قيم ومبادئ

مجلس الوزراء

تصغير
تكبير

من تعاسة الهدّامين الداعين إلى الفوضى والفساد أنهم يهدمون كل دعائم استقرار المجتمعات أينما حلّوا بها... فتجدهم كلما خربوا بلداً فرّوا إلى آخر وهكذا...
ولو أننا نزعنا من تاريخ الدول والمجتمعات كل ما استفادوه من استقرار الأسرة والدين والوطن لما بقي شيء من موروث الإنسان المتحضر ولعادت عقارب الساعة بالإنسان إلى الهمجية وشريعة الغاب... والغريب حقاً أنهم في مفردات خطابهم الشعبوي الحماسي يزعمون أن الخير كل الخير في نقضها ومحو آثارها وإعلان العداء للماضي بكل صورة؟ ولو كان التقدم الذي يتحدثون عنه في خطبهم وشعاراتهم معناه أن يهدم الناس كل ما بنته المدنية في ماضيها لوجب أن نمحو ما تعلمناه من صناعاتها وآلات المعيشة في بيوتنا ومجتمعاتنا... ولكن دعاة الهدم والفوضى والتخريب لا يملكون الجرأة على الدعوة لهذه الحماقة السياسية والفكرية... لأن الخراب الذي تؤدي اليه أفكارهم ومناهجهم محسوس ملموس لا يقبل السفسطة ولا الجدل، كما أنهم يتخيلون أن الخراب الذي يؤدي إليه هدم العائلة والوطن والعقيدة أهون من ذلك الخراب الذي نحسه ونلمسه اليوم؟

والواقع أن هدم العائلة والوطن والدين أسوأ عاقبة من هدم الأماكن والعمارات والبيوت. فمن العائلة دون غيرها تعلمنا ونحن صغار طرق الاجتماع وآداب الحديث والأصول في قواعد الأخلاق والتعاون والتكاتف في البناء بين مكونات المجتمع وفق الصفات المحمودة، فالرحمة مأخوذة من الرحِم وهو القرابة من جهة الأمهات والآباء والكرم مأخوذ من الأصل العريق المنزه من الاخلاط، والعزة تطلق على الأسرة التي لا تُغلب لكثرتها والحرية ووصف الحُرّ وتعني النسب الخالص من الهجنة، وما من وطن من الأوطان يستطيع أن يزرع كل ما يحتاج إليه في مأكوله أو يستخرج من المعادن ما يحتاجه في صناعاته وما من حكومة تستطيع القيام بكل الواجبات القومية وتنفرد بسن القوانين وتنظيم المحصولات والمصنوعات. فلا غنى في نهاية الأمر عن الإدارة الوطنية المشتركة وعن استقلال كل وطن بشؤونه.
ثم اشتراك جميع الأوطان في الشؤون العالمية فلماذا تهدم الأوطان؟ ونحن أحوج ما نكون إليها وخاصة في هذا الزمان! وليس تاريخ الإنسانية تاريخ بنك أو غرفة تجارة أو شركة تجارية حتى نرجع بأطوار الإنسانية جميعاً إلى توزيع الأسهم والأرباح وتدبير إرساء المناقصات بالمحاصصة!
ولو كان المال وحده كافياً لخلق الأوطان وإقناع الناس بالتضحية لما كانت هناك حاجة إلى الإسلام، ولا حتى احتاج الشيوعيون أنفسهم إلى تسمية الحرب العالمية بالحرب الوطنية!
فليس تاريخ الأوطان للمزايدة أو المتاجرة وإنما ترجع إلى تاريخ الأوطان فنعلم يقيناً أنها تقوى وتزدهر بمقدار ما في نفوس رجالها من الشجاعة والصبر والتضحية في الشدائد.
وإنما تزول الأوطان أو تقترب من الزوال كلما استسلمت للترف، وغلب عليها الطغيان والملهيات على حساب الفضيلة والقيم، فتزول أو تقترب من الزوال كلما ظهر فيها طمع المال على وازع الدين، وبعد هذا كله لا جرم أنك تجدهم يستديرون إلى العقائد والأديان ليبطلوها أصلاً وفصلاً كما استداروا على العائلة لتمزيقها وعلى الوطن لازدرائه وتدنيسه...
إن تاريخ الإنسانية هو تاريخنا ومن الحق علينا أن نراجع أنفسنا قبل هدمه وتقويضه... ولكن الهدّامين ينظرون إلى تاريخ الإنسانية كأنه تاريخ الجاهلية فقط فالهدم عندهم هو الأصل والعفو والتسامح هو الاستثناء وساعدهم في ذلك سهولة الهدم مع بعض الطبائع المبتلاة بالمسخ والتشويه! فهل نعي ذلك يا مجلس الوزراء؟!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي