No Script

جودة الحياة

إدمان الحب

تصغير
تكبير
الحب قدرٌ وليس قراراً أو محض صُدفة تحدث على حين غفلة من الدهر، وليست لديّ قناعة بما يسمونه «الحب» من أول نظرة بمقدار ما اُؤمن أن الوقت أساس جوهري في نجاح أي علاقة إنسانية ناهيك عن علاقة تُسمى حصراً «بالحب»، في المقابل لا وجود لحب منطقي عقلاني فهو نشاط وجداني ذو علاقة وثيقة بالحس والشعور ولا يخضع للقياس الرياضي والحسابات العقلية.
عندما نتكلّم عن الحب كحالة واحتياج إنساني، فلا يمكن شرح المشاعر الإنسانية ودرجة الوله والتعلق وتأجج المشاعر الإنسانية في نفوس المُحبين، وما تخلفه تلك الحالة من توقٍ للقاء والقرب، وقناعتي أن الحب الناضج يمثل قمة الاختيار والحرية حيث يتوجه المحبوب لمن يحب بكل قلبه وبكل قناعته لأنه اختاره بمحض إرادته.
لا يوجد مقياس للحب كمقياس ريختر مثلاً، ولكن ثمة حالات تبلغ حد الإدمان إذا استخدمنا لغة الطب، لطالما حفلت كُتب الأدب العربي بالكثير من قصص الحب التي تفوق حد الوصف في التعلق والقُرب للمحبوب أو إظهار الحسرة والبكاء على ضياع الحب وفراق المحبين.

والأمثلة كثيرة في كتب الأدب العربي أو من واقع الحياة المعاصرة على حالات الحب والتعلق المرضي بين المحبين أو أحد الأطراف بالآخر والتي فقد أصحابها عقولهم بل حياتهم جراء ذلك.
كيف يكون الحب إدماناً؟
حين يكون الانسان بحاجة ملحة دائماً إلى حالة حب يعيشها مع طرف آخر على الرغم من معرفته تماماً بأنه الشخص الخطأ وأنها حالة خداع وهمية ولكنه يحتاجها ولا يستطيع الحياة من دونها.
بحيث تصبح أسمى العواطف الإنسانية أقرب للتعلق المرضي والاستغراق أو الانغماس تماماً بل والانسحاق والذوبان في شخص المحب وعوالمه.
في الواقع، كل ما يتعلق بالحب مثار جدل وتباين في الآراء والمواقف، ويمكنني القول بأنه ليست ثمة إجابات مُحدّدة أو تفسير منطقي كما أسلفت لحالة إدمان الحب، فالأصل في العلاقة أن تُبنى على أساس الإخلاص والتفاهم والتقارب الذي يصون كرامة المحب وذاته، ولا يُحد أو يقف حائلاً في ذات الوقت من وصول العلاقة لغاياتها المرجُوة.
وثمة إشارات أكثر دلالة على حالة الإدمان، فعندما يقع شخص ما ضحية لإدمان الحب فإنه يفقد السيطرة على نفسه وعلى كيانه بل وكرامته ويمكن أن تتفاقم تلك الحالة إن جاز التعبير إلى تحول الحب لقيود، وزنزانة بائسة بما يتنافى مع طبيعة المشاعر المتأججة والجياشة التي تميز الحب دون غيره من العلاقات الإنسانية، ويتحول المُحب وفقاً لتلك الحالة إلى كائن مُصفد بأغلال ظاهرها الحب يدور بلا توقف في فلك من يُحب، ويظن نفسه قد أدرك غايته متفرداً بخصوصية الحب ورحابة العلاقة الإنسانية بينما هو مقيد مُصفد بالسلاسل.
ينبغي أن يكون الحب ناضجاً متوازناً يحفظ للطرفين إنسانيتهما ورقيهما الاجتماعي والروحي والنفسي، وفوق ذلك يجب أن يُراعي الفوارق النوعية وتفرد كل طرف عن الآخر، وفي المقابل يتعين أن يشعر كل مُحب بكيانه وذاته، وأن يكون حراً يستطيع في كل حين أن يقترب أو يبتعد عن من يُحب على نحو لا يلغي شخصية أي منهما.
هذه المقاربة والتوصيف للعلاقة الإنسانية تختلف جذرياً عن الإدمان المرضي الذي لا يرى صاحبه أي معنى للحياة إلّا بالقرب من محبوبه فهو دونه لا شيء، وغيابه يعني انهياره تماماً كمُدمن لا يستطيع العيش دون تعاطي المُخدر الذي أدمنه.
X: t_almutairi
Instagram: t_almutairii
Email:talmutairi@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي