د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب / الحقيقة

تصغير
تكبير
| بقلم د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب |

أن يبدأ يوم ابني البكر الجامعي بالنظر لصورة والدته في الصفحة الأولى للجريدة مذيلة بخبر رخيص منقول من الإنترنت، أن يقرأ والدي الخبر الذي يعلن ابنته مؤيدة للمواقع الاباحية وحاثة على الالحاد ومشجعة للتوجه المثلي، هذا الرجل ذو السمعة التي تبرق كما الألماس، أن يتواجه زوجي والصفحة الأولى لجريدة تعلن زوجته إنسانة خارجة وصاحبة آراء مبتذلة، وهو الذي أبقى يديه خلف ظهري يحميه عندما يدفعني الغير للسقوط وهو الذي بقي صدره أمامي يتلقى السهام ويحجب نيران الاذى ويظللني بظله الذي هو بحق ظل رجل وليس ظل «حيطة» كتلك الحوائط التي ما فتئت ترميني بالطوب والحجر، يرشقونني بسهام القبيح من الحديث لينالوا مني ما تصل إليه أيديهم، دون حتى أن يتحققوا من «الجريمة» ودون عناء معاينة «موقع الحادث» قبل اصدار الحكم الأخير الرخيص برخص الجهد المدفوع فيه، وكل ذلك وبكل أسف باسم الدفاع عن الدين وحمايته من المتآمرين عليه والذين هم... أنا، وحدي أنا.

أعلن أنا اليوم أنني ألتزم بكل كلمة ورأيي أطلقته في مقابلة LBC مع وفاء الكيلاني موضع القصف اليوم، ولمعرفة تلك الآراء، فكل ما يحتاجه المهتم هو التوجه لليوتيوب لمتابعة المقابلة ولا شيء أكثر من ذلك. أحد أهم ما ذكرته في تلك المقابلة اننا شعوب سمعية، نتناقل الخبر شفاهة، لا نملك الوقت لنحقق ونتحقق: نفتح كتاباً أو نحضر مقابلة؟ في هذا تضييع لوقت وجهد يمكن تسخيره للجلوس في المقاهي ولتصفح المنتديات وللعب الدامة، لذا واختصاراً للوقت، وبطريقة تذكرني بما يفعل الطلبة أحياناً حين يرومون الموجزات المشوهة المتوافرة على الانترنت للأعمال الأدبية الرائعة التي تدرس لهم في الجامعة، يتطلع العموم للمواقع التي تختصر الآراء، تقدم الزبدة دسمة وثقيلة ولذيذة الطعم وقاتلة التأثير، مواقع تكنس سمعة الناس ومستقبلهم وأمنهم الشخصي. ولهذا النقل الثقيل الدسم لذة تزداد حدتها كلما حُبكت القصة وترذلت تفاصيلها، كأس خاثر مسكر يتجرعه من يريد خدر الخبر ولذة التشفي، حتى تنتهي السكرة بالحمد والعرفان والدعوة بالموت والخذلان لأعداء الرحمن، الذي أعلنوه سبحانه في صفوفهم وأعلنوا أنفسهم جيشه الجرار الكرار.

أنا ابتهال الخطيب، جلست في حجر والدي وأنا في السابعة من عمري، على يمينه خريطة تشرح مسيرة الرسول وآل بيته، قصة عميقة ببعد السرد التاريخي والاجتماعي الذي زودني والدي به، على يساره كتب شكسبير بالعربية المبسطة للأطفال، أول كتب تشعل ولعي بالأدب فوقها اهداؤه الشعري الأول، ديوان بدر شاكر السياب، نعم، لطفلة في السابعة، وأمامه كتب الفلاسفة الذين قتلتهم آراؤهم، فكانت الصورة متكاملة لما يريدني أن أكون هذا الرجل العظيم، وكنت أنا، قارئة نهمة، قلبي متعطش لكل معلومة، ولكل سؤال عندي سؤال آخر يحيي البحث في نفسي ويبقيني حية قلباً وروحاً وعقلاً.

جرعني خبر يوم أمس على جريدة «الراي» ومانشيته الحارق أول قطرة سم على الاطلاق. لم يهمني في يوم التطحلب المخضر على صفحات الانترنت، فهذا مصدر مفتوح للأقلام الجيدة ولتلك التي يخلو حبرها فتكتب حتى بالدم، وهذا ثمن الحرية الموسعة على الانترنت، وهو ثمن أقبل به بل وأنا تحديداً من يجب أن تحترمه وتتقبله أياً كان بدعواتي المستمرة لحرية الرأي لأقصى حدودها، لكن أن ينتقل خبر مقطع ومشوه بل وفيه ما لم أنطق به على الاطلاق على وجه الصحيفة الوحيدة التي أعطيتها تصريحاً لأنها جريدة بلدي التي، حسب ما جاء على لسان المحرر، يسعون لتوضيح موقفي ومساعدتي على تخطي سوء الفهم واساءة التعبير التي تعبئ الانترنت، فذاك السم الحارق.

«الراي» عرضت نشر بياني هذا كاملاً في موقع نشر الخبر، وفتحت صدرها بسعي من الجريدة ذاتها لاستضافتي في ديوانيتها ثم على شاشتها التلفزيونية مع السيد عبدالله بوفتين في مقابلة مباشرة، للتوضيح والتفنيد. وأنا شاكرة لمساعيهم التصحيحية ومساندة من يعتقدونه يستحق المساندة. هم يتكبدون العناء للمساهمة في توضيح ما أساء البيان تبيانه، وأنا أتكبد العناء لا لأنفض عن قلبي سواد قلوب الآخرين، فذاك سواد مثل الديزل المعتق، لا يزول ولا سبيل لتخفيف روائحه، لن يقطع ما أقول وأفعل سبيل لذة تناقل قصة مفعمة بالتفاصيل، لكنني أتكبد العناء لأنني مؤمنة بأن الخلاص في الحرية، في تقبل الاختلاف وتحرير الصوت، في استيعاب أن نجاتنا ونجاحنا سيكونان عندما نتوقف عن محاولتنا أن نحوّر الآخرين نسخاً من أنفسنا، عندما نتقبل بل ونحب اختلافاتنا. أترك صغيرتي ذات الثمانية أعوام يوم الخميس المقبل تحتفل بعيد ميلادها في البيت وأتوجه أنا لإجراء المقابلة لأن خوفي على مستقبلها يفوق حزني على دموع أدري انها ستسكبها لمغادرتي حفلها الصغير الجميل.

ليس هذا بياناً معتاداً في مثل هذه المواقف، نعم، وليت مثل هذه المواقف لم تكن معتادة، مواقفي وآرائي أقف خلفها كاملة، كما أفصحت عنها في المقابلة لا كما تناقلتها بعض الصحف وصفحات الإنترنت. الآراء معروضة في المقابلة الكاملة على اليوتيوب، وسيكون لي عودة لها في ديوانية «الراي» ومقابلة السيد بوفتين، وسأتحاور وأتحدث لأن الحوار هو الهدف، ولا هدف بعده.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي