صنّاعها لـ «الراي»: غياب مدينة الإنتاج والمعاهد والأكاديميات أدّى إلى تراجعها

«السينما الكويتية» بين جرأة المنافسة... وخجل الدعم الحكومي

تصغير
تكبير

كيف تجرؤ السينما الكويتية على دخول مضمار ا لمنافسة العالمية، ما دام الدعم الحكومي لايزال خجولاً؟!...
لعلّ هذه الجملة الاستفهامية، تُوحدّ آراء الممثلين والمخرجين والمؤلفين وحتى النقاد السينمائيين، ممن أبدوا آراءهم في هذا الاستطلاع، وفنّدوا أسباب تأخّر الفن السابع في الكويت، في وقتٍ تشهد خشبات المسارح والدراما التلفزيونية المحلية علو كعبها، خليجياً وعربياً.

«الراي»، طرحت مجموعة من التساؤلات عمّا يعوق صنّاع السينما الكويتية، رغم توافر كل الإمكانات والتقنيات اللازمة، من كاميرات متقدمة وشركات إنتاج ضخمة وممثلين بارعين، ومؤلفين ومخرجين يشار إليهم بالبنان.
فما المانع من تقديم فيلم محلي بمواصفات عالمية، أسوة بالمسلسلات التلفزيونية والأعمال المسرحية، لتحكم الحركة الفنية الكويتية قبضتها على أضلع الفن الثلاث، السينما والمسرح والتلفزيون؟
عبدالعزيز المسلم: كثيرٌ من الدول تعتبر السينما مصدر دخل لها
رأى الفنان عبدالعزيز المسلم أن الكويت كانت ولاتزال رائدة في الفن منذ القدم، بالمسرح والإذاعة والتلفزيون، لحرية الفكر التي كفلها الدستور وانفتاحها على العالم، وحب المجتمع، مشيراً إلى أن الثقافة والنهضة في البلاد، كانت رؤية جماعية قيادة وشعباً.
واستذكر المسلم مشاركة والده المنتج الراحل عبدالله المسلم في إنتاج مسلسل «حبابة» خلال الفترة التي كان يصعب فيها على الحكومات إنتاج مسلسلات مماثلة، «كما ان البعض من الروّاد ساهم في كتابة أو إخراج بعض المسلسلات في دول الخليج مثل تجربة الراحل صقر الرشود في مسلسل (شحفان) للإمارات».
في حين أكد أن السينما في الكويت كانت مقتصرة على أفلام شركات النفط والإعلانات النفطية للعالم، ولم يحظ قطاع السينما بدعم حكومي حقيقي، «حيث أسست وزارة الإعلام قسماً لصناعة السينما وكان بقيادة الراحل بدر المضف، كما قام المخرج السينمائي الراحل عبدالرحمن المسلم بتحويل كل الأفلام السينمائية القصيرة والطويلة لتاريخ الكويت إلى أشرطة الفيديو التلفزيونية، حفاظاً على ذلك الإرث الوطني، الذي يعتبر المصدر الأساسي لوزارة الإعلام في مكتبة وثائقها عن الكويت».
ومضى يقول: «كذلك قدم المخرج عبدالرحمن المسلم فيلم (الفخ) وحاز بعض الجوائز، فضلاً عن فيلم (بس يا بحر) للمخرج خالد الصديق، الذي حصد أيضاً العديد من الجوائز».
واستدرك المسلم: «لكن، وللأسف، تمت سرقة وإتلاف كل معدات السينما بالغزو العراقي الغاشم للكويت، ولم تقم وزارة الإعلام بإعادة قسم السينما حتى يومنا هذا».
ولفت المسلم إلى أن السينما باتت تشكّل دخلاً قومياً لكثير من دول العالم، وهوليوود على رأس القائمة، غير أن الكويت لم تعترف بهذه الصناعة واعتبرتها رخصة تجارية وليست ترخيصاً صناعياً وإنما «إنتاجاً فنياً»، مشدداً على أن الصناعة السينمائية تحتاج دراسة أكاديمية لكل عناصرها، «فلا توجد أقسام بالجامعات لدينا في الكويت متخصصة لدراسة صناعة أفلام السينما».
محمد النشمي: التقدّم لا يأتي في يوم وليلة
رأى المؤلف الشاب محمد النشمي أن التقدم في الدراما التلفزيونية لم يأتِ في يوم وليلة، بل أتى بعد تجارب كثيرة ونجاحات متواصلة على مستوى خليجي كبير، مردفاً: «باعتقادي أننا لانزال مبتدئين في السينما، لأنها (مو سكتنا) و(لا ملعبنا). مازلنا نجرّب ونحاول، ولم نصل إلى مرحلة الاحتراف في الصناعة السينمائية».
ونوه إلى أننا لسنا بحاجة إلى دعم بقدر ما نحتاج إلى تجارب تزيدنا خبرة أكثر، وبالتالي نستطيع المنافسة عربياً وإقليمياً وتقديم أعمال مهمة.
كما اعتبر أن أعمالنا السينمائية في حالة تطوّر، «ونحن في خطواتنا الأولى على الخارطة. لكن نحتاج ميزانية كبيرة للعمل السينمائي، فالسينما مختلفة عن التلفزيون فهي قائمة على تقنيات و(غرافيكس) ومعدات تصوير مكلفة. لو كان عندنا مستثمرون يجازفون في العمل الفني (أكيد بنتطوّر)».
كما نوه النشمي إلى أن الكتّاب الشطّار في الكويت قلة قليلة، بل ويعدون على أصابع اليد الواحدة، والشيء نفسه مع المخرجين والمنتجين.
وختم كلامه بالقول: «أخيراً نحتاج جمهوراً يدعم الفيلم الكويتي ويشجّع على صناعة الأفلام المحلية، والأهم - كما أسلفت - نحتاج إلى تجارب أكثر لتزيدنا خبرة».
حامد العلي: نتمنى الدعم الحكومي... وعدم تسلّل المنتفعين
قال الكاتب المخرج السينمائي حامد العلي، «بصراحة، فإننا لطبيعة بلدنا نحتاج إلى الدعم الحكومي لنضع أقدامنا على الطريق، بشرط عدم تسلل المنتفعين إلى تلك الساحة، فمقومات الإنتاج الجيد موجودة، والنصوص الجيدة متوفرة، مع أن الشللية واستسهال ذوق المشاهد أديا إلى بروز نصوص ذات مستوى ضعيف، إلا أننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن وجود كتابات مميزة في الساحة».
وأضاف «أكاد أجزم أن الاحترافية العالية متوفرة في بعض الشباب الكويتيين العاملين في هذه الساحة – كتّاباً وفنيين - بحيث يوازي عملهم عمل المحترفين حتى في هوليوود، وقد تعاملت معهم، ولكن التكلفة العالية للتعاقد معهم تحول دون الاستفادة من تلك الخبرات، وانتشار إنتاجهم».
وزاد العلي: «وهنا – كما أتمنى على الحكومة دعم المنتجين السينمائيين الجادين – فإنني أيضاً أتمنى على شركات التوزيع أن تتواصل مع المنتجين، فإن بعض المنتجين يمكنه أن ينتج فيلماً أو أكثر في السنة، إلا أن ضعف التوزيع يقف حائلاً أمامه، فلكلّ اختصاصه ومجاله، فمحدودية الأرباح أحياناً تحول دون استكمال الإنتاج السينمائي للشركات».
رمضان خسروه: لن تزدهر صناعة السينما... بلا دعم من الدولة
قال المخرج السينمائي رمضان خسروه إن التقدم بالدراما جاء نتيجة دعم كامل من وزارة الإعلام منذ البدايات إلى اليوم، بينما تأخرنا في السينما يعود إلى عدم التفات المسؤولين عن الحركة الفنية بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ووزارة الإعلام إلى أهمية دور السينما والسينمائيين في المجتمع، «إذ لا أعتقد أن هناك بلداً تزدهر فيه صناعة السينما من دون دعم المؤسسات الحكومية والخاصة له».
وذكر خسروه أن الإمكانات والتقنيات السينمائية غير متوفرة، فصناعة السينما لا تعتمد على توافر كاميرا حديثة أو برنامج لصناعة المونتاج، إنما تحتاج إلى مدينة إنتاجية واستديوهات وأقسام للصناعة مختلفة، كالمكياج والأزياء والديكورات وصناعة الخدع وفرق المؤثرات البصرية، هذا بجانب أهمية وجود أكاديميات لتعليم أصول صناعة السينما.
وختم قائلاً إن «صناعة السينما تعتمد على كثير من الأمور، بدءاً بالسيناريو وانتهاء بصالات العرض، وأعتقد أننا نمتلك البداية والنهاية، بينما نفقد الرابط بينهما، وهو كل ما يخصّ صناعة السينما والمسؤول الأول عنها بلا أدنى شك هي الدولة».
عبدالله الطراروة: لا يوجد أساس سينمائي... مثل الدراما والمسرح
قال الفنان عبدالله الطراروة، الذي قدّم أكثر من تجربة سينمائية، منها فيلما «حبيب الأرض» و«عماكور» وغيرهما، إن الحركة السينمائية في الكويت متقدمة منذ القدم، والدليل فيلم «بس يا بحر» وبقية التجارب الحالية، خصوصاً الأفلام النوعية مثل القصيرة وغيرها التي تشارك في مهرجانات دولية.
وأرجع سبب التقدم في التلفزيون إلى الممثلين الروّاد لأنهم يبحثون عن النص، وسابقاً كانوا يكتبون ويختارون الفنانين وكل «الكاست» وينفذون أهم الأعمال، وهم من أعطى الثقل للمسلسلات التلفزيونية الحالية والسابقة، مؤكداً أنه لو لم يبتعد الروّاد عن السينما منذ البدايات لرأينا التقدم فيها واضحاً.
واسترسل قائلاً: «نحتاج إلى أساس في السينما مثلما كان للدراما أساس في الكويت. مثلاً، في التلفزيون، كان يوجد في البدايات مؤسسين منهم المخرج القدير حمدي فريد، وفي المسرح افتُتح معهداً للدراسات المسرحية وكان يوجد مؤسس للمسرح، وهو المسرحي القدير زكي طليمات، وفي الموسيقى كذلك كان يوجد نجيب رزق الله، وغيرهم رحمة الله عليهم. الأساس مفقود في الفن السابع الكويتي، ولطالما كنا نحتاج منذ زمن إلى معهد للسينما».
وألمح إلى أهمية دعم الدولة للسينما، لإنشاء معهد متخصص في الفن السابع، وإرسال بعثات دراسية للطلبة خارج البلاد إلى الدول المتقدمة في صناعة السينما وإنتاج الأفلام، مثل مصر ولبنان وإيران ودول أوروبا والهند وأميركا وغيرها من الدول التي تمتلك التاريخ السينمائي الطويل.
وزاد: «إذا توافرت كل هذه الإمكانات، حينئذٍ سوف يُخرّج المعهد طلبة متخصصين في مجالات السينما كافة، الإنتاج والتأليف والإخراج والصناعة السينمائية الكاملة مثل بقية الدول. لو نظرنا إلى كل الدولة المتقدمة في السينما، لوجدنا فيها معهداً على الأقل، لتدريس الطلبة أصول هذه الصناعة».
الفاروق عبدالعزيز: الاستمرارية والغزارة... يشكّلان العامل الأول لتطوّرها
أوضح الناقد السينمائي الفاروق عبدالعزيز أن الإنتاج الدرامي التلفزيوني يستمد قوته من تاريخ طويل من التجارب الدرامية على مدى أربعة عقود. ومع التقدم المطرد في تقنيات الإنتاج وتوفّر ما يمكن أن تقدمه من حلول فنية يزداد الإنتاج الدرامي تألقاً وحضوراً. هذا في الوقت الذي اقتصر فيه الإنتاج السينمائي على تجارب محدودة للغاية منذ فيلم خالد الصديق «بس يا بحر» (1971) الذي كان بداية واعدة لم يتحقق من بعدها إنجاز سينمائي يذكر.
وتابع أن «استمرارية وغزارة الإنتاج، سواء كان درامياً تلفزيونياً أم سينمائياً، يشكلان العامل الحاسم في حدوث تطوّر في الصناعة. وهذا قانون يسري على أي صناعة في أي مجال».
وأشار إلى أن المانع من حدوث تطوّر في صناعة السينما يعود إلى عاملين: الأول هو الغياب التام لدور الدولة في دعم هذه الصناعة عن طريق إنشاء (صندوق للدعم) يوفر سلفيات للمبدعين لكتابة وإنتاج أفلامهم من دون خوف من التعرض لقوانين السوق، العرض والطلب والربح والخسارة. المنطلق الرئيس هنا هو وجود رؤية مصحوبة بخطة عمل للدعم حتى تتجذر هذه الصناعة في التربة ويتحقق شرطا (الاستمرارية والغزارة)». وأكمل: «أما العامل الثاني، فهو إحجام شركات الإنتاج عن الدخول في مغامرات إنتاجية لا تحمد عقباها تسويقياً بينما أبواب التلفزيون مفتوحة للإنتاج الدرامي المضمون تماماً الاستثمار فيه».
وأكد على أننا بحاجة إلى كاتب سينمائي محترف، «ولكن كيف سنربي كوادر الكتّاب إذا لم يكن هناك دعم لمحاولاتهم الأولى؟».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي