كلمة صدق

نصف مواطن!

تصغير
تكبير

باراك حسين أوباما الأب، الكيني المولود في العاصمة نيروبي، حصل على بعثة للدراسة في جامعة هاواي، وفي أحد الفصول الدراسية التقى بالأميركية ستانلي آن دونهام، فتزوجا عام 1961، وخلفا المولود باراك أوباما الابن، ابن الكيني المهاجر تم انتخابه في عام 2008، ليصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.

التشيكوسلوفاكية ماري جانا كورولوفا، التي أصبح اسمها لاحقاً مادلين أولبرايت، الطفلة التي هربت أسرتها بها من الاحتلال الألماني النازي إلى لندن، ثم بعد أن وضعت الحرب أوزارها عادت العائلة إلى تشيكوسلوفاكيا، ثم هاجرت الأسرة برب أسرتها الديبلوماسي التشيكي السابق إلى أميركا، وكان عمر مادلين يقارب العشر سنوات. في الأرض التي كانت أرض الفرص أكملت أولبرايت دراستها وحصلت على أعلى الرتب العلمية وعملت في مجال الصحافة، ثم ولجت الحياة السياسية الأميركية حتى تسلمت أعلى منصب ديبلوماسي كوزيرة للخارجية.

هذه أمثلة عن نسخ من المهاجرين، هاجروا من أوطانهم ثم انتقلوا إلى أرض أخرى فيها فرص أفضل، أو حياة أكثر أمناً، ثم تفاعلوا مع مجتمعهم الجديد، وكان أهم هذا التفاعل المشاركة السياسية، حتى وصلوا إلى أعلى منصب منتخب أو عام في أميركا.

هنا، قرن بعد قرن صار للكويت بروز متنامٍ ثقافي واقتصادي وتجاري وسياسي، فصارت محط اهتمام الشعوب المحيطة التي هاجرت إليها بشكل متزايد لتستظل بنظام سياسي سمح وشعب متحاب.

لكن، الحديث أصبح مكرراً عمن أتوا قبل السور عام 1920، فأصبحوا كويتيين بالتأسيس، ومن جاء بعد عام السور، فصاروا كويتيين بالتجنيس. المشرع بفطنته لم يجعل أبناء وأحفاد المتجنس في حالة معزولة عن المجتمع، بل جعلهم كويتيين بصفة أصلية، وفق المادة التي تذكر أن كل من ولد من أب كويتي بعد حصول والده على الجنسية الكويتية فهو كويتي بصفة أصلية.

نعم، المشرع الكويتي بحنكة يعلم أنه لا يمكن أن تكون الجنسية مع مواطنة منقوصة لأجيال ممتدة، نعم هناك فترة اختبار للمتجنس، لكن الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد لا يمكن أن يكونوا منقوصي المواطنة، ذلك لمدى أهمية المواطنة للوطن وللمواطن كفرد وللمواطنين كافة كمجتمع مترابط.

لكن هناك للأسف الشديد في الوقت الراهن من الأكاديميين، ومنهم لأشد الأسف من المشرعين الذين هم من المفترض أن يكونوا السور الحصين والسد المنيع للحفاظ على مكتسبات من انتخبوهم، من المؤسف منهم أن يتم مس المواطنة لبعض المواطنين، ومس أهم عنصر للمواطنة وهو المشاركة في الحياة السياسية.

نعم، المشاركة السياسية تمثل بعداً مهماً من أبعاد المواطنة، وفي ذلك تقول الباحثة الدكتورة نهلة جندية، في إحدى دراساتها الأكاديمية حول مفهوم المواطنة، «المشاركة السياسية هي من أهم أبعاد المواطنة، وحق من حقوق المواطن في المشاركة في مؤسسات الدولة السياسية».

وتضيف الباحثة بأن «المواطنة لا تكتمل إلا بتوافر ركن المشاركة كأحد الأركان الأساسية لها، فهي التعبير الحقيقي لممارسة الديموقراطية، التي تعتبر عصب الحياة المدنية، فمن خلال حكم الشعب باعتباره مصدر السلطة تتحقق المواطنة الفاعلة على أرض الواقع، ومن خلال غرس وتعزيز مبادئها يتشكل شعور المواطن بالانتماء واحساسه بالمساواة بين جميع أبناء المجتمع ما يحفزه على المشاركة السياسية بصورة ايجابية».

إذاً، فالجنسية ليست موضوع مواد قانونية جامدة، إنما هي مرتبطة بالمواطنة، المواطنة التي تجعل للمواطن التزامات منها الولاء للوطن والدفاع عنه بأعز ما يملك، وله حقوق منها حماية الدولة له وحقه في تولي المناصب العامة، وحقه بالانتخاب والترشح بالمجالس المنتخبة بأنواعها وأهمها البرلمان.

كيف لمن يطرح فكرة تنحية جزء كبير من المواطنين الكويتيين بصفة أصلية عن المشاركة الوطنية في العملية السياسية، ويقصد بهم أبناء وأحفاد، وأحفاد أحفاد المتجنسين، كيف يريد أن يسلبهم حقهم في أهم أعمدة المواطنة وهي المشاركة الاختيارية في العمل السياسي، والمشاركة بذلك في تنمية وطنهم؟ كيف لمن يطرح تنحية بعض المواطنين، من الشباب بالذات، كيف يريد أن يعاملهم في المناصب العامة، هل يريد أيضا أن يفرض عليهم التمييز والانتقاص من مواطنتهم كما يريد أن يفعل في حرمانهم من الترشح والانتخاب؟

لكم سنة أو عقد أو قرن أو دهر يقترح من يريد تنحية بعض الكويتيين عن المشاركة السياسية بحجة أنهم أبناء وأحفاد متجنس، ما هي مدته الزمنية المقترحة لحرمانهم من المشاركة السياسية وتخيل وجود نصف مواطن!

أليس مثل هذا الطرح فيه خدش على وجنتي الوطن والروح الوطنية؟ ثم انه هل يؤدي هذا الطرح إلى بناء الوطن، وإلى تماسك المجتمع؟ أم أنه قد ومن غير قصد يفت من عضد الوطن والمواطنين وتضافرهم نحو المزيد من الإصلاح والتطور؟

الأمل أن تقوم الحكومة بمسعى لإزالة هذه الفوارق التي أضحت شكلية بين كل من هم كويتيون بصفة أصلية، لكي يتم وقف العبث بشعور المواطنة للكويتيين، فحال المواطنة للكويت ليست محل تنظير أكاديمي ولا فلسفة متفلسف ولا هي حتى محل مقترح نيابي، فالمواطنة رابط عضوي راسخ كالجبل تربط بين الوطن والمواطن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي