وقائع الميدان وخريطةُ المواجهات فوق الأرض وفي... الجوف
غزة تتحدّى التحالفَ الأميركي - الإسرائيلي... والغضب الدولي يتصاعد
أم فلسطينية تحتضن ابنتها بعد فرارهما من شمال قطاع غزة إلى جنوبه
مع بزوغ الفجر في قطاع غزة المُحاصَر، أشار دويُّ الدبابات وأزيز الطائرات من دون طيار إلى فصل جديد في الصراع المستمرّ منذ فترة طويلة. وفي عرضٍ محسوب للدقة العسكرية، شنّت القوات الإسرائيلية هجوماً متعدد الجبهة، ودخلت الجيب الساحلي من نقاط استراتيجية في محاولةٍ لإعادة تشكيل ساحة المعركة وسط مقاومةٍ فلسطينية بطولية باسلة.
ويأتي هذا التصعيد وسط الاحتجاج الدولي، حيث أصبحت الولايات المتحدة وإسرائيل في بؤرة الإدانة لدورهما في العدوان العشوائي والمنهجي.
والسيناريو الذي يتكشف في غزة، ليس مجرد شهادة على الصراع المستمرّ الذي ابتُليت به المنطقة، بل هو أيضاً انعكاس للتفاعل المعقّد بين القوة العسكرية والتحالفات الجيوسياسية. إذ أكدت المشاركة العسكرية الأميركية، بما في ذلك القوات الخاصة وتكنولوجيا الطائرات من دون طيار المتقدمة، العمقَ الاستراتيجي للصراع وكشفت عن شبكة من المعلومات الاستخباراتية المشترَكة والخبرات القتالية والدعم اللوجستي تربط الولايات المتحدة وإسرائيل في سعيٍ لتحقيق الأهداف التي استعصت حتى الآن عليهما بسبب المقاومة الشديدة للمدافعين عن المدينة في قطاع صغير يُكتب فيه التاريخ بلغة الخسارة والتحدي.
في مواجهةِ الوجودِ العسكري الإسرائيلي الساحق، وتدفُّق عشرات الآلاف من الجنود وعشرات الدبابات على المناطق الشمالية من قطاع غزة، لم يَستسلم أيُّ عضوٍ في المقاومة الفلسطينية. ووسط احتدام المعركة، لم يتم رفْع أعلام الاستسلام البيضاء، ما يشير إلى روح التحدي الذي لا يَنْضب للمقاتلين داخل هذا الجيب الصغير المكتظّ بالسكان في مواجهة عدوٍّ يتفوّق بالعدد والعدة ولكن يفتقر لروحية القتال والتضحية.
إذ تغطي قطاع غزة كتلةٌ يابسة ضيقة على الحدود مع البحر الأبيض المتوسط وتحوط به مصر وإسرائيل، بمساحةٍ تزيد قليلاً عن ضعف مساحة واشنطن العاصمة. وتبلغ مساحة غزة 140 ميلاً مربعاً (363 كيلومتراً مربعاً) وهي عبارة عن مسطح طبيعي إلى متدحرج التضاريس، مع مساحات شاسعة من الرمال والكثبان الرملية التي تحدد سهلها الساحلي بطول 41 كيلومتراً (25 ميلاً) وعرض 6 إلى 12 كيلومتراً (3.7 إلى 7.5 ميل).
وتتركز العمليات الإسرائيلية الحالية على شريط ضيق للغاية، طوله 13 كيلومتراً. وفي هذه المنطقة المحدودة، أطلقتْ القواتُ الإسرائيليةُ كميةً هائلةً من المتفجّرات بلغت 25 ألف طن على مدى الأيام الـ 33 الماضية - وهي كمية تعادل ما يقارب مرة ونصف قوة قنبلة نووية.
ومع تَقَدُّمِ وحدات المشاة، كثيراً ما تواجه مقاومةً شرسة. ورداً على ذلك، تم استدعاء القوات الجوية لتقديم الدعم، واستهداف أهداف محدَّدة لتمهيد الطريق للقوات البرية. وتؤكد استراتيجية الأسلحة المجمعة، التي تدمج تقدُّم المشاة مع الضربات الجوية الدقيقة، كثافةَ الحملة العسكرية داخل الحدود المكتظة بالسكان في غزة.
وفي مناورةٍ عسكرية منسَّقة، شنّت القواتُ الإسرائيلية غزواً متعدد الجبهة لشمال القطاع، متقدمةً من الشمال الغربي على طول الخط الساحلي، ومن الشمال الشرقي وعبر طريق مركزي يقسم المنطقة فعلياً، ويقطع المناطق الشمالية عن جنوب القطاع.
ومن الشمال الغربي، تتحرّك أرتال من المدرعات باتجاه مخيم الشاطئ المكتظ بالسكان، عبر شارع أحمد عرابي باتجاه التقاطع الاستراتيجي مع شارع الرشيد الموازي لساحل البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت نفسه، شنّت الدبابات الإسرائيلية هجوماً من الشمال الشرقي باتجاه مخيمات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، وهي مناطق كانت بمثابة بؤر اشتعال تاريخية في الصراع الدائر.
وقد شهد التوجه المركزي للغزو تَحَرُّكَ القوات الإسرائيلية من المناطق الأقل سكاناً إلى المناطق الأكثر اكتظاظاً شمال وادي غزة، المعروف بتضاريسه الأكثر ليونة، وتقدّمها من محيط جحر الديك. وسمحت هذه المناورة للدبابات بالوصول إلى شارع الرشيد من الداخل، ما أدى فعلياً إلى إغلاق الطريق الساحلي من الشمال الغربي حيث لا يزال القتال مستمراً.
وفي منطقة الزيتون جنوب غربي غزة، تخوض الدبابات الإسرائيلية معركة شرسة، كجزء من هجوم أوسع شهد استخدام الجيش قوته الكاملة في جهد منسّق لإخضاع المنطقة.
وتطلق القوات الجوية، إلى جانب الوحدات البحرية العنان لقصف لا هوادة فيه، مستهدفة الحي في محاولة لتمهيد الطريق أمام تقدم المشاة المتعثّر.
ويشير هذا الهجوم متعدد الجوانب إلى الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للجيش، الذي يخصص موارد كبيرة لضمان نجاح قواته البرية كي تستطيع التوغل داخل غزة. وقد أدى وجود مقاومة حازمة إلى تحويل مسرح العمليات إلى كتل من النار، ما أجبر القوات الإسرائيلية على تقليص تقدمها من خلال التراجعات الاستراتيجية، وهو النمط الذي أكْسبها لقب التقدم «بوتيرة السلحفاة» حيث يمكن لكل زاوية أن تجلب تحدياً جديداً وكل شارع أن يشكل مسرح للمقاومة وهزيمة للمعتدي.
ويَظهر تناقض صارخ في الحرب. مقاتلو «حماس» يرتدون ملابس مدنية ومن دون دروع أو أسلحة متطورة، يَظهرون وهم يحملون السلاح في حربٍ غير متكافئة الإمكانات والعدد والعدة. ومع وجود قذيفة صاروخية فقط تحت تصرف كل مقاوم، يتقدم هؤلاء إلى مسافة بضعة أمتار من الدبابات قبل إطلاق قذائفهم. ويجسد هذا المشهد التصميمَ المطلق للمقاومة، المسلّحة بقنابل بدائية ومصنوعة محلياً، في وجه أحد أكثر الجيوش تقدماً من الناحية التكنولوجية في الشرق الأوسط.
وتواجه القوات الغازية، المجهزة بأحدث الدروع الواقية للمشاة والمدعومة بطائرات متطورة وقوة بحرية، خصوماً يتعزز تصميمهم باستعدادهم للانخراط في قتال بمسافة صفر على الرغم من التفاوت الهائل في الأسلحة.
علاوة على ذلك، وفي موجةٍ من الغضب العالمي، تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل إدانةً واسعة النطاق لدورهما في القصف المدمّر لغزة والتعاون المشترك بينهما. وقد أثار الدمار العشوائي والمنهجي ضد المدنيين الغضبَ، حيث وصف المنتقدون الحملة العسكرية بأنها إبادة جماعية استهدفت بشكل غير متناسب الأطفال والنساء بشكل رئيسي.
وتعرض التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل لانتقاد كثيف في ضوء ما تشكله الجرائم المرتكبة من مخالفات هائلة للقوانين الدولية وما يعّبر عنه موقف واشنطن من ازدواجية فاقعة للمعايير ناهيك عن دورها البعيد عن صنع السلام، حيث أصبح من الواضح بشكل متزايد أن القوات الأميركية ليست متواطئة فحسب، بل تشارك بنشاط في الصراع.
