«الأوراق السرية»... في الصفقة الأميركية - الإيرانية

تصغير
تكبير

ما بين مارس 2024 موعد الانتخابات الإيرانية ونوفمبر 2024 موعد الانتخابات الأميركية، ينغمس الإيرانيون والأميركيون في حالة تفكير عميق: هل نُكمل الطريق؟ هل تكمن مصلحتنا في الصفقة الآن؟ هل نقبل بما هو معروض بعد وصولنا إلى مرحلة الألم في لعبة «عض الأصابع»؟

كلتا الإدارتين بحاجة للاتفاق - الصفقة:

- حكومة إبراهيم رئيسي في إيران تريد القول للناس «انظروا لقد استعدنا أموالنا وسنبدأ مرحلة الانتعاش الاقتصادي - إذاً سياساتنا ناجحة والصبر الاستراتيجي أتى أكله».

- إدارة جو بايدن تبحث عن 3 إنجازات مترابطة لكنها متوازية في آن: يتمثل الأول بالقول للشعب الأميركي إنها رسخت فلسفة الديموقراطيين في السياسة الخارجية التي تقوم على «إنهاء الحروب في الخارج ووقف موت أبنائكم فيها»، والقول للرأي العام عموماً إن هذه الإدارة قادرة على تنفيذ وعودها بإعادة مواطنيها المحتجزين (أو الرهائن) إلى الوطن.

أما الإنجاز الثاني فيتمثل بكبح جماح البرنامج النووي الإيراني ومنع وصوله إلى نقطة «القنبلة» (التخصيب بنسبة أكثر من 90 في المئة)، من خلال ملاحق سرية أو تفاهمات غير مكتوبة مع طهران، تفتح الباب أيضاً أمام تهدئة الأوضاع في المنطقة، عبر اتفاقات موضعية سواء مع الإيرانيين مباشرة أو مع وكلائهم في بعض دول المنطقة.

ويتمثل الإنجاز الثالث الذي تسعى له إدارة بايدن بإبعاد إيران عن الالتحاق بركب «التوجه شرقاً»، والحؤول دون ارتمائها كلياً في أحضان الصين من بوابة الاقتصاد، وتعزيز تحالفها مع روسيا من بوابة المُسيّرات والتعاون العسكري. علماً أن شعار طهران القديم - الجديد: لا مع الشرق ولا مع الغرب وإنما مع مصالحنا الوطنية.

السؤال البديهي: لماذا الآن؟

منذ دخل بايدن البيت الأبيض قبل نحو عامين ونصف العام، عبّر صراحة عن موقفه المؤيد للعودة إلى الاتفاق النووي المُبرم مع إيران في العام 2015، والذي مزّق الكثير من صفحاته الرئيس السابق دونالد ترامب في العام 2018، وردّت إيران في السنوات اللاحقة بتمزيق الصفحات الأخرى، عبر «خطة الرد الاستراتيجي» التي أدت إلى قفز مستويات التخصيب من 2.65 في المئة إلى 60 في المئة، ومُضاعة مخزونات اليورانيوم عشرات المرات.

لكن ما فوجئ به فريق بايدن (الخارجية والاستخبارات بشكل أساسي) هو أن إيران «استضعفتهم» بدل «احتضانهم» حينذاك، على الرغم من أن بينهم شخصيات لديها تاريخ وإرث في التفاوض السري والعلني معها (مثل روبرت مالي ووليام بيرنز)، وراحت ترمي الشروط على الطاولة وتراكمها بلغة «المُنتصر»، فتركوا الطاولة وعادوا أدراجهم، لإفهام طهران أن رغبة واشنطن بالتفاوض وإحياء الاتفاق النووي، لا تنم عن ضعف بقدر ما تعكس جزءاً من سياساتها القائمة على التفرغ للصين وتهدئة البؤر المشتعلة في الشرق الأوسط.

هكذا، عُلقت المحادثات وبقيت العقوبات واستمرّ التخصيب، إلى أن استجدّ أمران:

1 - حاجة بايدن لـ«إنجاز» مع اقتراب «كلام الصناديق» في الانتخابات الرئاسية، والذي تسبقه أسابيع عاصفة في الانتخابات التمهيدية لكلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ستزيد من شدتها هذه المرة أخبار مُحاكمات ترامب التي قد تنهي مستقبله السياسي، أو تعيده على حصان أبيض إلى البيت الأبيض.

2 - غرق إيران في مستنقع التدهور الاقتصادي، وحاجة حكومة رئيسي إلى مدّ الشعب بالأوكسجين خشية «كلام آخر» لصناديق الاقتراع أو «انتفاضة» جديدة في الشارع.

عاد الإيرانيون إلى الطاولة، أزالوا بعضاً من شروطهم، نزلوا عن الشجرة، فقابلهم الأميركيون بخطوات مماثلة، وهو ما أدى إلى التوصل لاتفاقية تبادل الرهائن والسجناء.

في الظاهر، كما سرّب الإعلام الأميركي، فإن الصفقة هي سجناء ورهائن مقابل سجناء ورهائن وأموال.

يبدو مما هو معلن، أن واشنطن تقوم بخطوتين هما دفع المال (أو بالأحرى رفع التجميد عن الأموال المحتجزة) والإفراج عن سجناء، مقابل خطوة واحدة من إيران هي الإفراج عن سجناء ورهائن.

لكن قليلاً من التحليل وبعضاً من القياس على التجارب السابقة وجمع بضعة أجزاء متناثرة من معلومات غير مترابطة، تؤكد أن الأميركيين ليسوا «سُذجاً» ليُبرموا هكذا صفقة، وأن الإيرانيين ليسوا بهذه القوة ليحصلوا على هكذا مكاسب، وأن الاتفاق حتماً يحتوي على ملاحق سرية و(أو) تفاهمات غير مكتوبة.

ما ظهر على السطح منها حتى الآن، على الأقل، يتعلق بثلاثة أمور:

1 - تخفيف وتيرة البرنامج النووي الإيراني (وهو أمر واقع وإنْ نفته طهران).

2 - «ضبط» الوكلاء لتهدئة أوضاع المنطقة (سيظهر جلياً في الأسابيع المقبلة في اليمن ولبنان بشكل أساسي)

3 - «بعضٌ من اللين» في تطبيق العقوبات الأميركية، خاصة النفطية، ما يسمح للإيرانيين بجني مليارات أخرى لإنعاش اقتصادهم.

بهذه الطريقة، رُفع الحرج عن الجانبين: لا واشنطن تحتاج إلى موافقة الكونغرس للعودة إلى اتفاق 2015 أو إبرام اتفاق جديد يؤدي للإفراج عن أموال أو تجميد عقوبات، ولا طهران مضطرة للقول إن الظروف اضطرتها مجدداً للتفاهم مع «الشيطان الأكبر»، فتتكبّد جبهة الأصوليين خسائر في الانتخابات المقبلة.

ومع استمرار المحادثات بين إدارتي بايدن ورئيسي، عبر قطر بشكل أساسي وعُمان وسويسرا بدرجة أقل، يختبر الأميركيون والإيرانيون بعضهم البعض، ويتعرّف كل جانب على مدى وحجم التنازلات الواردة من الجانب الآخر، ما يُتيح لهما التوصّل إلى اتفاقات صغرى، بعضها علني مثل الاتفاق الأخير، وغالبيتها سرية أو غير مكتوبة بضمانات من الوسطاء.

ومع غياب الثقة وبالنظر للتجارب السابقة، فإنه لا توجد أيّ ضمانة لنجاح التفاهمات أو حتى لاستمرار المفاوضات في الأشهر المقبلة، لكن إذا سلكت الأمور مساراً إيجابياً فقد يُفضي في نهاية المطاف إلى «صفقة كبرى» (سواء واضحة ومعلنة أو عبر مراكمة الاتفاقات الصغرى فوق بعضها البعض)، تشمل «النووي» و«البالستي» والمُسيّرات والأنشطة المزعزعة للاستقرار... وتقاسم النفوذ في المنطقة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي