واشنطن تدفع لحرب طويلة تتحوّل خلالها روسيا أرضاً خصبة لـ«الثورات الملونة»!

التصميم الأميركي لكسر موسكو يرفع سقف المواجهة... فهل تُغيّر مقاتلات «إف - 16» المعادلة؟

مقاتلات «إف - 16»
مقاتلات «إف - 16»
تصغير
تكبير

تتحضّر الولايات المتحدة ومع حلفائها الغربيين، لاتخاذ خطوة جبارة في مسار المواجهة مع روسيا بعد قرارها السماح للدول التي تمتلك مقاتلات «إف - 16» بتسليمها إلى أوكرانيا.

ويعتبر هذا التطور غير مفاجئ، على الرغم من إعلان الرئيس جو بايدن في مارس من العام الماضي، ان تسليم الطائرات المقاتلة الأميركية هو بمثابة «حرب عالمية ثالثة».

فالغرب يتحضر لرفع سقف المواجهة مع موسكو خصوصاً بعدما فشلت عملية الهجوم المضاد في أوكرانيا بتحقيق أهدافها. لكن، كيف سيكون المشهد المستقبلي بعد تكثيف كييف من هجماتها على موسكو ومقاطعات روسية أخرى؟ وكيف سيؤثر تسليم أسلحة فتاكة جديدة على مسار المعركة الغربية - الروسية في أوكرانيا؟

ديبلوماسي رفيع يعمل ضمن قيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مركزه الرئيسي في بروكسيل، أكد لـ«الراي»، أن «عدداً من أعضاء الحلف في 12 دولة (من أصل 31) بدأوا منذ مدة ليست بقصيرة تدريب طواقم الطيارين الأوكرانيين على قيادة المقاتلات الأميركية والفرنسية والبريطانية، التزاماً بقرار مشترك من قادة الدول أعضاء الحلف بغية رفع جهوزية كييف لمواجهة موسكو، ولتحديث الأسطول الجوي الغربي لبعض الدول الأخرى، التي سترسل مقاتلاتها إلى أوكرانيا.

وما موافقة أميركا العلنية على خطوة الدنمارك وهولندا، بتسليم كييف الدفعة الأولى من«إف - 16»الأميركية الصنع، إلا محاولة لجس نبض رد الفعل الروسي قبل ان تندفع الدول الأخرى في اتجاه تسليم طائرات متفق عليها مسبقاً والتي من المتوقع أن تبلغ نحو 100 مقاتلة أو أكثر.

في بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، أجلت جميع البعثات الديبلوماسية مواطنيها عن كييف لاعتقادها ان روسيا ستستخدم«القصف السجادي»وتدمر العاصمة وجميع المدن التي ترغب في إخضاعها قبل الدخول البري إليها، كما هي عقيدة الجيش الروسي القتالية.

إلا ان الدول فوجئت باستخدام الرئيس فلاديمير بوتين القفازات إيذاناً بجلوس الطرفين على طاولة المفاوضات في أبريل من العام الماضي، لإنهاء معضلة عدم انضمام كييف إلى«الناتو»، خصوصاً ان أوكرانيا لم تصنف دولة معادية.

إلا ان حسابات أميركا وخططها كانت مختلفة لانها تحضرت للحرب منذ عام 2008 عندما أعلن الرئيس جورج بوش«ضرورة إنضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو لانهما تشاركان في جميع المهام العسكرية وتنتشر قواتهما مع الحلف دون ان تكونا جزءاً منه».

وسار بايدن كذلك على خطى بوش عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما عبر تجهيز الأرضية لمن سيتولى الرئاسة لاحقاً (من دون ان يعلم انه سيصل هو إلى الرئاسة) لإكمال مسار الإدارة الأميركية في توسيع«الناتو»وتحدي روسيا على حدودها.

وأصبح من الواضح، ان واشنطن تحضرت استعداداً ليوم المواجهة بـ«الواسطة»مع موسكو، منذ عهد الرئيس بيل كلينتون الذي أمر بتوسيع«الناتو»مخالفاً جميع التعهدات الأميركية التي كانت قد أعطيت لموسكو بابقاء عدد الحلف على 12 دولة فقط.

انطلاقاً من أداء الجيش الروسي المفاجئ في أرض المعركة، قررت أميركا جمع رؤساء أركان أكثر من 50 دولة في القاعدة الجوية الأميركية في رامستاين - المانيا، لدرس الخطط واستفزاز القيادة الروسية وتقديم كل الإمكانات العسكرية والاستخباراتية واللوجستية تدريجاً إلى كييف، ما دام هؤلاء اطمأنوا إلى ان حجم ونوعية وكمية الأسلحة الغربية المتدفقة لن تخرج الكرملين عن طوره ولن تدفعه لاستخدام التدمير العشوائي أو السلاح النووي.

هذا الواقع سمح للقيادة العسكرية الغربية المشتركة، بتطوير إمكانات أوكرانيا ودعمها بشتى الأسلحة من صواريخ دقيقة وانشطارية ومصانع مسيرات إلى دبابات مختلفة، خصوصاً بعد التأكد ن روسيا تتقبل هذا الدعم الغربي من دون ان ترد بعنف مفرط.

وتالياً اعتمدت أميركا سياسة الدعم العسكري غير المباشر بدفعها دول أوروبية إلى اتخاذ الخطوات الأولى والاندفاع إلى توفير الدعم العسكري لأوكرانيا لضمان تفوقها ولتوزيع المسؤولية على الجميع مما يجعل المواجهة الروسية المباشرة مع جميع هذه الدول غير ممكن.

وبدأت أوكرانيا عمليات خاصة وضربت جسر القرم وإغتالت أشخاصاً عدة داخل روسيا، كان آخرها إرسال مسيرات إلى العمق ومن ضمنها العاصمة موسكو التي أغلقت مجالها الجوي مراراً حتى للطائرات المدنية للتصدي الإلكتروني للمسيرات الأوكرانية ولتفادي نتائج غير منظورة.

حتى الآن، من الطبيعي اعتبار ان جميع هذه الضربات غير إستراتيجية ولن تغير في مسار المعركة ولن تفرض أي معادلة للردع على روسيا خصوصاً ان رد فعل الكرملين يأتي عنيفاً عبر غزارة صواريخه الدقيقة والخراب الذي تسببه لأوكرانيا.

إلا ان رسالة أوكرانيا للشعب الروسي تهدف للقول إنكم تعيشون حالة حرب مثلنا وإننا نستطيع نقل المعركة إلى الداخل.

أما موسكو، فهي تستقبل الرسائل الغربية - الأوكرانية بجدية، وتستخلص العبر اللازمة ومنها وجوب تحديث قدراتها الإلكترونية للتصدي للمسيرات وكذلك قدراتها الدفاعية والهجومية وتطوير أسلحتها لسد الثغر التي واجهتها خلال الصراع العسكري مع الحلف الأطلسي وغرفة عملياته المشتركة التي تدير المعركة.

ولم تتردد أميركا بخرق«الخطوط الحمر»مرات عدة تدريجياً وآخرها السماح بتصدير مقاتلاتها إلى أوكرانيا، لانها تمتلك حق الـ«END USER»أي المستخدم الأخير لتهدف لقتل المزيد من الروس في ساحة الوغى.

ومن الواضح ان أوكرانيا لن تتسلم الطائرات في منتصف السنة المقبلة، كما هو معلن بعد إنهاء التدريب، بل بمدة أقرب من ذلك لأنه يبدو ان التدريب جار على قدم وساق، وان بايدن لن ينتظر نهاية ولايته ليشاهد المعركة ونتائج مقاتلاته في مواجهة للمرة الأولى مع مقاتلات«سوخوي SU-35»الروسية.

بل أكثر من ذلك، فإن بريطانيا أكدت نيتها في تدريب الأوكرانيين على مقاتلات«تايفون»، وفرنسا كذلك منذ بداية السنة الحالية، ومن المتوقع أن تتبعها السويد على طائراتها SAAB JAS GRIPEN وهي من الجيل الرابع، وذلك بحسب تطور المعركة ونتائج التصادم الجوي مع المقاتلات الروسية.

هذا الأمر سيمكن كييف، إذا ما تسلمت نحو 100 طائرة غربية، من إحداث فرق في دعم العمليات الهجومية الأرضية وقصف مواقع روسية متقدمة ومتراجعة في الوقت عينه. وسيعطي فرصة للدول التي تستخلص العبر لتحديث أسطولها الجوي من الطائرات الأفضل أداء.

إلا ان روسيا تمتلك 950 مقاتلة من أنواع مختلفة. ولكن ذلك لا يمنع ان الاشتباك الجوي سيلهي الشعوب وسيعطي مساحة كبيرة للانشغال عن الحقيقة التي لن تتغير كثيراً وهي ان أميركا تدفع المواجهة نحو حافة الهاوية وتخاطر مع كل خطوة باشتباك أكبر بكثير مما هو عليه اليوم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن«إف - 16»لن تعيد جزيرة القرم ولا مناطق دونباس التي أصبحت بعيدة جداً عن كييف، التي لا ترغب باستعادة أبنائها ولا هم يرغبون في العودة إلى كنفها. بل جل ما سينتج عن الدعم الغربي هو إطالة أمد الحرب إلى حين مجيء رئيس أميركي جديد، على أمل ألا تخرج الأمور عن السيطرة من الآن وحتى نهاية السنة المقبلة.

لقد أعلن الرئيس الروسي السابق ونائب بوتين في قيادة الأمن القومي ديمتري ميدفيديف أن«أوكرانيا ستدمر بالكامل ولن يتبقى منها سوى الرماد حتى ولو استغرق الأمر سنوات أو حتى عقوداً، فليكن، فليس أمامنا من خيار: إما أن ندمر نظامهم السياسي المعادي، أو أن الغرب سيمزق روسيا في نهاية المطاف». هذا بالضبط ما تصبو إليه الإدارة الأميركية، وهي إغراق روسيا في حرب طويلة سيتضرر منها اقتصادها أو في أفضل الأحوال سيتخلخل النظام السياسي الروسي لينقلب على قيادته وتصبح روسيا أرضاً خصبة لـ«الثورات الملونة»أو«الربيع الروسي».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي