No Script

فلسفة قلم

وقفة مع «نقاشية» الإعلام الموحد

تصغير
تكبير

يبدو لي أن حكومتنا الرشيدة الجديدة برغبة صادقة تنوي التركيز على التوسّع التنموي بمجالات عدة لتقليص الفجوة التي توسّعت بيننا وبين أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن لم أكن أتوقع أن هذا التوسّع سيشمل قوانين «سعة الإعلام» لتُقرّر فجأة توسيع نطاق الوصاية والتحكم والمحظور والممنوع من النشر، وتوسّع مدى أحكام الحبس والغرامة بحق الإعلاميين ووسائل الإعلام!

ولذلك، من خلال تجربة عملية ومعاناة، وسجل قضايا «جنح صحافة»، ومعرفة لأروقة نيابة الإعلام، أطلب من الحكومة (شوية) سعة صدر تضاف لسياسات التوسّع التنموية، لأن ما جاء في مسودة قانون الإعلام الموحد واسع جداً لدرجة أنه ضاق على حرية الكلمة والقلم.

والحق يقال بعد ردة الفعل الإعلامية والنيابية تفاعلت وزارة الإعلام وردت بالإعلان عن موعد جلسة نقاشية حول مشروع القانون الجديد، وبالتالي قد تكون هذه فرصة (الأحلام أو الإعلام) سَمّها ما شئت لاقتناص قانون توافقي، ولذلك بنظرة إيجابية سنتجاوز اليوم الحديث عن مسودة مشروع قانون الإعلام الموحد «اللي تزيد الطين بله»، ونتشبث بالنقاش المعلن من وزير الإعلام عبدالرحمن المطيري، ومواقف النواب الظاهرية، ولن نفتش بالنوايا، فقد حان وقت تصحيح المسار الإعلامي في الكويت وتحديد مكمن الخلل الحقيقي بالمشاركة الفاعلة وبجدية، لا بالتصريحات السريعة وتسجيل المواقف «ديليفري».

أزمتنا الإعلامية ليست بحرية النقد والنشر حتى نضاعف القيود، بل بفوضى طبيعية رافقت ظهور الإعلام الحديث، وقد عانت منها كل الدول ولسنا الوحيدين، ولكن مشكلتنا أننا واجهنا هذه الفوضى الإعلامية بفوضى قوانين متعددة قيّدت حرية المؤسسات الإعلامية الكبيرة الملتزمة بالقوانين، وتركت الساحة الإعلامية للمعتدين على المهنة والحسابات الإخبارية غير المرخصة والمجهولة وتم تجاهل خطورتها، لنستفيق على واقع بائس تحوّلت فيه الرسالة والمبادئ الأساسية للإعلام إلى غاية واحدة فقط، وهي توجيه الرأي العام بكل الوسائل المتاحة، حتى لو كانت بلا مهنية ولا مصداقية ولا موضوعية، «بشيمة وإلا بجيمة» وغالباً تكون بالقيمة والمال السياسي ومن دون شيمة.

هذه هي الحقيقة وهذا هو الواقع المرير الذي شهدناه ويعيشه إعلامنا اليوم، والذي يؤكد أن مسودة مشروع قانون الإعلام الموحد لن تغيّر من الواقع شيئاً، وإنما ردة فعل في غير محلها.

هذه الفوضى التي صارت اليوم ممنهجة ومدفوعة الثمن بحاجة إلى تنظيم ومراقبة لما يحدث في الإعلام الحديث والخدمات الإخبارية المرخصة، وملاحقة غير المرخص منها، لأنّها ثاني الأسباب الرئيسية لأزمتنا الإعلامية الثقيلة، باعتبار أنّ السبب الرئيسي الأول قطعاً هو تعدّد القوانين العشوائية االمقيدة لحرية الرأي وأداء الرسالة الإعلامية الصحيحة والمنفتحة، وبالتالي نحن اليوم أمام فرصة لإقرار مشروع قانون واحد واضح ودقيق يَجُبّ ما قبله، ينظم ويراقب ويصون كرامات الناس ووحدتنا الوطنية وأمننا القومي، وفي الوقت نفسه يضمن حرية التعبير ويحمي المؤسسات الإعلامية، وينأى بالكاتب والصحافي والمذيع عن الملاحقات القضائية والترصد والانتقائية.

المسؤولية كبيرة على وسائل الإعلام كافة والإعلاميين ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام، فلا مجال للتهاون، ولا عذر لممثلي الشعب أعضاء مجلس الأمة إذا مر القانون أو لم يستغل بالشكل الصحيح، لأن الرقابة الشعبية الدقيقة حاضرة وتترقب مصير حرية الكلمة والتعبير.

هذا هو الاختبار الحقيقي للسلطتين التشريعية والتنفيذية، «واللي بالجدر يطلعه الملاس».

وللحديث بقية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي