لا يمر يوم إلا ويجد المتابع للشأن الاقتصادي السعودي أن المملكة تكبر بخُطى ثابتة، دون توقف، وبمنهجية تشمل جميع الأصعدة الاستثمارية ليتحقق مع ذلك اقتصاد ينمو ويتنوع، وهنا بيت القصيد.
لم يعد مستغرباً أن نسمع يومياً عن شركات عالمية تعمل بجميع الأنشطة تهبط في مدرجات المملكة المختلفة لتوقع عقوداً مليارية، فيما بات قريباً جداً أن يكون لغالبية الشركات العالمية إن لم يكن جميعها مقرات إقليمية داخل المملكة، ما يعكس ثقة استثمارية وطموحاً واسعين بمستقبل وآفاق النمو الاقتصادي في السعودية.
وبالطبع، ما يشهده الاقتصاد السعودي من تحول جذري هو نتيجة الإصلاحات الجارية والجادة التي أطلقها وتبناها ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان، للحد من الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل وتعزيز التنافسية، وذلك ضمن تحقيق رؤيته للمملكة 2030.
وتشير المراجعة السنوية الأخيرة للاقتصاد السعودي، إلى أن التقدم المحرز انعكس بوضوح على النمو غير النفطي الذي تسارعت وتيرته منذ عام 2021، ليقترب من حاجز الـ 5 في المئة رغم تراجع النمو الكلي بسبب التخفيضات الإضافية في إنتاج النفط.
المساحة التحليلية البسيطة السابقة تعد نافذة مختصرة لعبور أوسع إلى حيز أكبر يمكن من خلاله استعراض قوة المملكة وقدرتها على استقطاب المستثمرين والذين يظهر بينهم العديد من رجال الأعمال والشركات الكويتية.
ولعل آخر الشركات الكويتية التي أعلنت رسمياً دخول السعودية بقوة شركة أجيليتي، التي أعلنت عن توقيع عقد في «نيوم» بقيمة 10 مليارات دولار لتوفير خدمات لوجستية تلبي احتياجات ومتطلبات «نيوم» في السنوات المقبلة.
والأبرز حسب تصريحات نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي طارق سلطان، أن «أجيليتي» تخطط لمزيد من الاستثمار في المشاريع طويلة الأجل في السعودية، التي تتطور حسب تصريحه بسرعة، وتمثل قاطرة القيادة للتقدم والنمو في الشرق الأوسط.
حالة «أجيليتي» ربما تكون الأكبر كويتياً حتى الآن لجهة حجم الأعمال وقيمة العقد الموجه للسوق السعودي لكنها ليست استثنائية، فهناك شركات كبيرة ومتوسطة وصغيرة ورجال أعمال كويتيون عديدون عدلوا وجهة رحلتهم الاستثمارية للمرحلة المقبلة إلى السعودية متوسعين في أعمالهم وبعضهم مبتدئ مع آخرين حوّلوا تركيز أعمالهم من الكويت للسعودية، وهذا يعكس أن الكويت باتت مصدرة بقوة للشركات المحلية ورجال الأعمال بدرجة تعاكس مستهدفات «كويت 2035» في أن تكون البلاد سوقاً جاذباً للاستثمارات الأجنبية.
الخلاصة:
معلوم تاريخياً أن رجال الأعمال الكويتيين لا تحدهم جغرافياً أو يعطلهم تردد استثماري نحو اتخاذ قرار يشكّل اقتناصاً للفرص والشاهد أن استثمارات الشركات الكويتية ومنذ زمن طويل تغطي غالبية الأسواق العالمية والإقليمية فيما تعزز حضورها محلياً.
وخطورة المرحلة الحالية أن حركة القطاع الخاص الكويتي استثمارياً باتت باتجاه واحد وتحديداً للخارج، فمع توسع نطاق الشركات الكويتية بالخارج هناك تآكل في وعائها المحلي.
وإذا كنا متفائلين يمكن القول إن استثمارات القطاع الخاص ثابتة من دون نمو يذكر وفي الحالتين هناك تخوف مشروع من أن يتعرض السوق المحلي الفترة المقبلة لزيادة وتيرة الهجرة العكسية للأموال والعقول الوطنية البارعة استثمارياً على حساب حضورها محلياً ما يخالف مستهدفات التنويع الاقتصادي وزيادة حصة القطاع الخاص، وقدرتها على المساهمة في تحسين المالية العامة وتوطين العمالة وغيرها من التحديات المتجذرة التي يعول على القطاع الخاص للمساهمة في حلها بدور وإمكانات أكبر من المتوافرة لديه حالياً.