إسرائيل أمام تحدّي الثباث في أي مواقع تحتلّها في غزة
قوات إسرائيلية خلال توغل محدود شمال غزة
مازالت إسرائيل تناور في المناطق الرخوة في شمال شرق وشمال غربي مدينة غزة، داخل المحور الأقل عرْضاً من القطاع في محاولةٍ للتقدم من ثلاثة محاور من محور الشاطئ وبيت حانون وجباليا وفصل الشمال عن الجنوب بعدما أنهت عملية النار والمناورة لتبدأ عمليةً مختلطة مستخدِمةً الجرافات والمدفعية والدبابات والإسناد الجوي بكثافة في محاولة لتقليل خسائرها.
فهل ستنجح في السيطرة والتثبيت والبقاء في المواقع التي تنوي احتلالها وفصْلها عن بقية القطاع؟
تدمّر إسرائيل كل ما يقف أمام اجتياحها من مبانٍ وعمارات، وتفتح الجرافات الطريق أمام تقدم الآليات بسبب كثافة الدمار الذي أحْدثه قَصْفُها العنيف منذ 24 يوماً والذي تسبّب بدمارٍ هائل يعوق مسار اللواء الإسرائيلي المدرع المتقدم ببطء داخل القطاع.
وتتمتع المحاور الثلاثة التي دخلت منها إسرائيل بمساحة جغرافية مفتوحة تمتدّ من كيلومتر إلى أربعة كيلومترات قبل أن تصل إلى المنازل الأولى التي هجرها غالبية سكانها منذ الأيام الأولى لإعلان إسرائيل بدء الحرب ضد غزة.
إلا أن القذائف والصواريخ الإسرائيلية مازالت ترتكب المجازر في المنطقة المهاجَمة، في الخطوط الأمامية داخل مخيمي بيت حانون وجباليا بسبب حرص الجيش الإسرائيلي على تقليص حجم خسائره، خصوصاً أنه يواجه تصدياً قوياً من المقاومة الفلسطينية التي اشتبكت معه لمنْع تقدمه المريح، على الرغم من استخدام إسرائيل لقنابل فوسفورية محرّمة دولياً. ومازال هذا التقدم يُعتبر خجولاً بسبب قوة النيران التي تتعرّض لها القوات الغازية.
ومن الطبيعي أن تنجح إسرائيل بقوتها العسكرية الضخمة في التوغل عاجلاً أم آجلاً إلى المناطق المستهدَفة. إلا أن إمكانات البقاء فيها أمر مختلف ويتعلق بتصميم المقاومة الفلسطينية على مقاتلة العدو في البقعة التي سيتمركز فيها، وبالمدة التي ستبقى قواتها فيها وما أهدافها النهائية؟
وقد تحرّكت القوات الإسرائيلية آخذة في الاعتبار الجغرافيا التي تنشط فيها وطبيعة الأرض التوبوغرافية على قاعدة سهولة التحرك فيها، متأكدة من أنها تناور في منطقة خالية من السكان بعد تدمير منازلهم منذ الأيام الأولى من الحرب.
وتصرح أميركا بأنها لا تريد من إسرائيل الاجتياح المطلق لقطاع غزة لأنها تفضّل ألّا تغرق حليفتها في وحول القطاع وأن يُفرض عليها مجابهة وكر الدبابير وأنفاق المقاومة التي لا يمكن لأي جيش إزالتها تحت نار المعركة لانتشارها تحت القطاع بأكمله.
وترفض واشنطن وقف إطلاق النار تحت أعذار مختلفة قائلة إن «توقف الأعمال الحربية يخدم حماس»، في حين أنه يصبّ في مصلحة السكان الأبرياء الذين يَسقطون تحت أنظار العالم المتحضّر الذي لا يزعجه مشاهدة الآلاف من المدنيين يُقتلون ويجرحون وتُقطع عنهم الكهرباء والماء والنفط الذي تحتاجه المستشفيات في خرقٍ فاضحٍ للقوانين الدولية.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمره الصحافي الذي عقده باللغة الإنكليزية ليوجّهه للعالم أن «وقف إطلاق النار لن يحصل» وأن العالم يدعم موقف إسرائيل بالدفاع عن نفسها والتخلص من «حماس» وأن قتلى المدنيين الفلسطينيين هم فقط «أضرار جانبية» و«الحرب قاسية لا ترحم».
بينما يعتبر الغرب أن القتلى الإسرائيليين «أبرياء قُتلوا على يد إرهابيين»، وذلك في تظهير نافر لازدواجية المعايير ما دام الأمر يصبّ في مصلحة إسرائيل وحلفاء أميركا.
ويقول الغرب إن «إسرائيل تتمتع بالحق في الدفاع عن نفسها» واستخدام القوة ضد الإرهابيين.
إلا أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة «يشجب استخدام القوة المفرطة وغير المتناسبة والعشوائية ضد المدنيين الفلسطينيين» على عكس ما تقوله أميركا وتسمح به لحليفتها إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فقد أعلنت الحكومة الألمانية أنه «يتعيّن على إسرائيل، كقوة محتلة، أن تحمي المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وتحرص على سلامتهم».
وهذا يشير بصراحة إلى ما ينص عليه القانون الدولي الذي رددتْه ألمانيا ويعتبر إسرائيل دولة محتلة لفلسطين.
وتالياً فإن جميع الدول أو قوات الاحتلال تفقد «حق الدفاع عن النفس»، بل إن واجبها حماية الفلسطينيين الذين تعطيهم الأمم المتحدة الحق «بمهاجمة قوات الاحتلال» و«المقاومة» ضدّه.
ففي عام 1971 قضت محكمة العدل الدولية بأن احتلال جنوب أفريقيا لناميبيا المحتلة «غير قانوني لأنها رفضت إجراء مفاوضات بحسن نية». وتالياً فإن احتلال إسرائيل - التي تملك حق تزويد غزة بالماء والكهرباء والوقود والغذاء والدواء وجميع ما يحتاجه القطاع - يفرض عليها العناية بالفلسطينيين وليس قتلهم جميعاً لتهجيرهم وتطهيرهم عرقياً.
وتالياً لا يمكن للمغتصب، بحسب القانون الدولي، أن يدافع عن نفسه لأنه المعتدي الأول ويصبح للمعتدى عليه الحق في الردّ بما يراه مناسباً ليحصل على حريته ويسترجع أرضه. ولذا فإن تغطية جرائم إسرائيل لمدة 75 عاماً وإعطائها الحق المفتوح بقتل الفلسطينيين دَفَعَ بنتنياهو للذهاب إلى الأمم المتحدة وبيده خريطة أخرجها ولا تتضمن غزة ولا الضفة الغربية. وباعترافه أن اتفاق أوسلو قد مات، فهو قضى على أي أمل للفلسطينيين في استرجاع أرضهم. والآن تحتلّ دباباته مشارف غزة وتدخل إلى جزء من القطاع فقط لأنها تتمتع بدعم لا محدود من الغرب الذي يتعامل مع أصدقائه بازدواجية المعايير ولا يتدخّل لوقف أكبر أزمة إنسانية يعيشها الشعب الفلسطيني ومجازر تُرتكب ضده يومياً. علماً أن ما فعله الفلسطينيون في السابع من أكتوبر هو ردّ صغير على معاناتهم الطويلة، الماضية والمستقبلية.