هذا هو الشطر الأول وتمامه.. كما قرَّ عيناً بالإياب المسافرُ.. وارتفع بالشهرة حتى صار مثلاً لكل مَنْ أضناه الترحال واستراح بعد عناء، وردّد ما قال الشاعر راشد بن عبدالله السُلمي.. في قصيدة يقول في ظاهرها:
صحا القلبُ عن سلمى وأقصر شأوة ورُدّت عليه ما نفته تُماضر.
وتماضر اسم مشتق من اللبن إذا ابْيَضّ واحْمَض ولما دنت من جانب الفرض أخصبت وحلّت، ولاقاها سُليم وعامر
وخبّرها الركبان أن ليس بيننا وبين قُرى بُصرى ونجران كافر
فألقت عصاها واستقّر بها النّوى كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ.
ذكر ابن خلّكان: نقلاً عن المنصور بن القائم يوم خروجه عن المنصور عندما هَزم أبايزيد.. وقال سايرتُهُ وبيده رُمْحان فسقط أحدهما مراراً فمسحته وناولته فقلتُ:
فألقت عصاها واستقر بها النّوى
كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ
قال المنصور ألا قُلت ما هو خير منه:
«وأوحينا إلى موسى أن ألقِ عصاك فإذا هي تلقفُ ما يأفكون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون» وفي كتاب تزيين الأسواق حكاية عن يزيد بن عبدالملك أنه قال عندما اجتمع معه حبّابة وسلّامة في مجلس الخمر قال أنا الآن كما قيل:
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى
كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ
وفي كتاب الكشكول حكاية أُخرى وهي أن البهلول كان جالساً، والصبيان يؤذونه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلّا بالله ويكرّرها، فلما طال أذاهم له حمل عصاه وكرّ عليهم وهو يقول:
أكُرّ على الكتيبة لا أُبالي
أفيها كان حتفي أم سواها
فتساقط الصبيان بعضهم على بعض فقال: هُزم القوم وولّوا الدّبر، أمرنا أمير المؤمنين ألا نتبع مولياً ولا ندفف على جريح، ثم جلس وطرح عصاه وقال:
وألقت عصاها واستقرّ بها النّوى
كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ
وذكر ابن نباته المصري في شرح رسالة ابن زيدون حكاية خلاصتها
أن عبدالملك بن مروان وافق على تعيين قُتيبة بن مسلم على خراسان فدخلها وصعد المنبر فسقطت العصا فتطيّر الناس من ذلك فأخذها وقال ليس كما ساء الصديق وسُرّ العدو ولكن كما قال الشاعر:
وألقت عصاها واستقرّ بها النّوى
كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