«أهلي يرفضون مغادرة غزة»
محمد عساف لـ «الراي»: هل يجب أن نكون أصحاب عيون زرق وشعر أشقر ليتضامن العالم معنا؟
محمد عساف
- لست مع حل الدولتين... بل مع زوال الاحتلال الذي يقتلنا منذ 75 عاماً
- تركتُ العمل مع الأونروا منذ عام 2016 بسبب شكاوى بعض الجمعيات الصهيونية للأمم المتحدة
- طُلب مني أن أكون محايداً لأنني أعمل لمصلحة منظمة دولية... فأعدتُ إليهم الجواز وقلتُ لهم إنني لا أمسك العصا من الوسط
يعيش الفنان الفلسطيني محمد عساف في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو من سكان غزة التي لايزال أهلها يعيشون فيها ويرفضون مغادرتها على الرغم من الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها.
عساف كشف في حوار مع «الراي» عن سبب تخليه عن العمل مع «الأونروا»، كما تحدث عن معاناة غزة وناسها وكل الشعب الفلسطيني، متسائلاً «هل يجب أن نكون أصحاب عيون زرق وشعر أشقر ليتضامن العالم معنا؟».
• كفنان فلسطيني، كيف تتحدث عن الوضع في غزة منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم؟
- ما يحدث في غزة ليس جديداً وعمره 75 عاماً، ولكن لا أحد يتكلم ودائماً يساوون بين الضحية والجلاد. العالم ظالم وينظر بعين واحدة، مع أنه لا يوجد وضوح أكثر من الذي يحصل في غزة. التحريض مستمرّ علينا، والدول الكبرى التي تدعم إسرائيل ترفض وقف إطلاق النار. لسنا مصدومين بما يفعله الاحتلال، لأنه لطالما كان يفعل ذلك، ولكن الصدمة هي من الدول الكبرى التي تدعمه ويبدو أن الشياطين هم الذين يحكمون العالم.
في غزة يموت الأطفال الأبرياء والصور تتحدّث عنهم، ولا أعرف ماذا يريدون أكثر. أين هي الإنسانية؟ هم يضحكون علينا منذ أن اخترعوا الأمم المتحدة وحتى اليوم، وهم أوجدوها من أجلهم وليس من أجلنا، فهي أصدرت مليون قرار ولم يُنفذ منها شيء. كل العالم تَضامَنَ مع أوكرانيا ولا أحد يسأل عنا. فهل يجب أن نكون أصحاب عيون زرق وشعر أشقر كي يتضامنوا معنا؟
• ماذا تتوقّع للمرحلة المقبلة؟
- مخطط ترحيل سكان غزة أصبح واضحاً، ولكنه سيفشل. أهلنا لجأوا عام 1948 من الرملة إلى غزة، واليوم إلى أين يمكن أن يذهبوا؟ وأؤكد أن شعبنا لن يغادر أبداً ومن المستحيل أن يفعلوا ما فعلوه سابقاً. لكنني متشائم جداً ولا أعرف ماذا ينتظر مجلس الأمن أن يحصل وما عدد الأبرياء الذين يجب أن يسقطوا كي يوقفوا الحرب. نحن نتعرض لظلم غير مسبوق في تاريخ البشرية لأنهم يساوون بين الضحية والجلاد. ولمَن يقول إنه يحق لإسرائيل أن تدافع عن نفسها، فأي قانون يسمح للمحتلّ بأن يدافع عن نفسه.
• هل تتواصل مع أهلك في غزة وماذا يخبرونك؟
- أتواصل معهم بشكل يومي، وهم يخبرونني عن صعوبة الوضع في غزة. لا يوجد ماء ولا خبز وهم يعانون كثيراً. في بيتنا تعيش عشرات العائلات، أي نحو 100 شخص، بالإضافة إلى أمي وأبي وشقيقيّ الصغير والكبير، والأخير متزوج ولديه 5 أطفال. وعندما قُطعت الاتصالات خفتُ كثيراً على أهلي وتوجستُ كثيراً لما يمكن أن يحصل. وفي الأساس، لا أحد يعرف ماذا يمكن أن يفعلوا أكثر. هل يوجد ظلم أكبر من الذي يحصل، أين حقوق الإنسان التي يتغنون بها؟ وألسنا بشر كالآخرين؟ وأنا أدعو كل الناس إلى نشر جرائم الاحتلال على «السوشيال ميديا»، لأن هذا يكشف الحقيقة للرأي العام العالمي. وأنا أنشر دائماً فيديوهات على هذه المواقع. وكفنان، يمكنني أن أدعم شعبي بفني وقد شاركتُ في عمل مع مجموعة من الفنانين العرب وهو سيصدر قريباً، كما انني في صدد التحضير لأغنية وطنية جديدة.
• كيف تقارن بين حروب غزة السابقة وبين «طوفان الأقصى»؟
- عايشتُ في غزة حرب 2008 وحرب 2012، ولكن الإجرام الذي يُمارَس بحق الفلسطينيين في «طوفان الأقصى» لا يمكن وصْفه ولا يتصوره عقل. هم يقصفون المستشفيات والمساجد والكنائس والمدارس والمخابز والأفران، ويقصفون المناطق الجنوبية يومياً وفي الوقت نفسه يطلبون من الناس النزوح إليها على اعتبار أنها آمنة. ولكن ما ضاع حقٌّ وراءه مُطالِب ونحن شعب تحت الاحتلال، ومن حقنا مقاومته، وهذا الحق تفرضه كل الشرائع الدولية والدينية والقانونية، ويفترض أن العالم الحر يعرف ذلك.
شعبنا الأعزل يتعرض لهجمة وحشية من محتلّ يملك سلاحاً نووياً. إنها الحقيقة، ونحن نحترم العمل المقاوم ونقدّره ولكن لا يوجد توازن بين الطرفين. لا أعرف كيف ستكون النهاية وهذه المرة أقف عاجزاً، إلا أن الأمل يظل موجوداً وغالبية الناس مع القضية الحقيقية، وأنا لست مع حل الدولتين، بل مع زوال الاحتلال الذي يقتلنا منذ 75 عاماً.
• كيف تتحدث عن تجربتك مع الأمم المتحدة كسفير لها؟
- تركتُ العمل مع الأونروا منذ عام 2016 بسبب شكاوى بعض الجمعيات الصهيونية للأمم المتحدة، وهم قالوا إنني معاد للسامية وأحرّض ضدهم من خلال مقابلاتي وأغنياتي.
وهذا الكلام أقوله للمرة الأولى، يومَها طُلب مني أن أكون محايداً لأنني أعمل لمصلحة منظمة دولية، فأعدتُ إليهم الجواز وقلتُ لهم إنني لا أمسك العصا من الوسط وأنتم اخترتموني كسفير للنيات الحسنة كوني لاجئاً فلسطينياً، فهل ممنوع عليّ الدفاع عن أهلي وشعبي؟ ولذلك، لا يمكنني الاستمرار معكم. وهم تفهّموا وطلبوا مني عدم التحدث عن الموضوع في الإعلام في ذاك الوقت.
لا يمكن المجاملة عندما يتعلّق الأمر بالوطن، وأنا دفعتُ أثماناً كثيرة في بعض المواضيع التي أحب التطرق إليها، وحذفت أغنياتي الهادفة من «يوتيوب». أنا ابن الشعب الفلسطيني ولاجئ فلسطيني وابن غزة، وأهلي ليسوا فقط عائلتي، بل كل أهلها. ولم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب ولا يمكن أن أساوم في المواضيع الوطنية. أهلي يرفضون المغادرة وقد سألتُ والدتي هل تفكر بالمغادرة من قبيل المزاح لأنني أعرف جوابها مسبقاً، فأجابتني بأنهم باقون وما يحصل مع الناس ولهم يحصل معهم، ولكنني خفت من توجيه هذا السؤال لوالدي. حتى انني طلبتُ منهم قبل فترة بعيدة أن يعيشوا في مكان آخَر ولكنهم رفضوا مغادرة مخيم خان يونس.