No Script

الرأي اليوم

لفلسطين... وللكويت أيضاً

تصغير
تكبير

بادئ ذي بدء، نقرأ هذه الأيام واحدة من أكثر صفحات التاريخ سواداً، يكتب الغرب فيها نهاية شعاراته التي أسقطها في حفرة المعايير المزدوجة.
ونقرأ واحدة من أكثر صفحات الصمود والفداء بياضاً. شعب فلسطين المُحاصر المذبوح الموضوع تحت سيف الإبادة الجماعية والمحرقة الإسرائيلية يُقاوم باللحم الحيّ كاشفاً عار الجميع من مُتواطئين وعاجزين وخائفين ومُتردّدين ومُراقبين ومُنتظرين.

تحوّل كثيرون إلى آلات حاسبة تُحصي عدد الشهداء والمُصابين والأبنية المُهدّمة فوق رؤوس أصحابها بدل مُحاسبة آلات القتل وأرباب المجازر.
ونقول إن الغالبية العظمى المُطلقة من الكويتيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم هم مع الفلسطيني الضحية وليس مع الجلاد.
قيمنا وتاريخنا وتجاربنا لم تكن يوماً خارج السرب مهما تعكّرت مياه في جداول العلاقات ومهما أخطأ من أخطأ واعتذر من اعتذر... لأن القدس أكبر منا كلنا برمزيتها الشرعية والإنسانية.
نستهلّ هذا المدخل لنعبُر منه إلى مساحة أخرى.
ليس غريباً هذا الحراك الكويتي المُتعاطف مع أهلنا في فلسطين فهذه هويتنا، ولولا رسالتنا الإنسانية التي جُبلنا عليها لما تعاطف العالم معنا يوم احتلت الأرض. الشعوب التي وصلتها رسالتنا قبل الدول عاشت ألمنا.
رسالة بلسمة الجراح ومساعدة المحتاج والتوسّط لحلّ الأزمات وإعلاء الحوار ودعم أصحاب الحق في كل مكان.
فما بالنا والموضوع يتعلّق بثالث الحرمين وأولى القبلتين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ومهد السيد المسيح عليه السلام، وبأرض حرقها احتلال، وبشعب تم تشريده ثم سجنه في زنازين الحصار، وبخريطة يقضمها الغاصب كل فترة بتواطؤ دولي، وبعصابات استيطانية أغلقت شرايين المساحات الباقية.
ما بالنا والفلسطيني منذ ولادته يعرف أنه سيوضع بين خيارين، فإمّا أن يكون قتيلاً وإمّا أن يكون شهيداً... قتيلاً من الاختناق والقمع والمرض والجوع والإحباط أو شهيداً بمقاومته وارتقائه.
ولكن، حِراكنا المُتعاطف مع الفلسطينيين وقضيتهم يجب ألّا يحرفنا عن جملة أمور لا بدّ من التوقّف عندها.
الكويتيون كمجتمع مُتنوّع مُتحضّر في غنى عن فحوصات الوطنية التي يُوزّع شهاداتها البعض وإن كانوا قِلّة، فلا يجوز أن تستبدّ بأحد «نشوة» الصوت العالي والتصفيق ويسمح لنفسه بتصنيف الكويتيين بين مُتعاطف ومُتخاذل ومُهتم ومُتجاهل ومُتقدّم ومُتأخّر.
فهذا يحرف الحراك نفسه عن أهدافه ويخلق حالات انقسام تضرّ ولا تفيد، وقد يكشف – لا سمح الله – مقاصد أخرى له نربأ بأصحابه أن تكون لديهم.
والكويتيون على اختلاف آرائهم يلتقون عند دعم فلسطين، إنما لا يصحّ أيضاً أن يلزم أحد غيره بموقفه الخاص وخطابه وطريقته وأسلوبه. تتعدّد الطرق والعنوان واحد.
ولا يجوز لأحد أن يفرض على الآخرين الدخول في مسارات التعبير التي يعتمدها... فتعدّدية التعبير تفيد الهدف وتغني الحراك.
والكويتيون يتمنّون التزام الجميع برفض ازدواج المعايير، فالمخطئ تدلّ مواقفه عليه واستثناء البعض له وتغييبه لأهداف سياسية لا مبدئية أيضاً لا يخدم الحراك الشعبي المُناصر لفلسطين.
والكويتيون يتمتّعون بقدرٍ عالٍ من الثقافة السياسية والرؤية الموضوعية ويزنون الأمور بميزان التجارب التاريخية والمصلحة الوطنية سواء تعلّق الأمر بالأصدقاء والأشقاء.
الخطاب القوي الموضوعي الواضح المُنحاز لقضية العرب والمسلمين الأولى يجب أن يبقى على ثباته ولا يجنح إلى الجدالات والسجالات الجانبية.
والكويتيون يعتبرون أن وحدتهم الوطنية موضوع مصيري مثله مثل الحفاظ على الكيان.
وبما أن قضية فلسطين أكبر منا كلنا فلا بدّ من الاعتصام بحبل الوحدة خدمة لها ودعماً لعدالتها، ولا بد من تلافي الخطاب الذي يعتمد مفردات تستدرج ردوداً ونعرات ويمكن أن تنعكس سلباً على الاحتضان الشعبي لقضية فلسطين.
والكويتيون يعلمون أن قيادتهم تمارس أقسى درجات الثبات في التعامل مع قضية فلسطين مع أقسى درجات الحكمة، ويتمنّون أن ينسجم الخطاب الشعبي مع هذا الموقف ويكون الصدى الحضاري له.
اللهم إنّ الأرض أرضك والجند جندك والأمر أمرك، وأنت القوي العزيز.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي