مشاهدات

إعمار الموانئ (5 من 5)... الحلقة الأخيرة

تصغير
تكبير

واجه أهل الكويت تلك المحنة المؤلمة (الغزو) بإرادة صلبة لا تنكسر وعزيمة لا تلين.

وقد قيل «إن المحن تصقل الهمم وإن الشدائد تولد المعجزات».

وكان الكويتيون أشداء على الأعداء رحماء بينهم، يجابهون التحديات دون خوف، حيث أظهر موظفو تلك المؤسسات عزيمة لا تلين فواجهوا دمار مؤسسات الدولة ومرافقها التي تسبب بها العدوان، بإعادة الإعمار لتلك المرافق الحيوية المتعددة ومن أهمها المنافذ البحرية وكان لمنتسبي مؤسسة الموانئ الكويتية الدور الكبير في إعادة هذه المرافق الى العمل من جديد.

فترة الغزو، تم تكليف ادارة مؤسسة الموانئ الكويتية بالإنابة الى الكابتن / عبدالرحمن النيباري في الخارج وقبل التحرير بأيام تم تشكيل لجان لإعادة الإعمار لمؤسسات الدولة ومن ضمنها مؤسسة الموانئ الكويتية، أسند الى الكابتن / عبدالرحمن النيباري رئاسة فريق إعادة أعمار ميناء الشعيبة، واسند الى الكابتن / إبراهيم عيسى رئاسة فريق إعادة أعمار ميناءي الشويخ والدوحة، بالاضافة الى مدير إدارة العمليات البحرية آنذاك المرحوم / خالد الحشاش الذي باشر بإدارة عملية تنظيف الميناء مع زملائه العاملين.

وصدر لاحقاً مرسوم تعيين الكابتن / عبدالرحمن النيباري مديراً عاماً لمؤسسة الموانئ الكويتية بالأصالة.

- تم التعاقد مع متعهد من البحرين بتأجير الرافعة البحرية العائمة (العملاق) بحمولة 2000 طن للقيام بعملية انتشال القطع البحرية الغارقة في الميناء.

- تم تجهيز الرافعة البحرية العائمة (شريب) التابعة للموانئ وحمولتها 100 طن لرفع القطع البحرية الصغيرة وتجهيزها بطاقم كويتي (الربان عبدالله الفودري، خضير مقذل، والفنيون عبدالمعطي عبدالخالق، ناصر الشمالي، محمد الشطي، علي بوطيبان، والبحارة ماطر الظفيري، محمود قرقره والغواص خالد الملا).

(ميناء الشويخ)

تم العمل على قدم وساق بأيدٍ كويتية صرفة وذلك لعدم وجود عمالة وافدة في ذلك الوقت، والدمار والتخريب كان كبيراً مقارنة مع ميناءي الشعيبة والدوحة.

تم العمل على قسمين:

1/ القسم البحري:

تنظيف الحوض المائي والمراسي والقناة البحرية وكل الأحواض الأخرى (الشمالي - الشرقي - الغربي) من القطع البحرية الغارقة.

القسم البري:

ازالة مخلفات الدمار من المكاتب والمخازن والورش الفنية وتنظيف الأرصفة وإعادة إعمار المباني وبرج المراقبة والاتصالات.

وتم نقل الأسلحة والذخائر والمتفجرات والمعدات العسكرية من قِبل القوات المسلحة.

(التعاون) شعار المرحلة:

- التعاون التام بين الجميع بمختلف الوظائف بدءاً من الإشرافية العليا نزولاً إلى الحرفية، وقد شارك الجميع بعملية تنظيف الموانئ وهذا هو ديدن الكويتيين تجمعهم محبة الوطن والتعاون والتآخي والتراحم في ما بينهم.

- تم رفع الرافعات الجسرية الغارقة بجانب المراسي رقم 12-13.

- سفينة مصنع الاسمنت (هلال) أطلق الغزاة عليها قذيفة بالجانب الأيسر ما تسبب بفتحة في جانبها نفذت إليها مياه البحر بقصد أغراقها في الحوض المائي في الميناء لإعاقة حركة السفن، فقام الغواص الكويتي خالد الملا باغلاق هذه الفتحة باستخدام اللحيم تحت الماء، ثم القيام بفتح الجزء العلوي من سطح السفينة فوق خط المياه واستخدمت مضخات سحب المياه من داخل عنابر السفينة على مراحل عدة حتى تم تعويم السفينة بغاطس يسمح لها بالعبور من خلال القناة البحرية ونقلت الى ميناء الشعيبة.

- تم تنظيف الحوض المائي فى ميناء الشويخ من جميع القطع البحرية الغارقة.

- وكذلك تم تنظيف الحوض الشرقي من القطع الغارقة وفك الألغام المزروعة بزوايا الزوارق.

- تنظيف الحوض الغربي والحوض الشمالي.

- إبعاد سفينة كانت تعوق حركة السفن في الممر البحري قبل مدخل القناة البحرية وتم ذلك باستخدام الرافعة البحرية (شريب) وتم فك سلسلة الانكر (الباورة) ومن ثم سحب السفينة ونقلها الى منطقة الانتظار بعيداً عن ممر السفن.

- استيراد رافعتين ضخمتين متحركتين لتداول الحاويات وللأسف كانتا بطيئتا الحركة وغير مجديتين.

- جميع المكاتب الادارية بما في ذلك مكتب مدير عام المؤسسة تم ترحيلها الى مستودع البضائع رقم 6 لمباشرة أعمالها وذلك بسبب الدمار الذي طال مبنى المكاتب الإدارية.

- من متطلبات استئناف استقبال السفن أنه يجب توفير القطع البحرية وزوارق الارشاد والرباط، وبسبب سرقة وإغراق وتدمير الاسطول البحري المملوك للموانئ من قِبل الغزاة اضطرت الإدارة الى التعاقد مع القطاع الخاص لتوفير القطع البحرية، وقد وصلت القطع البحرية الكبيرة (شارك 8) و(شارك 6) مع زوارق الارشاد والرباط بطاقمها البحري الاجنبي؟

وهنا تجلى موقف رجال مؤسسة الموانئ الكويتية حيث أصدرت الإدارة العامة قرارها بأن الطاقم يجب أن يستبدل بالكويتيين فتم تغيير الطاقم وتسلم موظفو إدارة العمليات البحرية عملية تشغيل هذه القطع البحرية بكفاءة عالية.

وبعد إجراء اختبارات الكفاءة والسرعة والمناورة وقوة الشد للقطع البحرية تم اعتمادها للعمل.

(وهذا هو الدرس الثاني للمسؤولين في الدولة بإلزام القطاع الخاص بإحلال العنصر الوطني بدلاً من الأجنبي).

- تمت إعادة وضع عوامات الدلائل الملاحية في القناة البحرية مع تصحيح ألوان العوامات والإضاءة (الحمراء على اليسار والخضراء على اليمين) باستخدام السفينة (مواصلات) بقيادة الربابنة (محمد الفهد، وليد البصيري، نبيل الصقر وطارق بو جروة).

- قبل استئناف استقبال السفن في الميناء اجتمع مدير ادارة العمليات البحرية المرحوم/ خالد الحشاش والربان / إبراهيم عيسى رئيس فريق الإعمار مع ربان (شارك 6) سعيد عبدالسلام ومعي (كاتب هذا المقال) ربان (شارك 8)، وطلب منا إن كنا موافقين بأن نقوم بعملية تمشيط القناة البحرية والتي يبلغ طولها 8.5 كيلو متر وعرضها 150 متراً باستخدام حبل (واير) يبلغ طوله 150 متراً، بحيث نربط طرفي الحبل بالقاطرتين البحريتين (شارك 8 وشارك 6) ونبدأ بالسير خلال القناة البحرية للتأكد من خلوها من أي عوائق، ووافقنا على القيام بهذه المهمة، واتجهنا الى الطاقم البحري في القاطرتين البحريتين وابلغناهم باننا سنقوم بتلك المهمة الخطرة وأي فرد من الطاقم غير ملزم بذلك وهو في حل من مرافقتنا، إلا أنهم جميعاً رفضوا ذلك وأصروا على مشاركتهم لنا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وفائهم وإخلاصهم لوطنهم ومن أولئك (عبدالرحيم الخباز، خليل بوجابر، ملفي العازمي، غضبان العازمي، خليفة السناسيري، سالم لزام، حمد سعيد، عبدالله الأصفر، تويس التويس، راشد بوصخر، خالد المتروك وخالد قنبر) مع الاعتذار لمن لم يحضرني اسمه، ولله الحمد تمت المهمة على خير، وبذلك كانت الموانئ جاهزة لاستقبال السفن من جديد.

- الاضاءة لم تكن مكتملة بسبب تدمير محطة الكهرباء بالميناء ولذلك كانت حركة استقبال ومغادرة السفن تتم في الصباح وحتى غروب الشمس ويتوقف العمل ليلاً، وفي بعض الأحيان وبسبب الأدخنة السوداء المتصاعدة نتيجة لحرق آبار النفط ما كان يؤدي الى انعدام الرؤية، فكان أن يضطر ناظر الميناء الى أن يركن سيارته في زاوية الرصيف ويضيء أنوارها ليتمكن المرشد البحري من رؤيته وإرساء السفينة بسلام بجانب الرصيف.

- قامت ادارة العمليات البحرية بالتنبيه على وكلاء السفن بأن تكون السفن الحاملة للحاويات والمقبلة الى ميناء الشويخ مزودة برافعات ذاتية وذلك بهدف التداول الآمن للحاويات نتيجة لتدمير الغزاة الرافعات الجسرية في الميناء.

تم تشغيل الميناء في 1991/8/14

(ميناء الدوحة)

- تم انتشال اللنجات الخشبية الغارقة ودوبة (جنائب) في حوض الميناء، وكذلك انتشال مخلفات الأخشاب نتيجة لتدمير بعض السفن الخشبية، وكذلك بسبب تدمير بعض الأرصفة في حوض الميناء.

- ومن المهمات الصعبة التي واجهها فريق العمل أنه كانت هناك سفينة خشبية أغرقها الغزاة في حوض الميناء وحمولتها كانت حبوب (عدس) وتنبعث منها رائحة كريهة نتيجة لغرقها وانحصارها في عنبر السفينة ومع ذلك فقد قام طاقم الرافعة البحرية (شريب) من انتشالها واعادة تعويمها بالرغم من هذه الرائحة المنبعثة.

تم تشغيل الميناء في أوائل شهر 6/1991

(ميناء الشعيبة)

تم اصلاح الدمار في المباني والمستودعات وبرج المراقبة والاتصالات.

وكذلك تم انتشال قطعة بحرية غارقة بجانب رصيف الحاويات بالاضافة إلى تجهيز مراكز لإيواء فرق العاملين بالميناء.

تم تشغيل الميناء في 1991/3/12

وهنا تجب الإشادة بالكوادر الوطنية التي كان لها الدور الكبير في إعادة تشغيل هذا المرفق المهم والحيوي لدولة الكويت، ومهما أشدنا واثنينا بهؤلاء النخبة فلن نوفهم حقهم وفعلهم، هذا هو فعل يشبه المعجزات ولو قدر الاستعانة بعمالة أجنبية لما قاموا بمثل ما قام به أبناء الكويت البررة، فبكل فخرٍ واعتزاز نهدي لهؤلاء الرجال المميزين التحية والشكر والامتنان، رحم الله زملاءنا الراحلين وحفظ الله الأحياء منهم وأمد الله بأعمارهم، وما استعرضناه هو ومضة مشرقة في تاريخ الكويت وستبقى درساً وطنياً وعبرةً للأجيال القادمة.

اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمدلله رب العالمين.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي