ميقاتي ليس في وارد الاعتكاف الآن... ولكن «للصبر حدود»
«الانتحار السلمي» لداعشي في حي السلّم «تنويعٌ لمصادر» تسخين الوضع اللبناني؟
- لودريان «دق الباب خطأً فسمع الجواب» وكان قاسياً من معارضين
- حاكم «المركزي» بالإنابة في الرياض الشهر المقبل
ارتابتْ أوساط واسعة الاطلاع في بيروت من عودة عنوان الإرهاب إلى واجهة المسرح اللبناني في الوقت الذي تزداد الأقفال على أبوابِ القصر الجمهوري المقفر منذ الأول من نوفمبر الماضي وتقترب الأزمة المالية – النقدية من منحدراتٍ أشدّ قسوة بعد أن «تعْبر» موجة الصيف المزدهر وتدفقاتها التي «اشترت وقتاً إضافياً» جديداً لـ «بلاد الأرز» التي تُعانِدُ بلوغ القعر الذي لا قعر تحته.
ففيما كان لبنان يرصد مآل «رسالة السؤاليْن» التي وجّهها الموفد الفرنسي جان ايف لودريان لأعضاء مجلس النواب - في سياق وساطته لإنهاء المأزق الرئاسي - حول مهمات الرئيس العتيد ومواصفاته والتي ضاعت بين تريُّثِ أطرافٍ في تحديد الموقف من شكلها ومضمونها وبين مقاربتها من غالبية قوى المعارضة على طريقة «مَن يدقّ الباب خطأ يسمع الجواب» الذي جاء قاسياً في اعتبار أسلوب مخاطبة البرلمان «خارجاً عن النص والأصول»، باغَتَ المشهد الداخلي حَدَثٌ أمني في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث أفيد عن انتحار إرهابي سوري مُتَّهَم بأنه أحد المتورطين الأساسيين في تفجير عبوة ناسفة في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق ليلة العاشر من محرم (تبنّاه تنظيم «داعش»)، حيث رمى بنفسه من على سطح مبنى (في محلة حي السلم) كان لجأ إليه ليقيم مع أقارب له وذلك بعيد دهْم قوةٍ من حزب الله ليل الجمعة - السبت المنزل لتوقيفه.
وذكرت تقارير في بيروت أن السوري يدعى وسام مازن دلا ومن مواليد بلدة التل العام 2000، وجاء الى لبنان أخيراً ودخل بطريقة غير شرعية بعد تفجير مرقد السيدة زينب، وأن التحقيقات التي أُجريت في سورية دلّت على علاقته بالجريمة قبل أن تتوافر معطيات الى الجهات المعنية في حزب الله عن دخوله خلسة «وخشية أي عمل أمني قد يحصل في الضاحية الجنوبية، تمت محاصرة شقة في حي السلم كان يسكن فيها تمهيداً لدهمها، فما كان من الملاحَق إلا أن رمى بنفسه من الطابق السابع حتى لا يتم القبض عليه، وقد جرى نقله إلى إحدى المستشفيات ثم فارق الحياة، وتم اعتقال والده وشقيقه من المكان، ولم تكن هناك أحزمة ناسفة، ولاتزال التحقيقات جارية».
وفي حين توجهت جهات رسمية لبنانية أمس إلى مكان الحادث الذي كان بحماية «حزب الله» وسط تقارير (تلفزيون ال بي سي آي) عن أن المُنْتَحِر كان يقيم منذ اسبوعين في الشقة مع والده وشقيقته وزوجها (لبناني) «وقد نُقلوا إلى مكان آمن بفعل الاحتقان الشعبي الكبير ومحاولة بعض الأهالي اقتحام المبنى وأن هؤلاء يخضعون للتحقيق لمعرفة إذا كانوا على علم بما ارتكبه الإرهابي المنتحر»، ذكرت تقارير لم يتم التأكد من دقتها أن ما أملى عملية الدهم ورود معلومات عن احتمال تحضير دلا، وكان تحت التتبُّع، لعمل إرهابي في لبنان.
وفيما لم يكن صدر أيّ بيان رسمي عن الأجهزة اللبنانية، بعدما أوردت«الوكالة الوطنية للاعلام»الرسمية رواية مفادها«ان معلومات وصلت الى «حزب الله» عن دخول السوري وسام دلا خلسة الى لبنان من منطقة التل (...) وبعدما استقر عند اقربائه في حي السلم، اشتُبه في تحضيره للقيام بعمل إرهابي، فتمت ملاحقته. وعندما علم بانكشاف مكان وجوده، ألقى بنفسه من الطبقة السابعة»، تساءلت الأوساط المطلعة عن أبعاد عودة العامل الأمني - الإرهابي إلى الواقع اللبناني في غمرة اشتداد الأزمة الرئاسية وتعقيداتها في ظلّ سباقٍ مزدوج:
«حوار المقايضة»
• بين محاولةٍ داخلية لكسْر المأزق تسير على «حبل رفيع» يشكله «حوار المقايضة» على خط «حزب الله» - «التيار الوطني الحر» على قاعدة إمكان أن ينتخب الأخير سليمان فرنجية مقابل سلّة شروط (اللامركزية الادارية والمالية الموسعة، الصندوق الائتماني وبناء الدولة)، وبين استعدادات لودريان للعودة إلى بيروت الشهر المقبل في ظل ازدياد الاقتناع في صفوف معارضين بأن المهلة التي أعطاها الموفد الفرنسي لاستئناف مهمته (كانت جولتها الثانية أواخر يوليو) أي حتى سبتمبر كانت لمنْح حوار الحزب - التيار فرصةً لتحقيق اختراقٍ يحيي حظوظ فرنجية (تم التعاطي مع بيان مجموعة الخمس حول لبنان عقب اجتماعها في الدوحة قبل نحو شهر على أنه طواها) ويجعله أمراً واقعاً يتم الانطلاق منه لإطلاق قطار جلسات انتخاب مفتوحة.
• وبين المسار الرئاسي الشائك وتناسُل الأزمات السياسية في كنف الشغور وسط ازدياد مَظاهر الاضطراب في العمل الحكومي والتشريعي، والخشية من أن تتعطّل كامل عجلات إدارة ما بقي من مؤسسات، تحت وطأة انتقال لعبة ليّ الأذرع الرئاسية المتعددة الجبهة إلى مرحلة أقسى، وفق ما عبّر عنه عدم توفير نصاب التئام الجلسة التشريعية للبرلمان يوم الخميس وانفجار سجالاتٍ بين مكونات حكومة تصريف الأعمال (التيار الحر الذي يقاطع الجلسات ووزارة المال) حول تمويل خطة الكهرباء وشراء الفيول.
ميقاتي: للصبر حدود
وكان لافتاً في هذا السياق ما تردّد عن أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لوّح بالاعتكاف، وهو ما علّق عليه الأخير عبر صحيفة «النهار» غامزاً من دور «التيار الحر» في تطيير نصاب جلسة البرلمان، إذ نفى أن يكون قد اتخذ قراراً بالاعتكاف ولكنه قال «للصبر حدود والله لايحمّل نفساً إلا وسعها». وأوضح«أن مسألة الاعتكاف لا ترد حتى الآن على الاقل في قاموسي، ولكن اذا ظلت الأمور تُنسج على منوال التعطيل وعدم التجاوب والتعاون فساعتها تصير كل الاحتمالات واردة عندي».
ولفت الى«انها ليست المرة الاولى يواجهنا مثل هذا الكم من العراقيل ومثل هذه المناخات التعطيلية، ولكننا بتنا نستشعر في الآونة الأخيرة بأن ثمة مَن وضع في حساباته الضمنية أن يقطع الطريق علينا ويعرقل حتى عملية تصريف الأعمال التي نقوم بها وانه ماض في هذا النهج رغم كل تحذيراتنا (...) وهم يحولون بعناد دون إقرار القوانين الاصلاحية المفضية الى السير بخطة التعافي».
«الانتحار السلمي»!
وفي غمرة هذه المناخات المشحونة، جاء اختراق عنوان الإرهاب الستاتيكو اللبناني ليثير علامات استفهام حول إذا كان البُعد الأمني سيطغى على الأزمة الداخلية بامتداداتها الخارجية المتشابكة وتحديداً على الملف الرئاسي في الفترة المقبلة وهذه المرة من زاوية أكثر دقة وخطورة من التي عبّرت عنها أحداث عين الحلوة والصِدام الدموي في الكحالة واغتيال مسؤول في القوات اللبنانية في عين ابل (الجنوب)، وذلك بعدما كان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله تحدث في إطلالته قبل أقل من اسبوع عن «قرار أميركي بعودة داعش الى العمل في عدد من الساحات».
وفي رأي الأوساط المطلعة، أنه سواء صحّ أن دلا كان يعدّ لعمل إرهابي وأنه متورّط في تفجير السيدة زينب أم لا، وبمعزل عن مفارقة أن داعشياً يختار «الانتحار السلمي» في حي السلم بلا محاولة «قتْل مَن معه» سواء بحزام ناسف غالباً ما كان يزنّر عناصر التنظيم الارهابي على مدار الساعة أو بأيّ وسيلة أخرى مثل إطلاق النار أو رمي قنبلة، فإن «ربْط» الوضع اللبناني بخطر داعش يُخشى أن يكون مؤشراً إضافياً إلى أن الساحة الداخلية تتجه لـ «تنويع أدوات التسخين» على تخوم الاستحقاق الرئاسي ومحاولة فرْض مَخارج له «على الحامي» بالتزامن مع دخول حوار حزب الله - التيار الحر مرحلة حاسمة.
ولم تُسقِط الأوساط أن يكون «شدّ الحبْل» لبنانياً من طرفيْه ينطوي على رسالة أيضاً إلى الخارج الذي كان أعاد التوازن الى الملف الرئاسي في ضوء بيان مجموعة الخمس (تضم الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر) في الدوحة بعد ذهاب باريس بعيداً في محاولة تسويق فرنجية «رئيس أفضل الممكن»، وسط توقفٍ عند حملة تشنّها إحدى الصحف القريبة من «حزب الله» منذ يومين على المملكة العربية السعودية فيما كانت تستقبل وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبداللهيان.
منصوري يزور الرياض
في موازاة ذلك، تتجه الأنظار إلى زيارة بارزة سيقوم بها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري للرياض، في سبتمبر المقبل، وتضاربتْ المعلومات حولها، بين اعتبار أنها لإجراء لقاءات وفق برنامج عملٍ مع مسؤولين في المملكة، وبين كونها للمشاركة في اجتماعات تشهدها السعودية التي تحتضن محافظي البنوك المركزية العرب مطلع الشهر المقبل، لمناقشة وبحث تداعيات التضخم العالمي على الاستقرار المالي، ثم المؤتمر العربي الذي يُنظمه اتحاد المصارف العربية وتنطلق أعماله في 4 سبتمبر تحت عنوان«الآفاق الاقتصادية العربية في ظل المتغيرات الدولية».