No Script

رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن تحدّث عن «هزة أمنية - إستراتيجية وليس وجودية لإسرائيل»

بول سالم لـ «الراي»: موقف أميركا شكّل bonus لـ «حماس» و«حزب الله» وإيران و... روسيا والصين

بول سالم
بول سالم
تصغير
تكبير

- موقف واشنطن الحاد جَعَلَها تدفع ثمناً سياسياً في العالميْن العربي والإسلامي... ودعمها لإسرائيل سيفيد بايدن انتخابياً
- هدف إسرائيل إفراغ غزة وأعتقد أنها لن تتمكن من ذلك رغم إصرارها على تهجير الجزء الشمالي لإقامة منطقة عازلة
- كان المقصودُ من هجوم «حماس» الكبير استدراجَ إسرائيل إلى ردِّ فعلٍ كبيرٍ بهدف قلب الرأي العام العربي والدولي

... في السابع من أكتوبر الجاري، انتقلتْ فجأةً وعلى حين غَرة «عدساتُ» العالمِ بأسره من أوكرانيا إلى غزة وغلافِها، بعدما فَتَحَ هجومُ حركة «حماس» غير المسبوق، أبوابَ المنطقةِ على رياحٍ هوجاء لم تتضح اتجاهاتُها النهائية بعد.
ومع مرور ثلاثة أسابيع على «طوفان الأقصى»، بدتْ جغرافيا الشرق الأوسط في «تَمَلْمُلٍ» إستراتيجي، بعدما استُدرج الغربُ إلى المنطقة بـ «أساطيله»، وأعلنت «الممانعةُ» أن إصبعَها على الزناد، فيما لعبةُ «النفاق والأنفاق» تحوم فوق قطاع غزة.

إسرائيل المصابة بهزّةٍ في الصميم لم تَخرج بعد من صدمةِ «الوهلة الأولى»... غزة كتلةُ حديدٍ ونارٍ وركامٍ ودمٍ ودموعٍ على مدار الساعة، والرسائلُ بالمدمِّرات والمسيَّرات تتطاير من كل حدب وصوب وكأن المنطقةَ على شفيرِ تحوّلاتٍ كبرى.
الرئيس المدير التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن الدكتور بول سالم، يقرأ في هذه التحولات عبر «الراي»... فاللبنانيّ الذي تقيم بلادُه على حافة الحرب، يعاينُ من «عاصمة» العالم المتغيّرات التي دهمتْ المنطقة وتَعصف بها.
منذ تَواتُرِ الأخبار الصاخبة عن مفاجأة «حماس» ووقْعها الدراماتيكي في إسرائيل وعليها، والمناقشاتُ حاميةٌ عن حجم الخطر الذي أسس له الهجومُ على «غلاف غزة» وتداعياته المستقبلية على الدولة العبرية عبر توصيفاتٍ كثيرة ومقارناتٍ أكثر لِما جرى بأحداث تاريخية.
وعلى طريقة «وضع الأمور في نصابها» رأى سالم أنه «في الوقت الحاضر يمكن القول إن إسرائيل أصيبتْ بهزةٍ أمنية - إستراتيجية وليس بهزةٍ وجودية. في العام 1973 كان ثمة خطر حقيقي من قيام الجيشيْن المصري والسوري بعمليةِ اجتياحٍ، بينما شكلت عمليةُ حركة حماس اختراقاً أمنياً كبيراً وخطيراً للأمن الإسرائيلي، لكنها لم تؤدّ حتى الآن إلى تهديدٍ وجودي لإسرائيل، الدولة والجيش».
الحرب التي انفجرتْ لم تنتهِ وكأنها في جولة أولى، فماذا لو تَدَحْرَجَتْ كرة النار؟ يجيب سالم، الذي يراقب من واشنطن، العاصمة الأكثر تماساً مع ما يجري في الشرق الأوسط: «في المرحلة المقبلة، في حال توسّعت الحربُ ودَخَلَ حزب الله المواجهةَ على نطاقٍ واسعٍ يصبح الخطرُ أكبر على إسرائيل، لكن في الحالتين (عملية حماس وإمكان انضمام حزب الله ) فإن إسرائيل أمام تحدٍّ أمني - إستراتيجي لن يرقى إلى مستوى الخطر الوجودي بالمعنى الكامل»، لافتاً إلى أنه «بإمكان حزب الله تدفيع إسرائيل ثمناً أكبر لكنه لن يؤدي إلى السقوط الكبير لإسرائيل الذي كان في الإمكان حصوله في حرب العام 1973».
وفي رأي سالم «أن الخطرَ الوجودي هو ما يتربّص بغزة وأهلها بطبيعة الحال، فإسرائيل ترغب في تهجير سكان القطاع إلى مصر التي وقفتْ بقوةٍ في وجه هذا المشروع. إسرائيل هدفُها إفراغ غزة، وأعتقد أنها لن تتمكن من ذلك رغم إصرارها على تهجير الجزء الشمالي لإقامة منطقة عازلة، وهو الأمر الذي يولّد قلقاً كبيراً على غزة».
الحَدَثُ في غزة والعينُ على «حزب الله» الذي اختار إشغالَ الجبهة مع الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان من دون إشعالها على نطاقٍ واسع، فأيُّ احتمالاتٍ في الأفق؟
يرى سالم أنه «بالنسبة إلى حزب الله، أعتقد أن خطواته تتم بحسب الخطة. كان المقصودُ من هجوم حماس الكبير استدراجَ إسرائيل إلى ردِّ فعلٍ كبيرٍ على غزة، بَرّي وجَوّي، بهدف قلب الرأي العام العربي والدولي».
وفي تقديره أن «مَن خَطَّطَ لعملية غلاف غزة يدرك أن أي عمليةٍ إسرائيليةٍ ضد غزة ستطول المدنيين. وحماس يمكن أن تختبئ في الأنفاق وسواها، ما يجعل الحربَ على غزة حرباً على المدنيين. وأعتقد أن حماس وحزب الله نجحا حتى الآن في هذا المشروع السياسي الذي يُراد منه وقْفُ مساراتِ التطبيع أقله على المدى القريب».
ولأن «الحربَ هي استمرارٌ للسياسة في شكل آخَر» بحسب الفيلسوف كارل فون كلاوزفيتز، يقول سالم «إن هجومَ حماس جاء في إطار مشروعٍ سياسي لقَلْبَ الرأي العالم وعزْل إسرائيل. وشكّل مجيءُ الولايات المتحدة bonus لها ولحزب الله، ولإيران وكذلك لروسيا والصين».
وأعرب عن اعتقاده بأن «مجيء أميركا وموقفها الحاد جَعَلَها تدفع ثمناً سياسياً في العالميْن العربي والإسلامي، ولم يكن أدلّ على ذلك في الوهلة الأولى من إلغاء القمة التي كان من المقرَّر أن تجمع الرئيس جو بايدن مع بعض القادة العرب خلال وجوده في المنطقة عندما زار إسرائيل. فأميركا ستكون شريكاً عملياً وسياسياً في الحرب ضد الفلسطينيين ما سيتسبب لها بمتاعب في المنطقة، وإن كانت هذه المتاعب لن تقلب بالضرورة المقاييس لوقت طويل ولن تُحْدِثَ تغييراتٍ إستراتيجيةً كبيرة».
لماذا اندفعت الولايات المتحدة وعلى هذا النحو النافر للوقوف إلى جانب إسرائيل وجاءت إلى الميدان وكأن لها اليد العليا؟...
في قراءة سالم أن «الحزبيْن (الجمهوري والديموقراطي) ومنذ ستينيات القرن الماضي يقفان وعلى نحو مُطْلَقٍ إلى جانب إسرائيل، فكيف الحال مع تَعَرُّضها لأكبر هجومٍ في تاريخها، هجومٌ استهدَفَ المدنيين؟ فالأميركيون في ردّ فعلهم في بادئ الأمر اعتبروا ما حَدَثَ شبيهاً بـ 11 سبتمبر 2001، والاصطفافُ كان تلقائياً أكثر مما هو إستراتيجي بمعنى أنه لم يأتِ وليد تفكيرٍ تفصيلي.
كان موقفاً سياسياً وهو بالتأكيد سيفيد بايدن انتخابياً، لأن الموقفَ الذي اتخذه يحظى بتأييد واسع في الولايات المتحدة، باستثناء جزءٍ من اليسار الأميركي، فالأحزابُ والإعلام والدوائر المؤثّرة في أميركا جميعها تصطفّ إلى جانب إسرائيل».
... وماذا عن أوروبا؟ يجيب الرئيس المدير التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، «لأن ما حدث للإسرائيليين يذكّر الأوروبيين بمسؤوليتهم عن المحرقة (الهولوكوست) خصوصاً ألمانيا وكذلك فرنسا، فالموقف الأوروبي كان دعماً مُطْلَقاً في البداية، لكن أتوقّع أنه مع الوقت سيكون أقلّ حدة.
وفي تقديري أنه بعدما اندفعتْ أميركا وأوروبا للوقوف إلى جانب إسرائيل، ستجدان سبلاً لتهدئتها ومنْعها من توسيع الحرب كثيراً على المدنيين في غزة، لأنهما تدركان أنهما ستدفعان ثمناً في المنطقة كما في الداخل الأوروبي نظراً لوجود عرب ومسلمين متعاطفين مع الفلسطينيين، في حين أن أميركا تعي الحاجةَ إلى ضرورةِ حفْظ مصالحها في المنطقة».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي