انهيار السدين يكشف «فضيحة» عقود الصيانة
الأوضاع السياسية والأمنية والمناخ حوّلت درنة إلى ما يشبه «نهاية العالم»



- الدمى تناثرت على الشاطئ بعدما جرفتها المياه من المنازل
- تورك:
- الإعصار «دانيال» هو تذكير فتّاك آخر بالتأثير الكارثي لتغيّر المناخ على كوكبنا
- تحذيرات من تفشّي الأمراض بسبب الجثث
بينما يبحث ناجون من فيضانات أشبه بـ «تسونامي» اجتاحت وسط مدينة درنة الليبية، بين الركام عن أحبائهم، من بين آلاف القتلى والمفقودين، تخشى السلطات من تفشي الأمراض بسبب الجثث المتعفنة.
ووسط توقعات بمزيد من الضحايا والمآسي وتبادل الاتهامات بالمسؤولية، خرج رئيس الحكومة الوطنية عبدالحميد الدبيبة عن صمته.
وقال إن وزارة التخطيط اكتشفت عند مراجعتها الأوراق الخاصة بعقود صيانة سدي درنة «أبو منصور ووادي درنة»، أن العقود لم تستكمل، رغم تخصيص عشرات الملايين لها.
وأضاف أن النائب العام المستشار الصديق الصور، فتح تحقيقاً فورياً، مشدداً على أن الإهمال الحاصل في السدود، سببه الأوضاع السياسية والأمنية على مدار السنوات الماضية.
وأشار إلى أن هناك مشكلة تتعلق بالسدود بحاجة لحل جذري.
وفي السياق، أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أمس، أنه كان من الممكن تفادي سقوط معظم الضحايا.
وقال الأمين العام بيتيري تالاس في جنيف، إنه كان بالإمكان إصدار إنذارات، لو كانت هيئات إدارة الحالات الطارئة تمكنت من إجلاء السكان.
وأضاف أنه لو تم ذلك فعلاً لكانت البلاد تفادت معظم الخسائر البشرية، مشدداً على أن «ما جرى ما هو إلا نوع من الفوضى التي تعم البلاد منذ سنوات».
وأمام هذه الاتهامات، أقر البرلمان الليبي اعتماد ميزانية طوارئ للمدن المنكوبة بالفيضانات بقيمة 10 مليارات دينار.
وطالب رئيس البرلمان عقيلة صالح الحكومة، بإعادة الوضع إلى طبيعته خلال ستة أشهر فقط.
وأدّى التدفّق الهائل للمياه الناجمة عن إعصار «دانيال» إلى انفجار سدّين في وقت متقدم، من ليل الأحد، ليصبح المشهد في درنة، أشبه بـ «نهاية العالم»، إذ جرفت المياه أبنية بأكملها وأعداداً غير محددة من السكان إلى البحر المتوسط.
«مُحيت من الخريطة»
وقال منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث إن «حجم كارثة الفيضانات صادم ويفطر القلب... مُحيت أحياء بأكملها من الخريطة. جُرفت المياه عائلات كاملة فوجئت بما حصل. لقي الآلاف حتفهم وتشرّد عشرات الآلاف الآن بينما مازال كثر في عداد المفقودين».
واعتبر مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك أن «الإعصار دانيال هو تذكير فتّاك آخر بالتأثير الكارثي لتغير المناخ على كوكبنا».
مئات أكياس الجثث
وتصطف يومياً، مئات أكياس الجثث في شوارع درنة الموحلة بانتظار الدفن، فيما يبحث السكان الذين ما زالوا في حالة صدمة عن المفقودين في الأبنية المدمّرة، بينما تزيل جرّافات الركام وأكوام الرمل من الشوارع.
وقال رئيس بلدية درنة عبدالمنعم الغيثي، إن الوفيات قد تصل إلى ما بين 18 ألفاً و20 ألفاً، استناداً إلى حجم الأضرار، حيث جرف الكثيرون إلى البحر أو دفنوا بالرمل نتيجة المياه الموحلة التي اجتاحت المدينة.
وأضاف لـ «رويترز» في درنة، أن المدينة بحاجة إلى فرق متخصصة في انتشال الجثث وعبر عن مخاوفه من حدوث وباء بسبب كثرة الجثث تحت الأنقاض وفي المياه.
ومازال الوصول إلى درنة (شرق) صعباً للغاية، إذ دمّرت الطرقات والجسور فيما انقطعت خطوط الطاقة والهاتف عن مناطق واسعة حيث تشرّد 30 ألف شخص على الأقل.
ويظهر حجم الدمار واضحاً من المناطق المرتفعة فوق درنة.
وأصبح وسط المدينة المكتظ بالسكان على شكل هلال واسع ومسطح يغمره الوحل.
ولم يتبق سوى الركام وطريق جرفت المياه ما كان فيه عند موقع سد كان يحمي المدينة ذات يوم.
وإلى أسفل الطريق، تناثرت على الشاطئ ملابس ودمى وأثاث وأحذية ومتعلقات أخرى جرفتها السيول بعدما اجتاحت المنازل. وغطى الطين الشوارع التي تناثرت عليها أشجار اقتلعت من جذورها ومئات السيارات المحطمة التي انقلب كثير منها. وتنحشرت سيارة في شرفة الطابق الثاني لمبنى مدمر.
وتعهّدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إضافة إلى دول عدة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إرسال فرق إنقاذ ومساعدات تشمل مواد غذائية وخزّانات مياه ومراكز إيواء طارئة ومعدات طبية إضافة إلى مزيد من أكياس الجثث.
«ارتفع منسوب المياه إلى أن وصلنا للطابق الرابع»
قال ناجٍ ليبي أصيب بجروح «ارتفع منسوب المياه فجأة في غضون ثوان»، مشيراً إلى أن المياه جرفته مع والدته عندما وقعت الفيضانات ليلاً قبل أن يتمكنا من التشبّث بمبنى خالٍ والاحتماء فيه.
وتابع الرجل، الذي لم يتم التعريف عن هويته وفق الشهادة التي نشرها مركز بنغازي الطبي، «ارتفع منسوب المياه إلى أن وصلنا للطابق الرابع، كانت المياه بارتفاع الطابق الثاني».
وأضاف «سمعنا أشخاصاً يصرخون. رأيت من النافذة سيارات وجثثاً تجرفها المياه. استمر الوضع هكذا مدة ساعة أو ساعة ونصف الساعة بدت بالنسبة إلينا كأنها سنة»