أضواء

علمانية متحوّرة

تصغير
تكبير

يمكن القول بأن العلمانية أخذت منحى متحوّراً مثل بعض الفيروسات تمر بمرحلة التحوّر وتشكل خطورة على حياة الإنسان. بدأ ظهور العلمانية في أوروبا مع بداية عصر النهضة، وكانت ردّ فعل على تعاليم رجال الكهنوت النصارى الذين حاربوا العلم والعلماء واضطهدوهم، بل ومنهم من تعرض إلى الإعدام حرقاً مثل العالم ميغيل سيرفيت، قرب أبواب مدينة جنيف، والفلكي جاليليو الذي حكم عليه بالسجن المؤبد وتم وضعه رهن الإقامة الجبرية على تمسكه باكتشافه أن الأرض تدور حول الشمس وليس العكس الذي كان يدين به رجال الدين الكاثوليك.
وعلى عكس ذلك فإن الفقهاء المسلمين كانوا منسجمين مع العلماء الطبيعيين فلم يتعرضوا للاضطهاد، ومع العلم الذي يحث الإسلام المسلمين على سبر أغواره «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق» من سورة العنكبوت، بل إن فقيهاً مثل ابن حزم الأندلسي، رحمه الله استنبط كرويّة الأرض من الآية في سورة الزمر «يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل»، حيث شبّه التكوير في الآية بتكوير العمامة أي إدارتها حول الرأس وصرّح بأن «هذا نص على تكوير الأرض» أي كرويتها، ذلك منذ 8 قرون.

مع بداية عصر النهضة، بدأت العلمانية تشق طريقها في أوروبا، وذلك بفصل تعاليم الكنيسة عن القضايا الدنيوية بعد أن فقدت الكنيسة مصداقيتها أمام المواطن الأوروبي وانكشفت أمامه معتقداتها العلمية الخرافية لتنهار معها زعامتها المقدسة، وانتهج الأوروبيون العلمانية في تنظيم شؤون حياتهم دونما أي تدخّل من الدين، ونتج عن ذلك السماح بالعلاقات الجنسية بين الجنسين خارج إطار الزواج، واعتبروا ذلك حريّة شخصية ومتطلّباً حضارياً، رغم كلفتها الاجتماعية والمادية على مجتمعاتهم، وقد رأينا كيف ألغت المحكمة العليا الأميركية الإجهاض والدعم المالي المكلف لعملياته واعتبرته ازهاقاً لأرواح الأجنّة الأبرياء التي تستحقّ أن تعيش كغيرها من البشر.
لم تتوقف العلمانيّة عند إباحة تلك العلاقات غير المشروعة، بل تعدّتها إلى ما هو أسوأ بالسماح بممارسة الشذوذ الجنسي بين المثليّين في مجتمعاتهم، وتوفير الحماية القانونية لهم، والسماح لهم بالزواج، بل وتبني الأطفال، ولك أن تتصور حالة الطفلة المتبناة بين يدي وحشيّن شاذيّن تعيش محرومة من عاطفة الأمومة! أو حالة الطفل الذي منح حق تحديد هويته الجنسية! هنا لا بد أن يتوقف المرء ليعلن في قرارة نفسه أنه إزاء علمانيّة دخلت طوراً متحوراً خطيراً، يهدّد بتخريب منظومة القيّم الاجتماعية المتعارف عليها بين بني البشر.
ربما لن يتوقف المتحوّر العلماني عند هذا الحد، وقد يتحوّر مستقبلاً إلى طبيعة تتقبل الاندماج بالحيوان، فكل شيء مباح في العلمانية وفق مبدأ الحرية الشخصية المقدسة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي