أبعاد السطور

رحلتي مع عبدالعزيز تبوك

تصغير
تكبير

في صباح يوم الخميس 21 سبتمبر 2023، خرجت في رحلة مع الصديق المحترم الأستاذ عبدالعزيز تبوك، إلى ولاية مرباط من أجل رؤية الشجرة العملاقة التي سمعت عنها الكثير التي تقع في وادي حشير.
وبمناسبة ذِكر ولاية مرباط فهي مدينة تاريخية عظيمة، وذات أهمية كبيرة في موقعها الجغرافي النادر، وذلك لأنه يجمع بين البحر والساحل والجبال والوديان الخضراء والمحميات الطبيعية للُبان، وأيضاً عيون الماء والشلالات والخلجان المائية والشعاب المرجانية والبيوت والسكك الأثرية.

والله إني أتعجب من الإهمال الكبير لولاية مرباط، هذه البقعة العظيمة من عمق وتاريخ وأصالة ومجد!
من يعرف قيمة التاريخ، ومن يعرف مرباط جيداً، ومن زار دولاً ومُدناً كثيرة حول العالم سيعرف بلا أي شك أن مرباط أسطورة عُمان التي يشع منها سحر الدهشة والجمال.
إنها خسارة كبرى مؤلمة أن تُترك مرباط منذ سنوات طويلة بلا اهتمام وبلا رعاية وبلا استفادة من تاريخها وآثارها الرائعين.
جاءت فكرة الرحلة نحو الشجرة العملاقة من تبوك، ولقد ذكر لي أن هناك أكثر من شجرة عملاقة في العديد من الأماكن الواقعة على خريطة إقليم ظفار، لكنه يظن أن الشجرة العملاقة التي في وادي حشير هي الأكبر في عملقتها من الأشجار الأخرى!
تبعد عين حشير عن ولاية صلالة 62 كيلو متراً، وتمتاز تلك العين بوجود بعض أشجار التبلدي بالقرب منها، وأشجار التبلدي هي من الأشجار العملاقة النادرة، والتي تعرف عالميا أيضاً باسم Adansonia Digitata نسبة إلى مُكتشفها، ويسمونها في إقليم ظفار بالكجي أو هيروم ذري.
بعد أن وصلنا إلى وادي حشير وقبل أن نسلك طريق الشجرة العملاقة التفت لي الصديق تبوك وقال: يا أبا عبدالكريم إن الدرب فيه صعوبة، ومحفوف بالوعورة، ضيّق لا مُتسِع، متعرّج لا مستقيم، قد تصادفك فيه الثعابين أو الحيوانات الجارحة أو الحشرات المؤذية، لذا انتبه جيداً، وخذ الطريق على مهلك، وانتبه لحذائك، وإن أنت شعرت بالتعب أو الدوخة أخبرني على الفور!
قلت له: يا بو سعود هل سنذهب في هذا الطريق لنرى الشجرة العملاقة أم سنذهب للقتال في الحرب العالمية الثالثة؟
بسم الله، ثم انطلق يسير أمامي سيّد الدرب عبدالعزيز تبوك، الأصيل ابن الجبال، الذي كان طوال الدرب يذكر الله كثيراً ويُسبحه برضا وسماحة، وكان بين الحين والآخر يلتفت خلفه نحوي وحاله بشوشاً ومبتسماً ويسألني أكثر من مرّة: هل أحوالك جيدة؟
كل الذي قاله عن الدرب المؤدي للشجرة العملاقة كان حقيقياً ورأيته أثناء المشي، باستثناء خطر تلك المخلوقات، وهذا من لُطف الله تعالى وستره.
أذكر أن من شدة وعورة الدرب سقط حذائي الرياضي من قدمي أكثر من مرّة، وكنت في بعض الأحيان أقف حائراً أمام بعض الصخور بسبب ضخامتها وسطحها الأملس الذي لا يساعد على تجاوزها، خصوصاً أنه كانت بين تلك الصخور مسافة خطرة!
أما تبوك - فما شاء الله تبارك الرحمن ولا حول ولا قوة إلا بالله - كان يسير أمامي بمسافة تزيد على الأربعة أمتار، بكامل أناقته وهو رافعاً طرف ثوبه، وفي رجليه نعال بو إصبع، ويسير بخطى واثقة مثل الذئاب العربية التي تسكن تلك الجبال العظيمة.
وبعد أن استغرقنا من الوقت ما بين 20 إلى 25 دقيقة وصلنا لتلك الشجرة العملاقة، وحينما رأيتها لفتني الدهشة، وأنا أقول وأكرّر بلا سابق نيّة: سبحان الخالق لا إله إلا الله!
وتذكرت - ولا أدري لماذا تذكرت - مطلع قصيدة قيس بن المُلوّح حينما وقف أمام جبل التوباد وقال:
وَأَجهَشتُ لِلتوبادِ حينَ رَأَيتُهُ
وَهَلَّلَ لِلرحمَنِ حينَ رَآني !
كانت تلك الشجرة فعلاً عملاقة، وبعض أغصانها كان يزيد عرضها أكثر من مترين! (دقق، عرضها وليس طولها)!
فإن كان ذلك هو عرض أغصانها! فكيف هو حجم جذعها؟!
وقفت في حضن الشجرة العملاقة مثلما تقف قنينة ماء في حضن جبل! ما هذه الدهشة؟! ما هذا الخَلق؟! ما هذا التاريخ؟! وكما يقول سعيد الطحان، رحمه الله، في عبارته الشهيرة عند حضوره لحفلات أم كلثوم؛ «عظمة على عظمة يا ست».
وبعد أن استرحنا تحت فيّ الشجرة بعضاً من الوقت اتجهنا على الفور نحو عين حشير التي كانت بالقرب من الشجرة العملاقة، ولقد وجدنا أن الطريق المؤدي إليها كان فيه شيء أيضاً من الصعوبة الممتعة!
وبعد أن وصلنا إلى عين حشير وجدنا الماء المتدفق منها بارداً منعشاً، ومحيطها فاتناً، الأمر الذي أغواني أن أشرب من ماء العين إلى حد الارتواء وأغسل وجهي ورأسي منه.
هذه كانت رحلتي إلى وادي حشير المدهش في ظفار في سلطنة عُمان الحبيبة، الرحلة التي كانت برفقة الصديق النادر عبدالعزيز بن هلال فضل الله تبوك، والتي ستبقى لذتها في ذاكرتي ما حييت.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي