت وهي الدولة الوحيدة عالمياً تقريباً التي تضمن الودائع في البنوك بقانون، ما يعني أنه في حال تعرض أي بنك مستقبلاً، لا سمح الله، لانكشافات خارجية تؤثر على مركزه المالي ستتعرض الميزانية العامة لضغوط موازية تتمثل في استحقاق دفع الودائع للعملاء والتدخل مالياً لإنقاذ الموقف.
أما في حال عدم وجود قانون ضمان الودائع فلن تكون الدولة معنية بقرارات البنوك الخارجية مثلما ستكون عليه في حال التعثر.
الخلاصة:
توجه البنوك للخارج يستدعي إعادة النظر حكومياً في جدولها الزمني لطرح المشاريع التنموية على أن يشمل ذلك تسريعاً مجدولاً لإطلاق حزمة من المشاريع خصوصاً المعلقة منذ فترة طويلة، وفي هذه الحالة نضمن أن يكون «دهننا التمويلي في مكبتنا».
وفي مسار موازٍ يتعين على الحكومة التحرك بجدية نحو إلغاء قانون ضمان الودائع وإيجاد بدائل معمول بها عالمياً يمكن من خلالها حفظ حقوق المودعين وتخفيف الضغوطات ولو غير المحققة حالياً على ميزانية الكويت وتصنيفها دولياً.
أخذاً بالاعتبار أن هذا المطلب ليس شعبوياً بل تقني، والشاهد أن بنك الكويت المركزي من أبرز مؤيديه وهذا ما تؤكده تصريحات للمحافظ السابق الدكتور محمد الهاشل، والذي أكد خلالها الحاجة النقدية والمالية لهذه الخطوة وأن هناك تحرّكاً لإقرار قانون يلغي هذا الاستحقاق ورغم ذلك لا تزال الودائع مضمونة حكومياً!