يعيب البعض على الفصائل الفلسطينية مقاومتها للاحتلال تحت ذريعة النتائج التي تترتب من قتل وهدم وتشريد وتجويع ومرض، وان ذلك رمي النفس بالتهلكة!
دعونا نستذكر بعض أمثلة المقاومة في التاريخ، وهي كثيرة وقد اخترت بعضاً منها.
المقاومة الكويتية للاحتلال العراقي الصدامي الغاشم، والتي رأى البعض أنها لن تجدي نفعاً لكونها غير متكافئة الأطراف، لكنها تمثل اليوم أروع آيات الافتخار لنا كشعب أمام الآليات العسكرية والتعسف اللاإنساني لزمرة حزب البعث، وعلى الرغم من أبشع صور التنكيل والتعذيب صمد الشعب الكويتي وقاوم وقدم شهداءه ولم يخنع فنال حريته واسترجع استقلال دولته.
وفي الجزائر، قصة أخرى تُروى بدماء مليون شهيد. لقد بدأت تلك الثورة منذ البداية بزعامة عبدالقادر الجزائري، ثم الشهيدة لا لا فاطمة، وصولاً إلى الشهداء الذين توالوا بعدها من أمثال، والشريف بوبغله، ومصطفى بن بولعيد، وديوش مراد، وغيرهم. وعلى الرغم من طول عمر المقاومة التي امتدت من عام 1830 إلى 1962، أي ما يقارب 132 سنة، إلا أنها انتصرت وحققت الاستقلال للشعب الجزائري.
بل حتى فرنسا الاستعمارية لم يخل تاريخها من المقاومة للاحتلال. فعندما هزمت في بداية الحرب العالمية الثانية واحتلتها القوات الألمانية النازية بسرعة، لم يذعن الشعب الفرنسي للقسوة النازية التي مارست التعذيب والاحتلال والحرق والطرد وكل صنوف الإذلال. وابان الاحتلال أشاعت حكومة فيشي العميلة للاحتلال أنه لا سبيل ولا أمل للمقاومة، وهددت كل من يقوم بأي عمل من شأنه أن يوصف بالتخريب ضد الاحتلال. لكن الشعب الفرنسي لم يستسلم وبدأ مقاومته بالرفض الذي أطلق عليه كاتب المقاومة الفرنسية جان كاسو بـ«الرفض السخيف»، والذي يقصد به حتمية مقاومة الاحتلال النازي حتى لو كان هذا الأخير منتصراً، حيث إن المقاومة لا بديل عنها إلا الخنوع والذل والتبعية، وهو ما يرفضه أي إنسان حر. وإلى اليوم تحتفل فرنسا بأبطال المقاومة وتضع أكاليل الزهور على قبورهم.
وفي أقصى الشرق، كانت المقاومة الصينية للاحتلال الياباني الذي امتد من عام 1939 إلى 1945 حيث كلف الصين ما بين 50 إلى 85 مليون قتيل وجريح. وحتى نتصور مرارة الكفاح الصيني يكفي أن نعرف ان قوات الاحتلال الياباني قتلت ما يقارب 300 ألف إنسان في مدينة نانجينغ لوحدها للتنكيل وبث الرعب، ولكن الصينيين لم يركعوا ولم يهنوا وواصلوا المقاومة حتى حرّروا بلادهم.
أما في العالم الجديد، فمقاومة الاستعمار البريطاني من قبل الثوار الأميركان يروي قصة أخرى أيضاً. هذه المقاومة تأثرت كثيراً بافكار توماس باين Thomas Paine في كتيبه الشهير «الفطرة السوية» أو المنطق السليم (Common Sense).
وقد كلفت تلك الثورة الشعب الأميركي ما يقارب 37 إلى 80 ألف قتيل ما بين فترة 1775-1783.
كتيب توماس باين، الذي ألهم الثوار الأميركان، وأولهم جورج واشنطن، الذي أمر بتوزيعه على الجنود التابعين له، يحاكي باختصار المنطق الفطري لدى الإنسان حيث يرفض الطغيان والديكتاتورية والاحتلال وممارسة التعسف ويعشق الحرية ويتطلع إلى الاستقلال وهو الدافع الذي يجعله ثائراً لنفسه وكرامته ومستقبله. بفضل هذا المنطق الذي آمن به الثوار الأميركان استطاعوا أن يتحرّروا من التاج البريطاني ويؤسسوا دولتهم، التي تنكّرت لحقوق الهنود الحمر وسحقتهم، وفي الوقت الراهن تتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وتؤيد سحقه على يد عصابات الصهيونية العالمية.
بسبب هذا التاريخ البشري للمقاومة اعترفت اتفاقيات جنيف الموقعة في عام 1949، والبروتوكولات التابعة لها بحق الشعوب للتخلص من الاحتلال.
وعلى الرغم من هذا التاريخ، والمعاهدات الدولية، بل حتى قرارات الأمم المتحدة التي صوتت عليها أميركا وغيرها من الدول الغربية، يتم استنكار مقاومة الشعب الفلسطيني الطامح للتخلص من براثن الاحتلال الصهيوني!
إذا كان توماس باين، قد كتب في يوم من الأيام عن الفطرة السوية التي تدعو أي انسان للتحرر من السيطرة والاحتلال وقد استغلها في حينها جورج واشنطن، لإعلان الثورة على بريطانيا، فاليوم الرئيس جو بايدن، يقف ضد الفطرة السوية للإنسان وهو ما يكشف بوضوح عن الفطرة المتوحشة للصهيونية.