الاشتباكات تتوسع بعد أسبوع من التصعيد
العشائر العربية تنفي الهدنة و«قسد» تسعى لحسم مواجهات دير الزور
نفى شيخ العكيدات إبراهيم الهفل، إحدى العشائر العربية الكبرى في سورية، وجود هدنة بين العشائر و«قوات سورية الديموقراطية» (قسد)، التي دعت المدنيين، إلى مغادرة آخر بلدة يتمركز فيها مقاتلون محليون في دير الزور، بعد أسبوع من مواجهات بينها وبين مقاتلين محليين عرب في المنطقة.
وأفادت مصادر محلية، بأن القتال امتد إلى ريفي الرقة (شمال) والحسكة (شمال شرق) المجاورتين لمحافظة دير الزور.
وبث مقاتلو العشائر صوراً، قالوا إنها لسيطرتهم على قريتي الطركي وتل الطويل في ريف الحسكة، إضافة إلى قرية صكيرة في ريف الرقة. كما هاجموا نقطة في بلدة محيميدة - ريف دير الزور الغربي. وبثوا كذلك صوراً لهجوم قرب بلدة سلوك - ريف الرقة الشمالي.
كما اشتبكوا مع قوات النظام السوري وقطعوا الطريق الدولي «إم أربعة» M4 على محور صكيرو، جنوب تل أبيض - ريف الرقة.
وذكرت مصادر محلية أن مقاتلي العشائر سيطروا على حاجز لقوات النظام السوري و«قسد» في ريف تل تمر شمال الحسكة، بينما أفادوا بمقتل مدنيين وجرح آخرين إثر قصف شنته «قوات سورية الديموقراطية» قرب مدينة البصيرة - ريف دير الزور.
وطرد مقاتلو العشائر العربية في بادئ الأمر القوات التي يقودها الأكراد من بلدات كبيرة عدة، لكن «قسد» تؤكد أنها بدأت في استعادة السيطرة على الوضع.
في المقابل، قال الناطق باسم «قسد» فرهاد شامي لـ «فرانس برس»، إن «قوات سورية الديموقراطية» تسعى إلى «حسم» الوضع في ذيبان، آخر بلدة يتمركز فيها المقاتلون المحليون، بعد أن مشّطت نهاية الأسبوع الماضي معظم القرى التي شهدت اشتباكات.
وأضاف شامي، أمس، «وجّهنا نداء لخروج المدنيين» من ذبيان، مضيفاً أن هناك توجهاً نحو «الحسم وإنهاء التوتر».
وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن «في حال تمّت السيطرة على ذبيان، ينتهي الأمر»، مشيراً إلى «خروج عدد من المدنيين».
واندلعت بداية الأسبوع الماضي اشتباكات في بضع قرى في ريف محافظة دير الزور الشرقي بعد عزل «قسد»، قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها.
ودفع ذلك مقاتلين عرب محليين إلى شن هجمات سرعان ما تطورت إلى اشتباكات مع قوات سورية الديموقراطية التي أعلنت حظراً للتجول في المنطقة يومي السبت والأحد. وأسفرت المواجهات خلال أسبوع عن مقتل 71 شخصاً غالبيتهم من المقاتلين وبينهم تسعة مدنيين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأوردت مصادر محلية أن العشائر طلبت من الولايات المتحدة طرد «قسد» من دير الزور كون سكان المحافظة من العرب، وتشكيل تحالف مع العشائر مشابه لتحالفها مع تلك القوات.
ودعت واشنطن إلى الاستقرار، وأعلنت سفارتها في دمشق، أول من أمس، لقاء بين مسؤولين أميركيين و«قسد» ووجهاء عشائر في دير الزور، اتُّفق خلاله على ضرورة «خفض العنف في أقرب وقت»، مع التحذير من «مخاطر تدخّل جهات خارجية في المحافظة».
وتتولّى الإدارة الذاتية الكردية و«قسد» التي تشكّل جناحها العسكري، إدارة مناطق تسيطر عليها في شمال وشمال شرقي سورية، عبر مجالس محلية مدنية وعسكرية.
لو اتفقت العشائر العربية على «قسد» لما بقيت في المنطقة
«غموض» يلف خلفيات الصراع في دير الزور السورية؟
دارت الأسبوع الماضي اشتباكات بين قوات سورية الديموقراطية (قسد) التي يقودها مقاتلون أكراد والمدعومة أميركياً ومقاتلين محليين عرب في محافظة دير الزور في شرق سورية. فماذا يحصل في تلك المنطقة الحدودية مع العراق؟
القوى المتواجدة في دير الزور تقطن محافظة دير الزور الحدودية مع العراق والتي يقطعها نهر الفرات، غالبية عظمى عربية وتوجد فيها عشرات العشائر العربية. وتقع فيها أبرز حقول النفط السورية.
وتسيطر قوات «قسد» المؤلفة من تحالف فصائل كردية وعربية على رأسها وحدات حماية الشعب الكردية على الضفة الشرقية للفرات التي انتزعتها إثر معارك عنيفة مع تنظيم «داعش» انتهت في 2019 بإعلان القضاء على «الخلافة».
وتتواجد قوات التحالف الدولي، وأبرزها القوات الأميركية، في المنطقة، وخصوصاً في قاعدة في حقل العمر النفطي، وحقل كونيكو للغاز.
وتسيطر قوات النظام السوري على الضفة الغربية للفرات، التي تُعد أبرز مناطق نفوذ إيران والمجموعات الموالية لها من جنسيات متعددة، عراقية وأفغانية وباكستانية.
وتنشط في المحافظة خلايا «داعش» التي تنفّذ بين الحين والآخر هجمات تستهدف خصوصاً قوات النظام و«قسد».
- ماذا حصل في شرق الفرات؟
في 27 أغسطس، أوقفت «قسد» أحمد خبيل، المعروف بأبو خولة، قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها. وأعلنت لاحقاً عزله متهمة إياه بالتورط بـ«جرائم جنائية والاتجار بالمخدرات وسوء إدارة الوضع الأمني»، وبالتواصل مع النظام.
وأثار توقيفه غضب مقاتلين عرب محليين مقربين منه ما لبثوا أن نفذوا هجمات ضد «قسد» تطوّرت لاحقاً إلى اشتباكات في بضع قرى.
وأسفرت المواجهات خلال أسبوع عن مقتل 71 شخصاً غالبيتهم مقاتلون وبينهم تسعة مدنيين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وزادت حدة التصعيد بعد عبور عناصر موالين لقوات النظام الفرات باتجاه مناطق الاشتباك، وفق المرصد وقوات سورية الديموقراطية التي أعلنت حظراً للتجول في المنطقة بدأ في الثاني من سبتمبر واستمرّ 48 ساعة.
واتهمت «قسد» مقاتلين «مستفيدين» من القيادي الموقوف و«مسلحين مرتزقة (...) مرتبطين بالنظام» بمحاولة خلق «فتنة» بينها وبين العشائر العربية في المنطقة.
ويرى الباحث في الشأن السوري في مركز «سنتشوري انترناشونال» آرون لوند أن «هناك الكثير من الضجيج والمبالغة والبروباغندا حول ما يحصل».
ويضيف لوكالة فرانس برس «حتى الآن، لا أرى أي تغيير حقيقي، يبدو أن الكثير من التوتر يرتبط بقضايا محلية جداً وغامضة».
لكنه يحذّر من أنه «في حال توسّع القتال وتضرّر العلاقات العربية - الكردية في هذه المنطقة الحساسة، ليس هناك طرف لن تكون لديه مصلحة في تغذية الفوضى»، من أنقرة التي تصنّف المقاتلين الأكراد تنظيماً «إرهابياً»، إلى دمشق التي ترفض الإدارة الذاتية الكردية وتأخذ على الأكراد تحالفهم مع واشنطن، إلى «داعش».
ويضيف أن جميع هؤلاء «لديهم مصالح في تخريب النظام الحالي، ولكل أسبابه، ويبحثون عن طرف لجذب الدعم العربي المحلي».
ودعت واشنطن بدورها إلى الاستقرار. وأعلنت سفارتها في دمشق الأحد عن لقاء بين مسؤولين أميركيين و«قسد» ووجهاء عشائر في دير الزور، اتُّفق فيه على ضرورة «خفض العنف في أقرب وقت» وحذّر من «مخاطر تدخّل جهات خارجية في المحافظة».
- هل الصراع مع العشائر العربية؟
في شمال سورية، نفّذ مقاتلون موالون لأنقرة قالوا إنهم ينتمون الى عشائر عربية هجمات ضد مناطق سيطرة «قسد» دعماً للمقاتلين المحليين في دير الزور.
وتحدّث الإعلام الرسمي السوري عن قتال بين قوات سورية الديموقراطية ومقاتلين من «أبناء العشائر العربية». وأشارت صحيفة «الوطن» المقرّبة من الحكومة الى «قوات العشائر العربية».
لكن مدير شبكة «دير الزور 24» المحلية عمر أبو ليلى قال لـ «فرانس برس»، «ليس هناك ما يسمى فعلياً بقوات عشائر عربية»، مشيراً إلى أن كل الأطراف المتحاربة «طالما حاولت استمالة وجهاء العشائر في المنطقة لقدرتها على قلب الموازين».
وأضاف «لكن اليوم هناك وجهاء عشائر يفضلون قوات سورية الديموقراطية والعمل معها، وآخرون يعملون حتى بالخفاء مع قوات النظام وعلى تنسيق مستمر معها».
ورأى «أنّ ما يحصل اليوم هو تحريض من أطراف عدة داخلية وخارجية على الفلتان في منطقة جغرافية تتواجد فيها كل الأطراف المتنازعة»، مشيراً إلى أن المواجهات بدأها مسؤولون كانوا مقربين من أبو خولة و«خصوصاً المستفيدين من معابر التهريب».
وأكّدت «قسد» من جهتها، عدم وجود أي خلاف مع العشائر العربية. ودعت السكان الى «ألا ينجروا وراء هكذا فتن»، مؤكدة أنها على «تواصل دائم» مع العشائر.
وتتولّى الإدارة الذاتية الكردية و«قسد» التي تشكل جناحها العسكري، إدارة مناطقها عبر مجالس محلية مدنية وعسكرية.
وشكّلت «قسد» بدعم أميركي رأس حربة في قتال «داعش» الذي أعلنت القضاء على خلافته في العام 2019، وقد انضم إليها مقاتلون عرب كثر ينتمون إلى عشائر مختلفة، وخصوصاً في دير الزور.
وتعلن قوات سورية الديموقراطية مراراً عن اجتماعات دورية بين قيادييها وممثلين عن العشائر التي طالما قامت بوساطات أفضت إلى إطلاق سراح سجناء او السماح لعائلات بمغادرة مخيم الهول في محافظة الحسكة الذي يقطن فيه بشكل رئيسي أفراد من عائلات مقاتلي «داعش» للعودة إلى مناطقهم ذات الغالبية العربية.
وقال عمر أبو ليلى «حتى البيانات الصادرة عن البعض للانضمام لما وصفوه بحراك عشائري، لم تلق صدى من العشائر على مستوى المحافظة».
وأضاف «لو كانت العشائر فعلاً كلها اتفقت على قوات سورية الديموقراطية، لما بقيت هذه الأخيرة في دير الزور».