الصراع الدامي يثير مخاوف التقسيم والتفتّت بعد 7 أشهر على اندلاعه
هل يتكرّر «السيناريو الليبي» في السودان؟
النار تلتهم سوق الماشية في ولاية شمال دارفور مطلع سبتمبر (أ ف ب)
أدت سبعة أشهر من الحرب المتواصلة في السودان الى مقتل الآلاف ونزوح الملايين داخلياً والى دول الجوار، وجعلت احتمال التقسيم خطراً محدقاً ببلاد كانت تعاني أساساً من التشرذم والصراعات.
ومع تواصل المعارك والنزاع على السلطة بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وحليفه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ «حميدتي»، يخشى خبراء أن يتكرر في السودان «السيناريو الليبي»، في إشارة الى الفوضى التي تعمّ الجار الشمالي الغربي، حيث تتنازع حكومتان على السلطة، إحداهما في طرابلس معترف بها من الأمم المتحدة، والثانية في الشرق يقودها المشير خليفة حفتر، المدعوم من أطراف إقليمية ودولية.
في السودان، سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق في الخرطوم وحققت تقدماً كبيراً في إقليم دارفور (غرب). في المقابل، تحصّن أعضاء الحكومة وقادة الجيش في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر (شرق)، والتي بقيت في منأى عن المعارك التي اندلعت في 15 أبريل.
ولا يبدو أي طرف مستعداً لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، خصوصاً أن أيا منهما لم يحقق تقدماً حاسماً على الأرض.
مطلع نوفمبر الجاري، فشلت جولة جديدة من مفاوضات جدة التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية في تحقيق أي خرق.
ولم تفلح جولات التفاوض المتعدّدة سوى في إبرام وقف موقت للمعارك التي كانت سرعان ما تستأنف بمجرد انتهاء المهل.
ويثير فشل الوساطات الدولية المتعددة مخاوف من أن يفضي استمرار الوضع على حاله لفترة طويلة الى تقسيم السودان.
وقال خالد عمر يوسف، الناطق باسم قوى الحرية والتغيير، الكتلة المدنية التي كانت شريكة في الحكم مع الجيش قبل انقلاب البرهان وحميدتي، عليها في أكتوبر 2021، «إن استمرار المعارك يمكن أن يؤدي الى سيناريوهات مرعبة من بينها التقسيم».
وأضاف لـ «فرانس برس»، ان «موجة التسليح المتصاعدة (للمدنيين) تعمّق الشروخ الاجتماعية في السودان».
وأدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم الى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، وفق تقدير لمنظمة «أكليد» يعتقد على نطاق واسع أنه أدنى من الحصيلة الفعلية.
كما تسببت المعارك بنزوح أكثر من ستة ملايين شخص وتدمير معظم البنية الأساسية في السودان الذي كان يعدّ حتى قبل اندلاع النزاع، من أفقر بلدان العالم.
- هجوم في دارفور
ومنذ مطلع نوفمبر، تواترت التقارير عن مذابح جديدة في دارفور في ظل هجوم واسع النطاق لقوات الدعم التي أعلنت السيطرة على قواعد الجيش في المدن الكبرى في الاقليم.
في مدينة أرداماتا (غرب دارفور)، قتل مسلحون 800 شخص وتمّ تدمير 100 مأوى في معسكر للنازحين، ما دفع ثمانية آلاف شخص للفرار الى تشاد المجاورة خلال أسبوع واحد، وفق الأمم المتحدة.
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن «صدمته» من سقوط «نحو ألف قتيل» في زهاء يومين في أرداماتا في ما يبدو حملة «تطهير عرقي».
ويعتقد الخبراء أن تلك الأرقام تبقى ما دون الفعلية بسبب انقطاع شبكات الاتصالات بشكل شبه كامل جراء القتال.
ومنذ بداية النزاع، أحصت الأمم المتحدة أكثر من 1.5 مليون نازح داخل إقليم دارفور الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغين 48 مليوناً.
- «شر مطلق»
وحذرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أن العنف في السودان بلغ مرحلة «الشر المطلق» وأعربت عن قلقها خصوصا من هجمات على أساس عرقي في دارفور.
وفيما يقاتل الجيش في مختلف أنحاء السودان، اتخذ قائده البرهان وحكومته من بورتسودان مقرا لقيادتهم، ما غذّى الخشية من تقسيم البلاد.
ويرى المحلل السوداني فايز السليك، أن الفشل في التوصل الى حل سياسي يمكن أن يقود الى وضع مشابه للوضع في ليبيا «مع وجود أكثر من حكومة لا تملك أيا منها فعالية حقيقية وغير معترف بها دوليا».
ورغم أن الخبراء يرون أن حميدتي، قادر على الاعتماد على حلفاء وازنين، فإن البرهان حافظ على مكانته كرئيس فعلي للدولة في المحافل الدولية، ويشارك في اجتماعات الأمم المتحدة والجامعة العربية.
ورأى السليك أن التقدم الكبير الذي حققته قوات الدعم السريع في دارفور «يعطيها ميزة نسبية ويمكنها من التحرك داخل قواعدها»، وذلك في إشارة الى القبائل العربية في الإقليم.
ذلك أن الفصائل العربية المسلحة المعروفة بـ«الجنجويد» تشكّل عماد قوات الدعم السريع، وهي التي قامت مطلع القرن الحالي تحت قيادة دقلو، بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة في دارفور لصالح الرئيس السابق عمر حسن البشير، من خلال حرق ونهب ممتلكات الاثنيات غير العربية واغتصاب النساء.
- «مهمة شاقة»
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق البشير المتهم بارتكاب «جرائم حرب» و«جرائم ضد الانسانية» في دارفور. وتحذر المحكمة اليوم من تكرار السيناريو نفسه.
ورغم تقدم قوات الدعم في دارفور، فإن فرص تحقيق أي طرف نصراً عسكرياً حاسماً على الآخر تبدو ضئيلة، بحسب ما قال لـ «فرانس برس»، خبير عسكري طلب عدم الكشف عن هويته.
وأوضح «حتى لو تمكن الجيش من استعادة السيطرة على الخرطوم، وهي مهمة شاقة، فسيكون من الصعب جدا من الناحية اللوجستية إرسال قوات لاستعادة أجزاء من دارفور»، اذ يفضل 1200 كيلومتر بين العاصمة ومدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور قرب الحدود مع تشاد.
في الخرطوم استيقظ السكان قبل نحو 10 أيام على خبر صادم: تفجير جسر «شمبات» الذي يربط بين ضاحيتي العاصمة بحري وأم درمان.
وفي حين تبادل طرفان النزاع الاتهامات في شأن تدمير الجسر، رأى خبراء أن قوات الدعم فقدت بخسارة الجسر، خط إمدادها الرئيسي من وسط السودان.
بينهم نساء وأطفال «أُحرقوا في أكواخهم»
عشرات القتلى في مواجهات عرقية على الحدود بين السودان وجنوب السودان
أسفرت سلسلة هجمات في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، عن مقتل 32 شخصاً، بينهم نساء وأطفال وجندي دولي.
وقال وزير الإعلام في أبيي والناطق باسم سلطات جنوب السودان في المنطقة، بوليس كوش إغوار إجيت، في بيان نشر مساء الأحد، إن شباناً مسلحين من قبيلة دينكا تويغ مدعومين بميليشيا محلية هاجموا قرى عدة لقبيلة دينكا نقوك في شمال شرقي بلدة أقوك صباح الأحد.
وذكر أن رجالاً يرتدون زي الجيش في جنوب السودان، يدعمهم مقاتلون من دينكا تويغ، هاجموا أيضاً تجمعات سكنية لدينكا نقوك.
وأضاف «خلال هذه الهجمات قتل 32 شخصاً بينهم أطفال ونساء أٌحرقوا في أكواخهم، فيما أصيب أكثر من 20 شخصاً بجروح».
كما أعلن مقتل جندي في قوة الأمم المتحدة الأمنية الموقتة في أبيي.
وتشيع أعمال العنف الدامية في منطقة أبيي الغنية بالنفط، حيث تخوض قبيلة دينكا تويغ، من ولاية واراب المجاورة في جنوب السودان، نزاعا مع قبيلة دينكا نقوك من أبيي على موقع الحدود الإدارية.
ويطالب السودان وجنوب السودان بالسيادة على منطقة أبيي منذ إعلان جنوب السودان الاستقلال في عام 2011. وتتمتع أبيي بوضع إداري خاص، إذ تحكمها إدارة تتألف من مسؤولين تعينهم جوبا والخرطوم.
وأدت الحرب في السودان إلى «تعليق» المفاوضات في شأن المنطقة المتنازع عليها.
وأقر مجلس الأمن بالإجماع خلال نوفمبر الجاري، تمديد مهمة القوة الدولية في أبيي، المنتشرة منذ 12 عاماً، والبالغ عديدها حالياً 4 آلاف عنصر.
ومع تواصل المعارك والنزاع على السلطة بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وحليفه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ «حميدتي»، يخشى خبراء أن يتكرر في السودان «السيناريو الليبي»، في إشارة الى الفوضى التي تعمّ الجار الشمالي الغربي، حيث تتنازع حكومتان على السلطة، إحداهما في طرابلس معترف بها من الأمم المتحدة، والثانية في الشرق يقودها المشير خليفة حفتر، المدعوم من أطراف إقليمية ودولية.
في السودان، سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق في الخرطوم وحققت تقدماً كبيراً في إقليم دارفور (غرب). في المقابل، تحصّن أعضاء الحكومة وقادة الجيش في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر (شرق)، والتي بقيت في منأى عن المعارك التي اندلعت في 15 أبريل.
ولا يبدو أي طرف مستعداً لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، خصوصاً أن أيا منهما لم يحقق تقدماً حاسماً على الأرض.
مطلع نوفمبر الجاري، فشلت جولة جديدة من مفاوضات جدة التي ترعاها الولايات المتحدة والسعودية في تحقيق أي خرق.
ولم تفلح جولات التفاوض المتعدّدة سوى في إبرام وقف موقت للمعارك التي كانت سرعان ما تستأنف بمجرد انتهاء المهل.
ويثير فشل الوساطات الدولية المتعددة مخاوف من أن يفضي استمرار الوضع على حاله لفترة طويلة الى تقسيم السودان.
وقال خالد عمر يوسف، الناطق باسم قوى الحرية والتغيير، الكتلة المدنية التي كانت شريكة في الحكم مع الجيش قبل انقلاب البرهان وحميدتي، عليها في أكتوبر 2021، «إن استمرار المعارك يمكن أن يؤدي الى سيناريوهات مرعبة من بينها التقسيم».
وأضاف لـ «فرانس برس»، ان «موجة التسليح المتصاعدة (للمدنيين) تعمّق الشروخ الاجتماعية في السودان».
وأدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم الى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، وفق تقدير لمنظمة «أكليد» يعتقد على نطاق واسع أنه أدنى من الحصيلة الفعلية.
كما تسببت المعارك بنزوح أكثر من ستة ملايين شخص وتدمير معظم البنية الأساسية في السودان الذي كان يعدّ حتى قبل اندلاع النزاع، من أفقر بلدان العالم.
- هجوم في دارفور
ومنذ مطلع نوفمبر، تواترت التقارير عن مذابح جديدة في دارفور في ظل هجوم واسع النطاق لقوات الدعم التي أعلنت السيطرة على قواعد الجيش في المدن الكبرى في الاقليم.
في مدينة أرداماتا (غرب دارفور)، قتل مسلحون 800 شخص وتمّ تدمير 100 مأوى في معسكر للنازحين، ما دفع ثمانية آلاف شخص للفرار الى تشاد المجاورة خلال أسبوع واحد، وفق الأمم المتحدة.
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن «صدمته» من سقوط «نحو ألف قتيل» في زهاء يومين في أرداماتا في ما يبدو حملة «تطهير عرقي».
ويعتقد الخبراء أن تلك الأرقام تبقى ما دون الفعلية بسبب انقطاع شبكات الاتصالات بشكل شبه كامل جراء القتال.
ومنذ بداية النزاع، أحصت الأمم المتحدة أكثر من 1.5 مليون نازح داخل إقليم دارفور الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغين 48 مليوناً.
- «شر مطلق»
وحذرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أن العنف في السودان بلغ مرحلة «الشر المطلق» وأعربت عن قلقها خصوصا من هجمات على أساس عرقي في دارفور.
وفيما يقاتل الجيش في مختلف أنحاء السودان، اتخذ قائده البرهان وحكومته من بورتسودان مقرا لقيادتهم، ما غذّى الخشية من تقسيم البلاد.
ويرى المحلل السوداني فايز السليك، أن الفشل في التوصل الى حل سياسي يمكن أن يقود الى وضع مشابه للوضع في ليبيا «مع وجود أكثر من حكومة لا تملك أيا منها فعالية حقيقية وغير معترف بها دوليا».
ورغم أن الخبراء يرون أن حميدتي، قادر على الاعتماد على حلفاء وازنين، فإن البرهان حافظ على مكانته كرئيس فعلي للدولة في المحافل الدولية، ويشارك في اجتماعات الأمم المتحدة والجامعة العربية.
ورأى السليك أن التقدم الكبير الذي حققته قوات الدعم السريع في دارفور «يعطيها ميزة نسبية ويمكنها من التحرك داخل قواعدها»، وذلك في إشارة الى القبائل العربية في الإقليم.
ذلك أن الفصائل العربية المسلحة المعروفة بـ«الجنجويد» تشكّل عماد قوات الدعم السريع، وهي التي قامت مطلع القرن الحالي تحت قيادة دقلو، بتنفيذ سياسة الأرض المحروقة في دارفور لصالح الرئيس السابق عمر حسن البشير، من خلال حرق ونهب ممتلكات الاثنيات غير العربية واغتصاب النساء.
- «مهمة شاقة»
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق البشير المتهم بارتكاب «جرائم حرب» و«جرائم ضد الانسانية» في دارفور. وتحذر المحكمة اليوم من تكرار السيناريو نفسه.
ورغم تقدم قوات الدعم في دارفور، فإن فرص تحقيق أي طرف نصراً عسكرياً حاسماً على الآخر تبدو ضئيلة، بحسب ما قال لـ «فرانس برس»، خبير عسكري طلب عدم الكشف عن هويته.
وأوضح «حتى لو تمكن الجيش من استعادة السيطرة على الخرطوم، وهي مهمة شاقة، فسيكون من الصعب جدا من الناحية اللوجستية إرسال قوات لاستعادة أجزاء من دارفور»، اذ يفضل 1200 كيلومتر بين العاصمة ومدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور قرب الحدود مع تشاد.
في الخرطوم استيقظ السكان قبل نحو 10 أيام على خبر صادم: تفجير جسر «شمبات» الذي يربط بين ضاحيتي العاصمة بحري وأم درمان.
وفي حين تبادل طرفان النزاع الاتهامات في شأن تدمير الجسر، رأى خبراء أن قوات الدعم فقدت بخسارة الجسر، خط إمدادها الرئيسي من وسط السودان.
بينهم نساء وأطفال «أُحرقوا في أكواخهم»
عشرات القتلى في مواجهات عرقية على الحدود بين السودان وجنوب السودان
أسفرت سلسلة هجمات في منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، عن مقتل 32 شخصاً، بينهم نساء وأطفال وجندي دولي.
وقال وزير الإعلام في أبيي والناطق باسم سلطات جنوب السودان في المنطقة، بوليس كوش إغوار إجيت، في بيان نشر مساء الأحد، إن شباناً مسلحين من قبيلة دينكا تويغ مدعومين بميليشيا محلية هاجموا قرى عدة لقبيلة دينكا نقوك في شمال شرقي بلدة أقوك صباح الأحد.
وذكر أن رجالاً يرتدون زي الجيش في جنوب السودان، يدعمهم مقاتلون من دينكا تويغ، هاجموا أيضاً تجمعات سكنية لدينكا نقوك.
وأضاف «خلال هذه الهجمات قتل 32 شخصاً بينهم أطفال ونساء أٌحرقوا في أكواخهم، فيما أصيب أكثر من 20 شخصاً بجروح».
كما أعلن مقتل جندي في قوة الأمم المتحدة الأمنية الموقتة في أبيي.
وتشيع أعمال العنف الدامية في منطقة أبيي الغنية بالنفط، حيث تخوض قبيلة دينكا تويغ، من ولاية واراب المجاورة في جنوب السودان، نزاعا مع قبيلة دينكا نقوك من أبيي على موقع الحدود الإدارية.
ويطالب السودان وجنوب السودان بالسيادة على منطقة أبيي منذ إعلان جنوب السودان الاستقلال في عام 2011. وتتمتع أبيي بوضع إداري خاص، إذ تحكمها إدارة تتألف من مسؤولين تعينهم جوبا والخرطوم.
وأدت الحرب في السودان إلى «تعليق» المفاوضات في شأن المنطقة المتنازع عليها.
وأقر مجلس الأمن بالإجماع خلال نوفمبر الجاري، تمديد مهمة القوة الدولية في أبيي، المنتشرة منذ 12 عاماً، والبالغ عديدها حالياً 4 آلاف عنصر.