إذ تتجاوز هذه الشراكة مجرد الدعم الإعلامي والمادي لأنها تشمل المعلومات الاستخباراتية المشترَكة واستراتيجيات المعركة وخبرة القوات الخاصة وتوفير الإمدادات الحيوية مثل الذخيرة والطائرات من دون طيار.
وفي الواقع، فإن تأكيد العميد باتريك رايدر، الناطق باسم البنتاغون، نشْر قوات خاصة أميركية في محيط غزة والنشاط العملياتي لطائرات من دون طيار طراز MQ-9 Reaper في السماء بحجة تحرير الرهائن وكشْف أماكن وجودهم، يمثل تصعيداً ملحوظاً في البُعد الدولي للصراع.
وقد تم تصميم MQ-9 Reaper، وهي الدعامة الأساسية للعمليات العسكرية الأميركية، للمراقبة طويلة الأمد والمراقبة على ارتفاعات عالية والضربات الدقيقة. وعادةً ما يتم نشر حمولتها من ثمانية صواريخ Hellfire ضد أهداف عالية القيمة في البيئات المفتوحة.
لكن الرهائن، وفق تقارير المفرج عنهم، محتجَزون في شبكة جوفية واسعة النطاق، وهي منيعة في وجه المراقبة الجوية التقليدية والضربات.
وتشير روايات الرهائن حول عدم سماعهم للقصف السطحي إلى أن الأنفاق ليست عميقة فحسب، بل إنها مبنية بشكل جيد أيضاً للحماية من الضوضاء وربما تأثيرات القصف الجوي. ويقدّم هذا الكشف عن أعماق الأنفاق لمحةً عن الإجراءات الدفاعية المتطورة التي نفذتها «حماس».
علاوة على ذلك، فإن استراتيجية حماس المتمثلة في تقسيم الرهائن عبر مواقع متعددة داخل هذه الشبكة تضيف طبقةً من التعقيد إلى أي عملية إنقاذ محتملة. وهذا يلغي بشكل فعال ميزة قدرة الضربة الدقيقة لـ Reaper، حيث إن خطر حدوث أضرار جانبية في مثل هذه المنطقة المكتظة بالسكان مرتفع، والمواقع الدقيقة للرهائن لا تزال مجهولة.
إضافة إلى ذلك، قدمت الولايات المتحدة 2000 عنصر من قوات «دلتا» المتخصصة و1000 من القوات الخاصة ومشاة البحرية لدعم إسرائيل.
من ناحية أخرى، يواجه المشاة الإسرائيليون مهمة شاقة تتمثل في التنقل وتحييد المتاهة الشاسعة تحت الأرض، والتي تكون محفوفة بالمخاطر بما في ذلك الكمائن والعبوات الناسفة واحتمال تكبد خسائر كبيرة. ولا تعمل الأنفاق كإجراء وقائي لحماس فحسب، بل أيضاً كميزة تكتيكية، ما يسمح لعناصرها بالتحرك والعمل بحرية.
ولذلك، فإن مشاركة القوات الخاصة الأميركية وتكنولوجيا الطائرات من دون طيار المتقدمة تؤكد الأهمية الاستراتيجية للصراع بالنسبة للولايات المتحدة والصورة المهزوزة للجيش الإسرائيلي الذي يحتاج لدعم قوة عظمى لمساحة صغيرة ضد مجموعة من مقاومين ضعيفي التسليح في مواجهة خصم مصمم ومجهّز جيداً يستخدم تكتيكات الحرب غير المتكافئة.
ولا يزال الوضع متوتراً وغير مستقر، حيث يتوقف مصيرُ الرهائن ونتيجةُ الصراع على قدرة القوات الإسرائيلية على التكيف مع ساحة المعركة الجوفية، وهو هدف مستحيل، أو الدخول في مفاوضات لتبادل الرهائن.
وتقف مدينة غزة الصغيرة في تَناقُض صارخ مع هذا التعاون الهائل، حيث تمكّن مقاتلو المقاومة من درء أي انتصارات حاسمة للقوات الغازية. ورغم القوة العسكرية الساحقة التي تم حشْدها ضدهم، إلا أن المدافعين عن المدينة صمدوا في مواقعهم، ما يشكل عقبة لا تتزعزع أمام أهداف التحالف الأميركي الإسرائيلي.
ولم تؤد هذه المقاومة العنيدة إلا إلى تأجيج الغضب المتزايد ضد إسرائيل وأميركا بينما يتصارع المجتمع الدولي مع الصور والتقارير المروّعة الصادرة عن الواقع في الجيْب المحاصر.
ولا يقتصر الغضب على حجم الدمار فحسب، بل يمتد أيضاً إلى طبيعة الحرب، التي يرى الكثيرون أنها تَجاهُل صارخ لمبادئ التناسب والتمييز في الصراع، ما يثير تساؤلات جدية حول عدم الامتثال للقانون الإنساني الدولي.
ويأتي هذا التصعيد وسط الاحتجاج الدولي، حيث أصبحت الولايات المتحدة وإسرائيل في بؤرة الإدانة لدورهما في العدوان العشوائي والمنهجي.
والسيناريو الذي يتكشف في غزة، ليس مجرد شهادة على الصراع المستمرّ الذي ابتُليت به المنطقة، بل هو أيضاً انعكاس للتفاعل المعقّد بين القوة العسكرية والتحالفات الجيوسياسية. إذ أكدت المشاركة العسكرية الأميركية، بما في ذلك القوات الخاصة وتكنولوجيا الطائرات من دون طيار المتقدمة، العمقَ الاستراتيجي للصراع وكشفت عن شبكة من المعلومات الاستخباراتية المشترَكة والخبرات القتالية والدعم اللوجستي تربط الولايات المتحدة وإسرائيل في سعيٍ لتحقيق الأهداف التي استعصت حتى الآن عليهما بسبب المقاومة الشديدة للمدافعين عن المدينة في قطاع صغير يُكتب فيه التاريخ بلغة الخسارة والتحدي.
في مواجهةِ الوجودِ العسكري الإسرائيلي الساحق، وتدفُّق عشرات الآلاف من الجنود وعشرات الدبابات على المناطق الشمالية من قطاع غزة، لم يَستسلم أيُّ عضوٍ في المقاومة الفلسطينية. ووسط احتدام المعركة، لم يتم رفْع أعلام الاستسلام البيضاء، ما يشير إلى روح التحدي الذي لا يَنْضب للمقاتلين داخل هذا الجيب الصغير المكتظّ بالسكان في مواجهة عدوٍّ يتفوّق بالعدد والعدة ولكن يفتقر لروحية القتال والتضحية.
إذ تغطي قطاع غزة كتلةٌ يابسة ضيقة على الحدود مع البحر الأبيض المتوسط وتحوط به مصر وإسرائيل، بمساحةٍ تزيد قليلاً عن ضعف مساحة واشنطن العاصمة. وتبلغ مساحة غزة 140 ميلاً مربعاً (363 كيلومتراً مربعاً) وهي عبارة عن مسطح طبيعي إلى متدحرج التضاريس، مع مساحات شاسعة من الرمال والكثبان الرملية التي تحدد سهلها الساحلي بطول 41 كيلومتراً (25 ميلاً) وعرض 6 إلى 12 كيلومتراً (3.7 إلى 7.5 ميل).
وتتركز العمليات الإسرائيلية الحالية على شريط ضيق للغاية، طوله 13 كيلومتراً. وفي هذه المنطقة المحدودة، أطلقتْ القواتُ الإسرائيليةُ كميةً هائلةً من المتفجّرات بلغت 25 ألف طن على مدى الأيام الـ 33 الماضية - وهي كمية تعادل ما يقارب مرة ونصف قوة قنبلة نووية.
ومع تَقَدُّمِ وحدات المشاة، كثيراً ما تواجه مقاومةً شرسة. ورداً على ذلك، تم استدعاء القوات الجوية لتقديم الدعم، واستهداف أهداف محدَّدة لتمهيد الطريق للقوات البرية. وتؤكد استراتيجية الأسلحة المجمعة، التي تدمج تقدُّم المشاة مع الضربات الجوية الدقيقة، كثافةَ الحملة العسكرية داخل الحدود المكتظة بالسكان في غزة.
وفي مناورةٍ عسكرية منسَّقة، شنّت القواتُ الإسرائيلية غزواً متعدد الجبهة لشمال القطاع، متقدمةً من الشمال الغربي على طول الخط الساحلي، ومن الشمال الشرقي وعبر طريق مركزي يقسم المنطقة فعلياً، ويقطع المناطق الشمالية عن جنوب القطاع.
ومن الشمال الغربي، تتحرّك أرتال من المدرعات باتجاه مخيم الشاطئ المكتظ بالسكان، عبر شارع أحمد عرابي باتجاه التقاطع الاستراتيجي مع شارع الرشيد الموازي لساحل البحر الأبيض المتوسط. وفي الوقت نفسه، شنّت الدبابات الإسرائيلية هجوماً من الشمال الشرقي باتجاه مخيمات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، وهي مناطق كانت بمثابة بؤر اشتعال تاريخية في الصراع الدائر.
وقد شهد التوجه المركزي للغزو تَحَرُّكَ القوات الإسرائيلية من المناطق الأقل سكاناً إلى المناطق الأكثر اكتظاظاً شمال وادي غزة، المعروف بتضاريسه الأكثر ليونة، وتقدّمها من محيط جحر الديك. وسمحت هذه المناورة للدبابات بالوصول إلى شارع الرشيد من الداخل، ما أدى فعلياً إلى إغلاق الطريق الساحلي من الشمال الغربي حيث لا يزال القتال مستمراً.
وفي منطقة الزيتون جنوب غربي غزة، تخوض الدبابات الإسرائيلية معركة شرسة، كجزء من هجوم أوسع شهد استخدام الجيش قوته الكاملة في جهد منسّق لإخضاع المنطقة.
وتطلق القوات الجوية، إلى جانب الوحدات البحرية العنان لقصف لا هوادة فيه، مستهدفة الحي في محاولة لتمهيد الطريق أمام تقدم المشاة المتعثّر.
ويشير هذا الهجوم متعدد الجوانب إلى الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للجيش، الذي يخصص موارد كبيرة لضمان نجاح قواته البرية كي تستطيع التوغل داخل غزة. وقد أدى وجود مقاومة حازمة إلى تحويل مسرح العمليات إلى كتل من النار، ما أجبر القوات الإسرائيلية على تقليص تقدمها من خلال التراجعات الاستراتيجية، وهو النمط الذي أكْسبها لقب التقدم «بوتيرة السلحفاة» حيث يمكن لكل زاوية أن تجلب تحدياً جديداً وكل شارع أن يشكل مسرح للمقاومة وهزيمة للمعتدي.
ويَظهر تناقض صارخ في الحرب. مقاتلو «حماس» يرتدون ملابس مدنية ومن دون دروع أو أسلحة متطورة، يَظهرون وهم يحملون السلاح في حربٍ غير متكافئة الإمكانات والعدد والعدة. ومع وجود قذيفة صاروخية فقط تحت تصرف كل مقاوم، يتقدم هؤلاء إلى مسافة بضعة أمتار من الدبابات قبل إطلاق قذائفهم. ويجسد هذا المشهد التصميمَ المطلق للمقاومة، المسلّحة بقنابل بدائية ومصنوعة محلياً، في وجه أحد أكثر الجيوش تقدماً من الناحية التكنولوجية في الشرق الأوسط.
وتواجه القوات الغازية، المجهزة بأحدث الدروع الواقية للمشاة والمدعومة بطائرات متطورة وقوة بحرية، خصوماً يتعزز تصميمهم باستعدادهم للانخراط في قتال بمسافة صفر على الرغم من التفاوت الهائل في الأسلحة.
علاوة على ذلك، وفي موجةٍ من الغضب العالمي، تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل إدانةً واسعة النطاق لدورهما في القصف المدمّر لغزة والتعاون المشترك بينهما. وقد أثار الدمار العشوائي والمنهجي ضد المدنيين الغضبَ، حيث وصف المنتقدون الحملة العسكرية بأنها إبادة جماعية استهدفت بشكل غير متناسب الأطفال والنساء بشكل رئيسي.
وتعرض التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل لانتقاد كثيف في ضوء ما تشكله الجرائم المرتكبة من مخالفات هائلة للقوانين الدولية وما يعّبر عنه موقف واشنطن من ازدواجية فاقعة للمعايير ناهيك عن دورها البعيد عن صنع السلام، حيث أصبح من الواضح بشكل متزايد أن القوات الأميركية ليست متواطئة فحسب، بل تشارك بنشاط في الصراع.
إذ تتجاوز هذه الشراكة مجرد الدعم الإعلامي والمادي لأنها تشمل المعلومات الاستخباراتية المشترَكة واستراتيجيات المعركة وخبرة القوات الخاصة وتوفير الإمدادات الحيوية مثل الذخيرة والطائرات من دون طيار.
وفي الواقع، فإن تأكيد العميد باتريك رايدر، الناطق باسم البنتاغون، نشْر قوات خاصة أميركية في محيط غزة والنشاط العملياتي لطائرات من دون طيار طراز MQ-9 Reaper في السماء بحجة تحرير الرهائن وكشْف أماكن وجودهم، يمثل تصعيداً ملحوظاً في البُعد الدولي للصراع.
وقد تم تصميم MQ-9 Reaper، وهي الدعامة الأساسية للعمليات العسكرية الأميركية، للمراقبة طويلة الأمد والمراقبة على ارتفاعات عالية والضربات الدقيقة. وعادةً ما يتم نشر حمولتها من ثمانية صواريخ Hellfire ضد أهداف عالية القيمة في البيئات المفتوحة.
لكن الرهائن، وفق تقارير المفرج عنهم، محتجَزون في شبكة جوفية واسعة النطاق، وهي منيعة في وجه المراقبة الجوية التقليدية والضربات.
وتشير روايات الرهائن حول عدم سماعهم للقصف السطحي إلى أن الأنفاق ليست عميقة فحسب، بل إنها مبنية بشكل جيد أيضاً للحماية من الضوضاء وربما تأثيرات القصف الجوي. ويقدّم هذا الكشف عن أعماق الأنفاق لمحةً عن الإجراءات الدفاعية المتطورة التي نفذتها «حماس».
علاوة على ذلك، فإن استراتيجية حماس المتمثلة في تقسيم الرهائن عبر مواقع متعددة داخل هذه الشبكة تضيف طبقةً من التعقيد إلى أي عملية إنقاذ محتملة. وهذا يلغي بشكل فعال ميزة قدرة الضربة الدقيقة لـ Reaper، حيث إن خطر حدوث أضرار جانبية في مثل هذه المنطقة المكتظة بالسكان مرتفع، والمواقع الدقيقة للرهائن لا تزال مجهولة.
إضافة إلى ذلك، قدمت الولايات المتحدة 2000 عنصر من قوات «دلتا» المتخصصة و1000 من القوات الخاصة ومشاة البحرية لدعم إسرائيل.
من ناحية أخرى، يواجه المشاة الإسرائيليون مهمة شاقة تتمثل في التنقل وتحييد المتاهة الشاسعة تحت الأرض، والتي تكون محفوفة بالمخاطر بما في ذلك الكمائن والعبوات الناسفة واحتمال تكبد خسائر كبيرة. ولا تعمل الأنفاق كإجراء وقائي لحماس فحسب، بل أيضاً كميزة تكتيكية، ما يسمح لعناصرها بالتحرك والعمل بحرية.
ولذلك، فإن مشاركة القوات الخاصة الأميركية وتكنولوجيا الطائرات من دون طيار المتقدمة تؤكد الأهمية الاستراتيجية للصراع بالنسبة للولايات المتحدة والصورة المهزوزة للجيش الإسرائيلي الذي يحتاج لدعم قوة عظمى لمساحة صغيرة ضد مجموعة من مقاومين ضعيفي التسليح في مواجهة خصم مصمم ومجهّز جيداً يستخدم تكتيكات الحرب غير المتكافئة.
ولا يزال الوضع متوتراً وغير مستقر، حيث يتوقف مصيرُ الرهائن ونتيجةُ الصراع على قدرة القوات الإسرائيلية على التكيف مع ساحة المعركة الجوفية، وهو هدف مستحيل، أو الدخول في مفاوضات لتبادل الرهائن.
وتقف مدينة غزة الصغيرة في تَناقُض صارخ مع هذا التعاون الهائل، حيث تمكّن مقاتلو المقاومة من درء أي انتصارات حاسمة للقوات الغازية. ورغم القوة العسكرية الساحقة التي تم حشْدها ضدهم، إلا أن المدافعين عن المدينة صمدوا في مواقعهم، ما يشكل عقبة لا تتزعزع أمام أهداف التحالف الأميركي الإسرائيلي.
ولم تؤد هذه المقاومة العنيدة إلا إلى تأجيج الغضب المتزايد ضد إسرائيل وأميركا بينما يتصارع المجتمع الدولي مع الصور والتقارير المروّعة الصادرة عن الواقع في الجيْب المحاصر.
ولا يقتصر الغضب على حجم الدمار فحسب، بل يمتد أيضاً إلى طبيعة الحرب، التي يرى الكثيرون أنها تَجاهُل صارخ لمبادئ التناسب والتمييز في الصراع، ما يثير تساؤلات جدية حول عدم الامتثال للقانون الإنساني الدولي.