إسرائيل تواجه خطر مواجهة طويلة الأمد في غزة

فلسطينيون يسيرون وسط أنقاض مبان طاولتها غارة إسرائيلية في رفح (أ ف ب)
فلسطينيون يسيرون وسط أنقاض مبان طاولتها غارة إسرائيلية في رفح (أ ف ب)
تصغير
تكبير

- غزو القطاع سيؤدي إلى دفع مزيد من الفلسطينيين نحو التطرف وإلى أحضان «حماس»
- إسرائيل قد تواجه عمليات مسلحة مثلما حدث في العراق وأفغانستان
- واشنطن وحلفاؤها يريدون «إحياء» السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع
- اسما البرغوثي ودحلان... إلى الواجهة مُجدداً
تدخل إسرائيل في مخاطرة تنطوي على مواجهة مسلحة ودموية طويلة الأمد إذا ألحقت الهزيمة بحركة «حماس» واحتلت قطاع غزة من دون خطة ذات مصداقية للانسحاب والمضي قدماً نحو إقامة دولة فلسطينية في فترة ما بعد الحرب، بحسب مسؤولين أميركيين وعرب وديبلوماسيين ومحللين.
وقال مسؤولان أميركيان وأربعة مسؤولين من المنطقة وأربعة ديبلوماسيين مطلعين على المناقشات، إن كل الأفكار التي طرحتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة، لم تحظ بتأييد على نطاق واسع بما يثير المخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد ينزلق إلى عملية أمنية طويلة الأمد.
وبينما تحكم إسرائيل سيطرتها على شمال القطاع، يرى بعض المسؤولين في واشنطن وعواصم عربية أن تل أبيب تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان عندما تلت الانتصارات العسكرية السريعة عمليات عنف مسلحة لسنوات طويلة.

ويقول ديبلوماسيون ومسؤولون، إنه إذا تمت الإطاحة بالحكومة التي تديرها «حماس» ودُمرت البنية التحتية والاقتصاد، فقد يؤدي ذلك لدفع السكان الغاضبين للتطرف ما يغذي انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في شوارع القطاع الضيقة.
وتتفق إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الدول على ضرورة الإطاحة بـ «حماس» بعد هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، ما أسفر عن مقتل نحو 1200 واحتجاز نحو 240 رهينة. لكن لا يوجد توافق كبير على بديل يحل محلها.
وأكدت دول عربية وحلفاء لها في الغرب، أن السلطة الفلسطينية هي المرشح الطبيعي للعب دور أكبر في القطاع البالغ عدد سكانه نحو 2.3 مليون نسمة.
لكن مصداقية السلطة، التي تديرها حركة «فتح» بزعامة الرئيس محمود عباس (87 عاماً)، لحق بها الضرر الشديد بسبب خسارتها السيطرة على غزة لصالح «حماس» عام 2007 وبسبب فشلها في وقف انتشار المستوطنات في الضفة الغربية واتهامها بالفساد وعدم الكفاءة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن السلطة بشكلها الحالي لا يجب أن تتولى مسؤولية غزة.
وأعلن أن الجيش هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على «حماس» وضمان عدم عودة الإرهاب.
وأصر مسؤولون إسرائيليون بعد تصريحات نتنياهو على أن إسرائيل لا تنوي احتلال القطاع.
دحلان «البديل»!
وقال محمد دحلان، مسؤول الأمن الوقائي سابقاً في غزة، حتى فقدت السلطة السيطرة على القطاع لصالح «حماس» واقتُرح اسمه لتولي حكومة ما بعد الحرب، إن إسرائيل مخطئة إذا اعتقدت أن تشديد سيطرتها على غزة من شأنه أن ينهي الصراع.
ووصف إسرائيل بأنها «قوة احتلال وسيتعامل معها الشعب الفلسطيني على أنها قوة احتلال».
وأضاف أن قادة «حماس» ومقاتليها لن يستسلموا بل سيفضلون تفجير أنفسهم على الاستسلام.
وقال ديبلوماسيون ومسؤولون عرب، إن البعض يؤيد تولي دحلان إدارة القطاع في فترة ما بعد الحرب.
لكنه أوضح أنه لا يوجد أحد، ولا حتى هو نفسه، سيرغب في تولي حكم منطقة محطمة ومدمرة من دون وجود مسار سياسي واضح في الأفق.
وأشار دحلان إلى غياب التصور لمستقبل غزة عند كل من إسرائيل وأميركا والمجتمع الدولي، داعياً إسرائيل إلى وقف الحرب والبدء في محادثات جدية في شأن حل الدولتين.
بايدن و«الخطأ الكبير»
ويوم الأربعاء، حذر الرئيس جو بايدن، نتنياهو من أن احتلال غزة سيكون «خطأ كبيراً».
ويقول ديبلوماسيون إن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يرون حتى الآن أي «خريطة طريق» واضحة المعالم من إسرائيل في شأن إستراتيجية الخروج من غزة باستثناء الهدف المعلن المتمثل في القضاء على «حماس».
ويضغط المسؤولون الأميركيون على إسرائيل من أجل تقديم أهداف واقعية وعرض خطة لكيفية تحقيقها.
ولم ترد الحكومة الإسرائيلية على طلبات للتعليق على خطتها لما بعد الحرب في غزة.
وأكدت حكومة «حماس»، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي بدأت رداً على هجوم السابع من أكتوبر، أوقعت حتى الآن أكثر من 13 ألف شهيد، من بينهم ما لا يقل عن 5500 طفل.
وبينما يشدد بعض المسؤولين الأميركيين على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فإنهم يشعرون بالقلق من أن ارتفاع عدد القتلى والمصابين المدنيين الذي قد يؤدي إلى دفع مزيد من الفلسطينيين صوب التطرف ويدفع مقاتلين جدداً إلى أحضان «حماس» أو جماعات مسلحة ستظهر لتحل محلها في المستقبل، وفقاً لمصدر مطلع على عملية صنع السياسات الأميركية.
وقال أكثر من 12 من سكان غزة أجرت «رويترز» مقابلات معهم إن الغزو الإسرائيلي يولد جيلاً جديداً من المسلحين.
وأكد أبو محمد (37 عاماً)، وهو موظف حكومي في مخيم جباليا للاجئين، أنه يفضل الموت على الاحتلال.
وقال لـ «رويترز»، رافضاً الكشف عن اسمه بالكامل خوفاً من الانتقام، «أنا لست (عضواً في) حماس لكن في أيام الحرب كلنا شعب واحد، وإذا قضوا على المقاتلين فسنحمل البنادق ونقاتل... قد يحتل الإسرائيليون غزة، لكنهم لن يشعروا أبدا بالأمان، ولا ليوم واحد».
محادثات بقيادة واشنطن
وقال مسؤولان أميركيان طلبا عدم ذكر اسميهما، إن مناقشات الولايات المتحدة مع السلطة وأطراف فلسطينية أخرى، وحلفاء مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية وقطر، عن خطة لما بعد الحرب في غزة لاتزال في مراحل مبدئية للغاية.
وذكر مسؤول أميركي رفيع المستوى، «بالتأكيد لم نصل بعد لمرحلة بذل أي جهد للترويج لتلك الرؤية لشركائنا في المنطقة الذين في النهاية سيضطرون للتعايش معها و/أو تنفيذها».
وبينما أصر بايدن على ضرورة أن تنتهي الحرب بـ «رؤية» لحل الدولتين، الذي سيجعل من قطاع غزة والضفة الغربية، دولة فلسطينية، لم يقدم هو أو كبار مستشاريه أي تفاصيل عن طريقة تحقيق ذلك ولم يقترحوا حتى استئناف المحادثات.
ويرى بعض الخبراء أن أي جهد لإحياء المفاوضات هو أمر بعيد المنال، لأسباب من بينها على وجه الخصوص الحالة المعنوية السيئة للإسرائيليين بعد عملية «طوفان الأقصى» النوعية وما ألحقته بالإسرائيليين، وكذلك الحالة المعنوية للفلسطينيين بعد الانتقام الإسرائيلي في القطاع المحاصر.
وقال جوناثان بانيكوف، المسؤول رفيع المستوى سابقاً في الاستخبارات الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ويعمل حالياً في مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية «من المآسي العديدة للهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس أنه هدم بقوة القضية الفلسطينية من أجل دولة مستقلة ذات سيادة وأصابها بانتكاسة».
ووفقاً لمصدر مطلع، قد يتخذ بايدن قراراً في شأن مبادرة أكثر اعتدالاً يمكن أن تشمل مساراً لاستئناف المفاوضات في نهاية المطاف.
ويدرك مستشارو الرئيس الأميركي أن شهية نتنياهو وحكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة، التي ترفض فكرة إقامة دولة فلسطينية، لاستئناف المحادثات لا تذكر.
وبينما يسعى بايدن لإعادة انتخابه رئيساً العام المقبل، قد يتردد في التسبب في نفور الناخبين المؤيدين لإسرائيل بأن يُرى وكأنه يضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
وأوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال خطاب ألقاه في طوكيو، خطوط واشنطن الحمراء في ما يتعلق بغزة، قائلاً إن الإدارة تعارض التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع أو أي تقليص لمساحته أو احتلاله أو فرض إسرائيل لحصار عليه.
وقال أيضاً إن «القطاع لا يمكن أن يصبح منصة للإرهاب».
وذكر بلينكن مراراً أن واشنطن ترغب في رؤية السلطة الفلسطينية «بعد إحيائها» تدير غزة في نهاية المطاف بشكل موحد مع الضفة.
وتضاءلت مصداقية السلطة في عهد عباس، الذي يديرها منذ العام 2005، مع انحسار الأمل في مسار يقود إلى تحقيق حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو للسلام عام 1993.
ويقول مسؤولون أميركيون إن هذه الآليات تحتاج إلى تغيير.
وصرح بعض الديبلوماسيين بأن تغيير القيادة داخل السلطة قد يكون ممكناً مع بقاء عباس في منصب شرفي.
وذكر ديبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، أن هناك خطوة أخرى قيد المناقشة، وهي منح السلطة دوراً رئيسياً في توزيع المساعدات في فترة ما بعد الحرب في قطاع غزة لإحياء شرعيتها.
ورداً على سؤال عن هذه المناقشات، قال مسؤول رفيع المستوى في السلطة، إن العودة إلى غزة، هي السيناريو الوحيد المقبول ويُناقش مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى.
ورفض التعليق على اقتراح تولي دحلان أو غيره قيادة حكومة فلسطينية.
وقال بعض من كبار المسؤولين الفلسطينيين، ومن بينهم رئيس الوزراء محمد أشتية، إن السلطة الفلسطينية، لن تعود إلى حكم غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية.
وذكر ديبلوماسيون أن شركاء غربيين وبعض دول الشرق الأوسط تقدموا باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في القطاع لمدة عامين، تكون مدعومة من الأمم المتحدة وقوات عربية.
لكن الديبلوماسيين أكدوا أن هناك مقاومة من حكومات عربية رئيسية، مثل الحكومة المصرية، خوفاً من الانجرار إلى ما تعتبره «مستنقع غزة».
وتخشى قوى في المنطقة من أن تضطر أي قوات عربية تنتشر في غزة إلى استخدام القوة ضد الفلسطينيين ولا ترغب أي دولة عربية في وضع جيشها في هذا الموقف.
لا اتفاق على القيادة
ورغم أن عباس لا يحظى بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لا يوجد اتفاق على من سيحل محله في المستقبل.
ومن المرجح أن يحظى دحلان بقبول مصر وإسرائيل، لكن رغم عمله بشكل وثيق مع الولايات المتحدة خلال فترة توليه مسؤولية الأمن في غزة، قال مصدر أميركي إن واشنطن سيكون لديها بعض التحفظات على عودته إلى السلطة. فهناك عداء طويل الأمد بينه وبين عباس ودائرة المسؤولين الداخلية في السلطة ومع أنصار «حماس» أيضاً.
وقاد دحلان موجة من الاعتقالات ضد كبار قادة «حماس» عام 1996 بعد سلسلة من التفجيرات الانتحارية ضد إسرائيل.
وأكد مسؤول إماراتي، أن أبوظبي ستدعم أي ترتيبات لمرحلة ما بعد الحرب تتفق عليها جميع أطراف الصراع وتدعمها الأمم المتحدة لاستعادة الاستقرار وتحقيق «حل الدولتين».
البرغوثي
ويحظى مروان البرغوثي، وهو أحد قادة «فتح» المسجون في إسرائيل منذ العام 2002 بتهمة القتل، بشعبية كبيرة بين العديد من الفلسطينيين، لكن البعض في واشنطن يعتبره اقتراحاً غير عملي لأن الحكومة الإسرائيلية لن ترغب في إطلاق شخص تتهمه بأن «يديه ملطختان بالدماء».
وقال مسؤول أميركي، إن اختيار زعيم لغزة سيكون معقداً لأن كل طرف في المنطقة لديه شخصياته المفضلة ومصالحه الخاصة.
وستدعم الولايات المتحدة في نهاية المطاف أي زعيم يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني وحلفاؤها في المنطقة، إضافة إلى إسرائيل.
وذكر جوست آر.هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، «من الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى تجديد شباب القيادة الفلسطينية، لكن الدخول في غمار ذلك مرة أخرى أمر شائك للغاية».
وقال إن الدول العربية سترفض بالقطع أي مرشح لا تفضله، وعلى الأرجح ستفوز «حماس»، التي تصور نفسها على أنها قائدة النضال من أجل الاستقلال الفلسطيني، في أي انتخابات.
وهناك مخاطر كبيرة من احتمال امتداد الصراع إلى الضفة الغربية المحتلة وإلى خارج إسرائيل.
ويؤكد مسؤولون وديبلوماسيون عرب، أنه لم يظهر مثل هذا القدر من القلق من انتشار العمل العسكري في أنحاء الشرق الأوسط منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
ومهما كانت قرارات بايدن الديبلوماسية، يقول مستشاروه إنه ليس لديه مصلحة في جر الولايات المتحدة إلى دور عسكري مباشر في الصراع، ما لم تهدد إيران أو وكلاؤها في المنطقة المصالح الأمنية الأميركية.
وصرح الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي للصحافيين هذا الشهر «لا توجد خطط أو نوايا لنشر قوات عسكرية أميركية على الأرض في غزة، سواء الآن أو في المستقبل».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي