تشكيليون لـ «الراي»: التعبير بالريشة والألوان أفضل من الكلام
... وخلاصنا في الرسم بالكلمات
«كل الدروب أمامنا مسدودة... وخلاصنا في الرسم بالكلمات»!
لعلّ بيت الشعر هذا للشاعر الكبير الراحل نزار قباني، لخصّ آراء بعض الفنانين التشكيليين الكويتيين، ممن أجمعوا على أنهم يفضّلون التعبير بالريشة والألوان عمّا يعجزون عنه في الكلام...
ففيما أكد فريق منهم أن جمهور الفن التشكيلي أصبح أكثر وعياً عن ذي قبل، لم يُخف الفريق الآخر تذمره من بعض الجهات التي تُعنى بهذا الفن، والتي حمّلوها مسؤولية تراجع المراسم والثقافة الكويتية بشكلٍ عام.
«الراي» طرحت خلال هذا الاستطلاع مجموعة من التساؤلات، أبرزها عن حال الفنان التشكيلي في الوقت الراهن، وعمّا إذا كان الرسم يشكّل مصدر دخل جيد بالنسبة إليه، وهل تعتمد قيمة اللوحة على جماليتها، أم على اسم الفنان وتاريخه وعلاقاته؟
عادل المشعل: اختفاء الناقد الفني الحقيقي
رأى الفنان الدكتور عادل المشعل أن «الثقافة الكويتية بشكل عام، ومنها الحركة التشكيلية، تعاني من تراجع كبير. ففي السابق كان عدد الفنانين التشكيليين قليلاً، لكنهم كانوا مبدعين، إذ قدموا أفضل اللوحات التشكيلية التي كانت تنتمي إلى مدارس فنية مختلفة، بدءاً بالواقعية مروراً بالرومانسية وانتهاء بالرمزية والتجريد، بل إن عدد الرسامات كان قليلاً ولا يكاد يصل أصابع اليد الواحدة، بينما الآن تضاعف عددها، ولكن هو كم على حساب الكيف».
وزاد: «في الماضي كان الشغف حاضراً بين الرسامين وكان الجمهور يحضر بشكل شبه يومي، لكن في الوقت الحالي بات الحضور مقتصراً على يوم الافتتاح الرسمي فقط، كما اختفت النقاشات مع تراجع أداء الجهات التي تُعنى بالحركة التشكيلية، واختفاء وجود الناقد الفني الحقيقي، وكل تلك الأمور وضعتنا في مركز متأخر خليجياً وعربياً».
وأكمل المشعل أن «أهم ما يميز اللوحة التشكيلية، أنها تقوم بتكثيف الكثير من الفلسفات والأيديولوجيات والأفكار، واللوحة عمل إنساني وفكري قد تستوعبه آلاف الكتب والمجلدات. وبالنسبة إليّ ولكل فنان تشكيلي، فإن فكرة اللوحة تلد في العقل الباطن لتدفع بالفنان نحو الرسم بإلحاح، لدرجة أنه قد ينسى من حوله لأنه في حالة حوار فكري وفني عميق، وقد يلجأ الفنان إلى الرمزية كي يهرب من الرقابة، كون بعض الموضوعات لا تسمح الرقابة بمناقشتها، وعلى الفنان أن يقدم الفكرة بصورة لائقة تتناسب مع قيم المجتمع».
وأوضح أنه لا يمكن أن يكون الفن التشكيلي مصدر دخل جيد للفنان الكويتي، إلا بعض الاستثناءات، مثل الفنان التشكيلي الراحل عبدالله القصار، «الذي تعرّف على شخص أوروبي أثناء دراسته في مصر، واتفق معه على أن يقوم بتسويق لوحاته الفنية في قارة أوروبا وفي عواصم غربية أخرى، وهو استثناء خليجي بل وعربي».
وختم قائلاً: «ليس من المنطق أن يتم تقييم اللوحة انطلاقاً من اسم الفنان، بل من درجة الإبداع، فقد تجد رساماً شاباً لديه من الإبداع الذي يتفوق فيه على الكثير من الرسامين القدماء».
عبدالعزيز التميمي: لوحاتي مبنية على إظهار الطبيعة الكويتية
تحدّث الفنان عبدالعزيز التميمي، قائلاً: «للفن التشكيلي روّاده ومحبيه، لاسيما الفن الواقعي الذي يُصوّر الأشياء بحسب القواعد الفنية والنسب الصحيحة لأي عنصرٍ من عناصر اللوحة، مع أهمية تآلف تلك العناصر مع بعضها بما يخدم موضوع اللوحة خدمة جمالية، إلى جانب الدقة في التصوير».
وتابع التميمي «لوحاتي مبنية على إظهار البيئة الطبيعية في الكويت بشكل جمالي، يعتمد على البناء الواقعي وإعادة ترتيب العناصر من دون إدخال ما لا يتناسب مع المنظور العام للوحة، فأنا عندما أرسم منظراً من (الخويسات) أو (المطلاع) أو مزارع الجهراء، أختار الزاوية الأجمل التي نمر عليها كل يوم من دون الاهتمام بها، وتوثيقها، سواء من الواقع الحاضر، أو من المخزون البصري، الذي يتم استلهامه من الماضي كعين متخصصة في التصوير الطبيعي».
ومضى يقول: «أما بالنسبة للاعتماد على مدخول البيع أو التجارة في الأعمال الفنية. نعم، هناك فنانون محترفون يعتمدون على هذا، أما أنا فأقف في المنتصف، لأنني لا أبيع دائماً أعمالي ولا أشترط سعراً محدداً لها، فقد يكون هناك شخص مهتم باللوحة ويعرف قيمتها الفنية أُفضّل أن يأخذها ببلاش على أن أبيعها لشخص يدفع، ولكنه لا يعرف جودة العمل الذي اشتراه».
ولفت التميمي إلى أن قيمة اللوحة تعتمد على الكثير من الأهميات، أولاها اسم الفنان، ثم سيرته وتاريخه وعمره، وهل هو متوفٍ أو معاصر، وتاريخ رسم اللوحة.
وليد سراب: اللوحة بالنسبة إليّ... كالشعر المرئي
اعتبر الفنان الدكتور وليد سراب أن الفن التشكيلي لايزال بخير ويحظى بشغف الجمهور، كما هي الحال في العقود السابقة، والدليل زخم الدورات والمعارض التي تُقام على مدار العام وعادة ما تكتظ بالعشرات من الزوّار، حيث إن الجمهور في الوقت الحالي أصبح أكثر وعياً عن ذي قبل.
وعن الطريقة التي يُفضّل من خلالها محاورة لوحاته الفنية، وعمّا إذا كان يلجأ إلى التعبير بالرسم عندما يعجز الكلام، ردّ سراب: «اللوحة بالنسبة إليّ بمثابة الشعر المرئي، وكما للشعر عناصره اللغوية، من كلمة وجملة وقواعد وقافية ووزن، كذلك للوحة عناصر فنية أساسية، فيأتي الفنان ليضع لمساته الإبداعية عليها».
ولفت إلى أن القيمة المادية للوحة تعتمد على أكثر من شيء، أولها اسم الفنان، والوقت الذي أمضاه في العمل الفني، وكلفة الأدوات التي استخدمها في الرسم، موضحاً أن جميع لوحاته ليست لها عناوين أو أسماء، لكي تُتاح الفرصة للرائي أن يستكمل ملامح اللوحة في مخيلته.
ثريا البقصمي: أشعر بالأسف على بيع لوحاتي
قالت الفنانة ثريا البقصمي إن شغف الجمهور بالفن التشكيلي لا ينتهي، طالما أن هناك من يعشق الفن والجمال، ويحرص دوماً على تتبع المعارض الفنية وزيارتها باستمرار، لمشاهدة الأعمال على أرض الواقع، لا من خلال الصور التي تُنشر في مواقع «السوشيال ميديا».
وذكرت أنه في كل لوحة من لوحاتها هناك قصة، وحوار يبدأ منذ تأسيس العمل حتى تنفيذه ويستمر إلى أن يبصر النور، مضيفة «وليس بالضرورة أن تُعبّر اللوحة عمّا في أعماق الفنان، إذ إن التعبير لوحده لا يكفي لإيصال الفكرة إلى المتلقي، ما لم يكن الإلمام بالمواد والخامات حاضراً، إلى جانب كيفية تكوين ومراعاة أبجديات العمل الفني، وكذلك براعة الرسام وموهبته».
ومضت تقول: «بالإضافة إلى كوني فنانة تشكيلية، فأنا روائية وشاعرة وصحافية سابقة، والشيء الذي أعجز عنه في الكلام، أكتبه على الورق، أو أرسمه بالريشة والألوان». كما اعتبرت أن السوق الفني صعب جداً، و«لا أنصح الفنان بالاعتماد عليه كمصدر دخل، لاسيما أن محبي اقتناء اللوحات الفنية أصبح عددهم قليلاً مقارنة بالسابق، وشخصياً شعرت بالأسف على بيع بعض أعمالي التي صرت أشعر بالحنين إليها، ولو عاد بي الزمن لرفضت بيعها».
ولفتت إلى أن أغلى مشروع فني قامت ببيعه كان عبارة عن 9 لوحات، وهو بعنوان «أحلام نخلة»، أما اللوحة التي تعتزّ بها كثيراً فهي بعنوان «لا للاحتلال» حيث نفذتها في السابع من أغسطس العام 1990، أي خامس يوم في الغزو العراقي الغاشم للكويت.
جمانة دشتي: ما يعجز عنه اللسان... يُقال في الرسم
قالت الفنانة جمانة دشتي إن الإقبال على الفن التشكيلي لايزال كبيراً، بل أصبح أكثر من ذي قبل، «لأنه ليس مجرد لوحة نرسمها والسلام، وإنما هو جزء من حياتنا. فالعلاقة بيني وبين لوحتي علاقة عشق، وعندما أتهيأ للرسم، لابد وأن أجلس لفترة أمام اللوحة حين تكون فارغة، لكي أتأملها وأحاورها بقلبي، قبل أن أمسك بالريشة والألوان وأبدأ بالرسم».
وذكرت أن التعبير بالرسم أقوى من البوح بالكلام، لأن اللسان قد يعجز عن التعبير والوصف ويلتزم الصمت في كثير من الأحيان.
ولم تُخفِ دشتي أن الرسم يمثل بالنسبة إليها مصدر دخل ممتاز، خصوصاً وأن الفنان حين يمارس هوايته التي يتخذ منها وظيفة له، فسوف يبدع أكثر ويعطي من قلبه من أجل اتقان عمله. ولفتت إلى أن قيمة اللوحة لا تعتمد على جمالها أو على اسم الفنان الذي يرسمها، بل إن القيمة الحقيقية تكمن في المشاعر والأحاسيس التي تضوع منها، «والدليل أن البعض من الناس ينجذبون إلى لوحات بسيطة، ولكن هذا الانجذاب لم يأتِ من فراغ، فهناك جاذبية خفيّة لا يشعر بها سوى الرائي، معتبرة أن لكل لوحة من لوحاتها قصة مُعبّرة، وتحظى بمكانة مهمة في وجدانها.
ابتسام العصفور: الفن التشكيلي مقياس لتحضّر الأمم
بدأت الفنانة ابتسام العصفور كلامها قائلة: «باعتقادي أن الفن سابقاً كان يحظى بشغف الجمهور أكثر من الوقت الحالي، حتى المعارض آنذاك تحظى بحشود غفيرة نتيجة لإدراك المسؤولين ورجال الدولة في تلك المرحلة بأهمية دعم وتقدير الفنان، فالفن التشكيلي مقياس لتحضّر الأمم، والذاكرة المرئية التي خلّدت الحضارات منذ القدم بالفن التشكيلي».
واعتبرت العصفور أن لوحاتها هي بنات أفكارها، «فكل لوحة لها قصة، ومشاعر، وواكبت مراحل إنجازها، وارتبطت بها. فأنا أحرص على مواكبة المناسبات الاجتماعية والوطنية بأعمال تُعبّر عنها، فتجدون للوحة دلالات خاصة بالفرح كالأعياد الدينية والوطنية».