حين يتم فتح أبواب المصارف ويُسمح للناس بالدخول إليها وأخذ الأموال من دون سؤال وبمباركة مجلس الأمة وموافقة الحكومة، عندما يحدث ذلك فسوف ينهار النظام المصرفي عاجلاً أم آجلاً، وإذا قمت بالاحتجاج على هذا الفعل الخطير عندها لن يرضى عنك أحد لا من الشعب ولا من الحكومة ولا من مجلس الأمة، وستخلِقُ لك أعداءً ومتربصين أنت في غنى عنهم.
الذين يحبّونك سيطلبون منك تجنّب هذه المواضيع التي يربح فيها موقتاً الكل ويخسر فيها الوطن، الوطنُ الذي هو الركن الشدّيد والباقي لنا جميعاً.
الوضع السابق يشبه إلى حدّ ما، ما يُحذّر منه خبراء الاقتصاد الوطنيون من تسابق بعض أعضاء مجلس الأمة لفتح أبواب ميزانية الدولة اليوم، اليومَ وليس غداً، فتح خزائن الدولة للصرف غير المدروس وتوزيع الهبات من أجل مكاسب انتخابية، وقد عبّر بعض الخبراء الاقتصاديين عن قلقهم من هذه الاقتراحات التي لا تُراعي مستقبل الوطن، فهمُّها الأكبر هو صوت الناخب دون أي اعتبارات أخرى، أولئك الخبراء عبّروا عن ذاك بكثير من المقالات واللقاءات، ولكن ما زال مدّ اقتراحات الهدر مستمراً دون توقف.
بالنسبة لي كطبيب فأنا أستطيع أن أشهد بقضية تخصُّ مجالي وهي الهدر في العلاج بالخارج؛ والذي أيضاً يتم بضغط من بعض النواب وأيضا يتم بتساهل من الحكومة.
في قضية العلاج في الخارج والتساهل الكبير في إرسال المواطنين للعلاج في الخارج يتفق كل أصحاب المصلحة، فأعضاء مجلس الأمة في معظمهم مرتاحون؛ والحكومة راضية؛ والمرضى وأقاربهم سُعداء، الخاسرُ الوحيد هو الوطن الذي ينزِفُ مليار دولار في السنة أغلبها من دون داع، وهو أي الوطن، محتاج إلى تلك الأموال لتطوير مشاريع الدولة التي تئنُ اليومَ بسبب نقص الميزانية، هل نسينا مستفيداً آخرَ من العلاج في الخارج؟ نعم نسينا مستشفيات الغرب التي تقوم الكويت بحلِّ نقص ميزانياتها من أجل تقديم خدمة صحية أفضل لشعوبها!
أما بالنسبة للأضرار من العلاج في الخارج، فأولُ ضررٍ يقعُ على كثيرٍ من المرضى أنفسهم، نعم كثيراً من المرضى الذين ليس فقط علاجهم متوافراً في الكويت بل أيضاً علاجهم أفضل في الكويت على اعتبار أن العلاج منظومة متكاملة تلعبُ فيها الناحية النفسية والاجتماعية والمشاعر الإنسانية دوراً مهماً في الشفاء، فمن يتعالجُ في وطنهِ وبين أهلِهِ وأصدقائِهِ ليس كمن يتعالج في غرفة باردة في غربة موحشة لا يُسمع فيها صوت أذان؛ ولا تَطرَبُ أذناه للغة قومِهِ، ناهيك عن الأخطاء المُتعددة التي تُلّم بهم هناك دون القُدرة على أخذِ حقوقهم، هل هناك خاسرٌ ثانٍ غيرَ كثيرٍ من المرضى؟ نعم إنه النظام الصحي الذي أنفقت الدولة عليه الكثير، ودرّبت أبناء الوطن من أطباء وصيادلة وفنيين وممرضين وإداريين وباحثين وغيرهم من أجل خدمة راقية ثم سحَبَت الثقة منهم وحرمتهم من تقديم عِلمهم وخبرتهم لمواطنيهم، وأيضاً هناك القطاع الخاص الذي شجّعته الدولة فتكلّف أموالاً طائلة لخدمة الكويت ثم ذهب المرضى إلى قطاع خاص آخر في الخارج.
الكلام السابق ليس دعاية للعلاج في الكويت بل هو حقيقة علمية لدينا عليها أدلة وحالات كثيرة كان علاجهم أنفع في الكويت، وبالطبع هذا لا يعني حرمان المواطن الذي لا تتوافر له الخبرات داخل الكويت بأن يُرسل لتلقّيها في المراكز المختصة، وهذا ما تقوم به كل دول العالم دون استثناء.
إن الاهتمام بصحة المواطن يجب أن يكون هو الأولوية لنا جميعاً، ليس الاهتمام بصوته أو صوت أسرته أو رغبتهم في السفر والسياحة، الاهتمام بالمواطن يعني إعطاءه أفضل الفرص للعلاج والتشافي.
نعم هناك أخطاء قد تقع في الكويت مثلُها مثلُ أي دولة أخرى، والإحصائيات متوافرة على شبكة (النت) عن الأخطاء الطبية في كل دول العالم بما فيها تلك التي يحرص مرضانا للسفر إليها للعلاج.
إنّ نقد الخدمات الصحية عادة عالمية موجودة في كل دول العالم ولكن الشعوب الواعية تتعامل مع تلك الأخطاء بإيجابية، ولا تُنفق أَموالَها لدعمِ المنظومةِ الصحية لدولٍ أخرى.
لقد سادت ثقافة التذمّر في العالم ولنا فيها نصيب كبير، فالمُتذمّرون عادة يَصرخون بالشكوى والراضون عادةً لا يَمدحون، من أجل هذا يخسرُ الوطن الشيءَ الكثير.
إنها رسالة إلى المواطن الكويتي، هو فقط الذي بيدِهِ الحلّ، الهدرُ المالي يأخذ أبعاداً كثيرة للأسف هذه واحدةٌ منها، وأتركُ للاقتصاديين التحدث في مجالات أخرى للهدر في ما هم أخْبَرُ به منّي.