رغم توافر القوانين واللوائح والقرارات المنظمة لأداء المؤسسات الحكومية، إلا أن بعض المسؤولين لا يزالون يعتقدون بأن تلك القوانين واللوائح والقرارات لم توضع إلا لتكسر، أو يعتقدون بأن المؤسسة الحكومية ضمن أملاكهم الخاصة يعطون فيها من يشاؤون ويمنعون من يشاؤون.
القضايا الإدارية التي بدأت تغص بها أروقة قصر العدل في الفترة الأخيرة على قرارات الندب والتعيين في الجهات الحكومية ما هي إلا مؤشر خطير على مدى الخلل الإداري، والفساد الذي بدأ يستشري في جسد وأطراف الهياكل الحكومية، فكلّ يقرّب النار لقرصه حسبما نقول، ورغم صراحة ووضوح شروط شغل الوظائف الإشرافية التي حددها ديوان الخدمة المدنية في القرار رقم (25/ 2006)، وكذا قرار المفاضلة بين المرشحين لتلك الوظائف الإشرافية رقم (37/ 2006)، إلا أن لجان الوظائف الإشرافية ببعض الوزارات قررت أن تضرب بها عرض الحائط، وتقدم عليها شروطاً خاصة ابتدعتها، ما أنزل الله بها من سلطان، وغدت المسألة خشمك إذنك، ولا عزاء لمن لا ظهر يحميه، أو نائب يواسيه ويطبطب على ظهره، أو محامي يدافع عنه، وينتزع له الحق انتزاعاً من فم الأسد.
تلك الشروط الخاصة بإحدى الجهات قد أجاب عنها ديوان الخدمة المدنية بشكل واضح، من دون لف أو دوران، وذلك بضرورة تطبيق شروط الديوان قبل أي شروط، حسب القرارات أعلاه، إلا أنها، وأعني لجان الوظائف الإشرافية، أبت إلا أن تعين وتندب للمناصب الإشرافية أشخاصاً، وهناك من هو أفضل منهم، حسب مصلحة الطائفة، أو الحزب، أو المجموعة التي ينتمون إليها، فقدمت أصحاب الدبلوم على حملة الماجستير، وحملة البكالوريوس على من أفنى عمره، وأضنى جسده، وصرف من حر ماله للحصول على درجة الدكتوراه.
يا لها من مهزلة ألا يجد المرء من يقدر جهده االذي امتد أعواماً طوالاً، ومن ثمّ يطالبونه بالعطاء والإبداع والتفاني. إنها قسمة ضيزى، وظلم ما بعده ظلم، وأكل للحقوق، وسحت يحرم على من سعى إليه وفيه. وأنا أستغرب حقيقة من يدعي التدين ويسعى في مثل تلك الأمور، التي لا شك أنها من شهادة الزور، وكلنا يعلم عقوبتها في الدنيا والآخرة.
المحظوظ من وفقه لله في محامٍ خبير ومتمرس في القضايا الإدارية، حتى يبطل تلك القرارات التعسفية، التي أعطت الحق لغير أهله، ولكن السؤال المهم أوجهه لرئيس ديوان الخدمة المدنية المحترم: من يحاسب أعضاء لجان الوظائف الإشرافية الذين تسببوا في ضياع الحقوق، خصوصاً إذا تقاطرت تلك القضايا وكسبها أصحابها، وما فائدة ممثلي الديوان في الجهات الحكومية، إذا كانت تلك اللجان تشق وتخيط على كيفها من دون حسيب ولا رقيب؟
د. عبداللطيف الصريخ
مستشار في التنمية البشرية
[email protected]