الرأي اليوم
أحمد النواف... اصعد وفنّد
سمو الشيخ أحمد النواف رئيس مجلس الوزراء
تحية طيبة، وتقدير من القلب والعقل لشخصك الكريم ومكانتك الشعبية والرسمية، واستذكار دائم للقيم والمبادئ التي جُبلت عليها في كنف والدنا جميعاً صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد حفظه الله ورعاه وأمدّه بموفور الصحة والعافية.
الشيخ أحمد
اسمح لي بكلام واضح ومباشر من مُحبّ لبلده ومُحبّ لك... ومن باب صديقك من صَدّقك لا من صَدّقك.
وأنتم تقودون سفينة السلطة التنفيذية في البلاد، لا يخفى عليكم أن المسار والمسير لا يتمّان في أجواء صافية دائماً، وأن الوصول إلى موانئ الأمان دونه مشقّة وتعب وعقبات... ليس في الكويت فقط وإنما في كل دول العالم، وهذا قدر الحكومات وبالدرجة الأولى قدر المسؤول الأول فيها.
ولنكن واضحين بأن الصورة ليست ورديّة، لا عندنا ولا عند غيرنا، وأن التعرّض للتحدّيات أمر مُتوقّع بل ربما كان يوميّاً، ومُواجهة هذه التحدّيات يُفترض أن تكون جزءاً لا يتجزّأ من عملك اليومي لأنها من طبيعة الأمور، ولذلك فكلّ من يُهوّل الأمر ويُصوّر لك أيّ اعتراض أو تعارض أو مُلاحظة أو خلاف أو استخدام للأدوات الدستورية بأنها «مُؤامرة» فهو يتآمر عليك... أو يسيء إلى مكانتك من دون أن يدري إذا افترضنا صفاء النية.
طبعاً، مُناسبة الحديث هو الاستجواب المُقدّم لك بصفتك رئيساً للوزراء من قبل النائب مهلهل المضف، وهو حقّ كامل له ولغيره من أعضاء السلطة التشريعية بموجب التفويض الشعبي بالرقابة، وهو حقّ دستوري يُفترض أنّك أوّل من يُدافع عنه.
الاستجواب، يقيناً بنى النائب المضف محاوره على جُملة أسس اعتبر أنها جديرة بالمساءلة من وجهة نظره، ويفترض تمسّكاً بالدستور وحرصاً عليه أن ينحصر الموضوع في هذه المحاور، ولذلك فأقصر وأسلم الطُّرق للتعاطي معها هو مُواجهتها بنداً بنداً وتفنيدها وتقديم الأدلة والبيانات الدالة على صحة التعاطي معها وصوابيّة الأداء وتصحيح الصورة إن كانت التبست على البعض... ومن أقدر منك كرئيس الوزراء على ذلك وأنت تملك الصورة كاملة وتتعاطى بكلّ الملفّات ويفترض أنك تمتلك الردود الشافية على أيّ سؤال.
الشيخ أحمد النواف
يتّفق الجميع على محبّتك للنّاس وقُربك منهم وعلى تواضعك وأدبك الجمّ وأخلاقك الرفيعة، ولا يُشكّك أحد في نزاهتك وطهارة يدك، لكن إذا كانت المُساءلة تتعلّق بالأداء فيجب المُواجهة لإثبات قُدراتك وكفاءتك ووضع الأمور في نصابها وتصحيح المُغالطات ووضع الإصبع على الجُرح وكشف ما يجب أن يُكشف لتوضيح الصورة.
ولا نعتقد أنك لا سمح الله عاجز عن ذلك بما تملك من رصيد إداري طويل وتنقّل وتدرّج في المناصب وقبول شعبي كبير.
أما إذا رأيت أن الأجواء لم تعد مُناسبة للاستمرار في منصبك نتيجة مُعطيات خاصة لديك فالتنحي خيارك وهذا لا يعيبك بل يرفع من قدرك خصوصاً إذا حصلت مُكاشفة موضوعية لما جرى ويجري.
ومن حُسن الطالع أن أوّل مُستجوبيك نائب ماعرف عنه إلا حرصه على مصالح الناس والرقيّ في الحوار وهذا يعطيك الفرصة لإثبات كفاءتك للمنصب من خلال تفنيد المحاور في بيئة راقية ولغة خطاب مُتحضّرة.
سمو الرئيس
ما إن أعلن النائب مهلهل المضف استجوابه وفي إطار الدستور وبكلمات سياسيّة راقية حتى انفتح عليه «باب جهنّم» في وسائل التواصل الاجتماعي من مُغرّدين معروفين وحسابات واضحة تبعيّتها لمن، وهذا الأسلوب أنت شخصيّاً تعترض عليه وهو سلاح ذو حدّين وسيضرّ بالنهج الأخلاقي الذي تسير عليه، ولذلك فاحذر من ضغط المُحيطين حولك عليك للّجوء إلى أساليب من سبقوك في التعاطي مع الاستجوابات، لأن تجييش المُغرّدين لضرب خُصومك وفتح أبواب العطايا والتنفيع والتمرير للنواب وغيرهم قد يفيدك مرحلياً لكن يقيناً سينقلب السّحر على السّاحر كما انقلب على من سبقوك.
ولا أظنّ بأن الأمر يخفى عليك، لأنّك تعي وبوضوح أن ما يُكتب في وسائل التواصل ليس هو بالضرورة رأي كلّ أهل الكويت، فإن أردت معرفة توجّه ومشاعر ومطالب الناس فعليك النزول إليهم والاختلاط بهم والتحاور معهم وفتح أبوابك دائماً لهم ومُواجهتهم وجهاً لوجه سواء باللقاءات المُباشرة أو عبر وسائل الإعلام بدلاً من مُحاولة المُحيطين بك إبقاؤك في برج عاجي والاعتماد على تسخير الحسابات الوهمية لمدحك وضرب من تعتقد أنهم خُصومك.
وبما أنّ الدين النصيحة، نتمنّى أن تكون حذراً وشفّافاً وصريحاً في التعامل مع النواب، وألّا تصدّق أن من كان خِصماً لدوداً لسلفك وتحوّل إلى مُدافع شرس عنك سيستمر في ذلك طول الوقت، فمثل هؤلاء يعملون لمصالحهم الشخصية وتأتي مصلحتك ومصلحة الكويت في آخر أولويّاتهم.
والأمر نفسه ينطبق على من هم خُصومك الآن في المجلس بعد أن كانوا مُوالين لمن سبقك.
الشيخ أحمد النواف
ختاماً، الاستجواب مُفترق طريق لك، فإن تسلّحت بالاعتماد على الله أولاً وأخيراً، وبالرصيد الضخم من محبّة أهل الكويت لك شخصياً ولكم كأسرة، وبمستشارين يصدقونك القول ويعطونك النصيحة الصائبة والرأي السديد حتى وإن كان قاسياً أو مرّاً، وإن ابتعدت كليّاً عن الاستعانة بوعّاظ السلاطين من مُطبّلين ومُحرّضين فستسلك الطريق الصحيح للاستمرار في أداء الأمانة.
«... فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».