دراسة قانونية للدكتور علي الرشيدي تُفصّل التناقضات في الحكم الأخير للقضاء العراقي

اتفاقية «خور عبدالله» لا تُنقَض من جانب واحد... و«الاتحادية العراقية» خالفت نفسها ونقضت حكماً سابقاً وتعدّت على فكرة «الحكم البات»

تصغير
تكبير

بصدور حكم المحكمة الاتحادية العليا في الجمهورية العراقية، في ما يخص اتفاقية الملاحة في شأن تنظيم الملاحة في خور عبدالله الفاصل بين المياه الإقليمية للبلدين، والذي قرّر عدم مطابقة نص الاتفاقية والدستور العراقي، أوضح الدكتور علي مزهي البذال الرشيدي، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة الكويت، في دراسة تفصيلية، الأسس التي استند لها الحكم في مخالفته لحكم سابق صدر في العام 2014 من ذات المحكمة، أكد فيه سلامة الموقف القانوني والدستوري للاتفاقية التي نقضتها في حكمها الأخير.
وبيّنت الدراسة مدى مخالفة الحكم للنظام الدستوري الخاص بنفاذ القرارات، التي تصدر من المحكمة الاتحادية ومخالفتها للحكم الصادر منها في دعوى سابقة، وأكدت سلامة الموقف الكويتي في ما يخص القانون الدولي واتفاقية فيينا التي تُنظم العلاقة بين الدول حال توقيعها اتفاقيات ثنائية، ومدى مخالفة الحكم محل الدراسة لفكرة الحكم البات واستقرار المعاملات.

وأوضحت الدراسة الإجراءات التي مرّت بها الاتفاقية الثنائية، من إيداعها الأمم المتحدة، وما ترتب على ذلك من آثار، كما تطرّقت إلى مدى إلزامية الاتفاقية، ومدى جواز نقضها من جانب واحد.
المحكمة في 2014: الاتفاقية غير مخالفة
للدستور

- الحكم صدر بعد عام من تصديق
مجلس النواب العراقي على قانون الاتفاقية

‏في ما يخص قرار المحكمة العراقية الاتحادية العليا الصادر بتاريخ 4 سبتمبر 2023، والمتعلّق بعدم دستورية القانون رقم 42 /2013، الذي أصدره مجلس النواب العراقي بتاريخ 22 - 8 - 2013، وذلك للتصديق على الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت، في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله العام 2013:
‏أولاً: سبق وأن فصلت المحكمة العراقية الاتحادية العليا بتاريخ 18 - 12 - 2014، بطعن مقدم من عضو في مجلس النواب العراقي آنذاك على قانون 42 / 2013، في شأن التصديق على الاتفاقية بين العراق والكويت، لتنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، وقرّرت المحكمة رفض الطعن المقدم، وأكدت على دستورية قانون التصديق على الاتفاقية الذي أصدره مجلس النواب العراقي عام 2013.
وذكرت المحكمة في حكمها أنه «لا تعد اتفاقية تنظيم الملاحة بين العراق والكويت مخالفة للدستور، لأنها شرعت وفق الشكلية القانونية التي نص عليها الدستور، وأن الادعاء بأن هذه الاتفاقية قد أضرّت بالعراق، فإن مثاره يخرج عن اختصاص المحكمة الاتحادية العليا».
وهذا يعني أن الحكم صدر بعد مرور عام كامل من تصديق مجلس النواب العراقي على قانون الاتفاقية المنظّمة للملاحة البحرية في خور عبدالله.
قرارات المحكمة باتة وملزمة للسلطات كافة
ثانياً: نصت المادة 93 من الدستور العراقي الصادر عام 2005، أن من اختصاص المحكمة الاتحادية العليا «الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة» وأكدت المادة 94 من الدستور العراقي، أن «قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة».
يُضاف إلى ذلك ما نصّت عليه الفقرة الثانية من المادة الخامسة لقانون المحكمة العراقية الاتحادية العليا رقم 30 /2005 أن «الأحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية العليا باتة».
وبما أن مجلس النواب العراقي الذي يمثل السلطة التشريعية بالجمهورية العراقية، قد أصدر قانون رقم 42 / 2013 في شأن التصديق على الاتفاقية بين العراق والكويت في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله بتاريخ 22 - 8 - 2013، وباعتبار أن عضواً في مجلس النواب العراقي آنذاك كان قد تقدّم بالطعن على القانون الذي وافق عليه مجلس النواب العراقي في شأن التصديق على الاتفاقية المنظمة للملاحة في خور عبدالله، فإن المحكمة العراقية الاتحادية العليا قرّرت رفض الطعن، وأكدت على دستورية القانون المتعلق بالتصديق على الاتفاقية، وذلك وفق قرارها المحكمة الصادر بتاريخ 18 - 12 - 2014.
‏وبناء على المادة 94 من الدستور العراقي والمادة الخامسة من قانون المحكمة العراقية الاتحادية العليا، فإن قرار المحكمة الاتحادية العراقية العليا هو ملزم للكافة، على اعتبار أن المحكمة العراقية الاتحادية العليا هي أعلى سلطة قضائية في الجمهورية العراقية، وأن الأحكام الصادرة عنها ملزمة لكافة السلطات الأخرى.
اتفاقية فيينا: كل معاهدة نافذة مُلزمة لأطرافها
- لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة
- ليس للدولة أن تحتج بأن التزام المعاهدة مخالف لحكم في قانونها الداخلي كسبب لإبطالها
‏ثالثاً: وفقاً لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات عام 1969، فقد نصت المادة 11 على أن «من وسائل التعبير عن رضا الدولة الالتزام بالمعاهدة يكون بتوقيعها أو بتبادل وثائق إنشائها أو بالتصديق عليها»، وهذا ما تم من قبل السلطة التشريعية بالجمهورية العراقية، ممثلة بمجلس النواب العراقي، بالتصديق على الاتفاقية، بالإضافة إلى تأكيد السلطة القضائية العراقية عبر الحكم البات الصادر من أعلى محكمة عراقية، وهي المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 18 - 12 - 2014، والتي أكدت على دستورية القانون الذي وافق عليه مجلس النواب العراقي، والمتعلق بالتصديق على اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله بين العراق والكويت.
وقد بيّنت المادة 26 من اتفاقية فيينا على مبدأ مهم، وهو أن «العقد شريعة المتعاقدين» و«أن كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحُسن نية».
وشدّدت المادة 27 من اتفاقية فيينا على احترام المعاهدات، وبالتالي «لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة». كما أوضحت المادة 46 من اتفاقية فيينا للمعاهدات أن «ليس للدولة أن تحتج بأن التعبير عن رضاها الالتزام بالمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص بعقد المعاهدات، كسبب لإبطال هذا الرضا».
وقد صادق مجلس النواب العراقي على الاتفاقية وقامت حكومة الجمهورية العراقية بإيداع نسخة من الاتفاقية لدى الأمم المتحدة عام 2013.
وأكدت المحكمة العراقية الاتحادية العليا في حكمها البات الذي صدر عام 2014 على دستورية التصديق على الاتفاقية.
4 عوامل تنقض الحكم الجديد
1 - المحكمة العليا سبق وأن فصلت بموضوع الاتفاقية
2 - مقدم الطعن الجديد هو بنفس صفة الطاعن السابق
3 - أسباب الطعن الجديد هي نفس أسباب الطعن السابق
4 - التعارض مع نصوص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات
رابعاً: أن الحكم الأخير للمحكمة العراقية الاتحادية العليا الصادر بتاريخ 4 سبتمبر 2023، والمتعلّق بعدم دستورية قانون رقم 42 / 2013 بتصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، يكون قد وقع في تناقض مع حكم المحكمة السابق، والذي أصدرته المحكمة نفسها قبل 9 سنوات، وتحديداً بتاريخ 18 - 12 - 2014، خاصة أن المحكمة العراقية الاتحادية العليا سبق وأن فصلت بموضوع الاتفاقية، بالإضافة إلى أن مقدم الطعن الجديد هو بنفس صفة مقدم الطعن السابق عام 2014، وهو أحد أعضاء مجلس النواب العراقي.
كما أن أسباب الطعن الجديد هي نفس أسباب الطعن السابق، والتي فصلت فيها المحكمة العراقية الاتحادية العليا عام 2014، عبر حكمها البات الذي أكد بشكل واضح على دستورية القانون رقم 42 / 2013 والذي أصدره مجلس النواب العراقي في شأن التصديق على الاتفاقية المنظمة للملاحة في خور عبدالله بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت.
‏وبالتالي، فإن قرار المحكمة بتاريخ 4 سبتمبر 2023 والقاضي بعدم دستورية الاتفاقية، يتعارض مع فكرة الحكم البات الصادر من المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 18 - 12 - 2014، والذي أكدت عليه المادة 94 من الدستور العراقي، وكذلك المادة الخامسة من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 /2005.
‏هذا فضلاً عن أن القرار الأخير للمحكمة يتعارض مع النصوص التي تم ذكرها سلفاً، بخصوص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، خاصة أن أعلى محكمة عراقية وهي المحكمة الاتحادية العليا سبق أن أكدت وبشكل صريح في حكمها البات عام 2014 على دستورية القانون الذي أصدره مجلس النواب العراقي في شأن التصديق على الاتفاقية المنظمة للملاحة البحرية بين جمهورية العراق ودولة الكويت.
إيداع «ثنائي» للاتفاقية لدى الأمم المتحدة
- ميثاق الأمم المتحدة «كل معاهدة وكل اتفاق دولي يجب أن يُسجّل في أمانة الهيئة».
‏خامساً: بعد أن صادقت كل من جمهورية العراق ودولة الكويت على الاتفاقية الثنائية في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، تم إيداع نسخة من الاتفاقية لدى الأمم المتحدة في شهر ديسمبر عام 2013، وذلك عبر المندوب الدائم للعراق في الأمم المتحدة السيد محمد علي الحكيم، والمندوب الدائم للكويت بالأمم المتحدة السيد منصور العتيبي.
ويأتي هذا الايداع الثنائي توافقاً مع الفقرة الأولى من المادة رقم 102 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على أن «كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أيّ عضو من أعضاء الأمم المتحدة بعد العمل بهذا الاتفاق، يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره بأسرع ما يُمكن».
‏وتوافقاً كذلك مع مانصت عليه الفقرة الثانية من المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، أنه «ليس لأيّ طرف في معاهدة أو اتفاق دولي، لم يسجل وفقاً للفقرة الأولى من هذه المادة، أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة».
السكرتير العام: الاتفاقية تُعيد تأكيد التزام الدولتين بقرار مجلس الأمن 833 لعام 1993

أكد السكرتير العام للأمم المتحدة عند تسلمه نسخة من الاتفاقية من مندوبي العراق والكويت في ديسمبر عام 2013، على أهمية الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، لأنها تُعيد التأكيد على التزام الدولتين بالقرار 833 الصادر عن مجلس الأمن في عام 1993، والخاص بترسيم الحدود الدولية بين البلدين واحترام القانون الدولي المتعلق بالملاحة الدولية.
العراق أكد التزامه بالاتفاقية
كما شدّد المندوب الدائم لجمهورية العراق لدى الأمم المتحدة السيد محمد علي الحكيم على أن هذه الاتفاقية تنظم العلاقات البحرية بين البلدين على أساس قرارات الأمم المتحدة بخاصة منها القرار 833، مشدداً على أن الطرفين ملتزمان بها، وأنها تعني أيضاً اتفاق البلدين على تسهيل عملية مرور البواخر وحركة السير في الخور.
المادة 16: موافقة البلدين شرط لإنهائها
سادساً: نشرت الجريدة الرسمية للجمهورية العراقية في العدد رقم 4299 والصادر بتاريخ 25 /11 /2013 قانون تصديق اتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله. ونصت المادة الثانية من القانون على أن «ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية».
وبناء على ذلك، قامت حكومة الجمهورية العراقية بإيداع نسخة من الاتفاقية لدى الامم المتحدة في شهر ديسمبر 2013. وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 16 من الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت في شأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، أن الاتفاقية تدخل حيز التنفيذ بعد تبادل الإشعارات التي يخطر بها الطرف الأخير الطرف الآخر باستيفائه الاجراءات القانونية الداخلية اللازمة لنفاذها، وهذا ماتحقق بعد إيداع جمهورية العراق نسخة من الاتفاقية بالامم المتحدة في شهر ديسمبر 2013 وذلك توافقاً مع المادة 15 من الاتفاقية. كما أن المحكمة الاتحادية العليا العراقية عام 2014 أصدرت حكمها الذي يؤكد على دستورية القانون الصادر من مجلس النواب العراق في شأن التصديق على الاتفاقية. وبالتالي فإن الاتفاقية تكون نافذة لكلا الطرفين.
وقد بيّنت الفقرة الثانية من المادة 16 من الاتفاقية ان الاتفاقية تبقى سارية المفعول لمدة غير محدودة، على انه لايجوز إنهاء الاتفاقية إلا بموافقة الطرفين. وبالتالي فإن المادة 16 تشترط موافقة ثنائية لإنهاء هذه الاتفاقية أي بمعنى انه لا يجوز إنهاؤها من طرف واحد فقط.
المادة 14: تسوية أيّ خلاف ودياً أو إحالته إلى المحكمة الدولية لقانون البحار
وبيّنت المادة 14 من الاتفاقية أن أيّ خلاف ينشأ بين الطرفين حول تفسير أو تطبيق الاتفاقية تتم تسويته ودياً بينهم من خلال المشاورات، وفي حال عدم تمكنهما من التوصّل إلى اتفاق في شأن هذا الخلاف، فتتم إحالته إلى المحكمة الدولية لقانون البحار.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي