البحرين وقطر وعُمان والإمارات بعد السعودية والكويت
التحذيرات الخليجية «اكتملتْ» وفي لبنان «لا حِسّ ولا خَبَر»
لم تَخرج بيروت من تحت تأثير «دومينو" التحذيرات الخليجية التي اكتملت، من كل دول مجلس التعاون لرعاياها سواء بوجوب المغادرة فوراً أو الالتزام بقرار منْع السفر الى لبنان أو ضرورة تفادي مناطق النزاعات المسلّحة، في أحدث نسخةٍ من مناخٍ خليجي متشدّد «تجاه الوضع المتفلّت في بلاد الأرز» وقصور السلطات المعنية عن توفير ضماناتٍ حيال قدرتها على الإمساك بالأرض و«ملاعب النار» متى اشتعلتْ هي التي اكتفتْ بإزاء معارك عين الحلوة الأخيرة بمواقف على طريقة «أخذْنا عِلْماً».
فبعد السعودية التي طالبت مواطنيها الموجودين في لبنان بالمغادرة بسرعة والكويت التي حذّرت رعاياها من الاقتراب من مواقع الاضطرابات داعية إياهم لالتزام الحيطة والحذر، أعلنت الخارجية البحرينية أن «المملكة طلبت من مواطنيها مغادرة الأراضي اللبنانية بسبب النزاع المسلح» وذلك «حفاظاً على سلامتهم»، وكذلك فعلت الدوحة حيث وجّهت سفارة قطر لدى لبنان في بيان عبر حسابها على منصة «اكس» مواطنيها الزائرين للبنان «بضرورة اتخاذ الحيطة والحذر والابتعاد عن المناطق التي تشهد الأحداث الحالية والتقيّد بالتعليمات الصادرة عن السلطات المحلية المختصة».
وفيما دعت سفارة سلطنة عُمان لدى بيروت في بيانٍ، مواطنيها الموجودين على الأراضي اللبنانية إلى «ضرورة توخي الحذر والتقيّد بالإجراءات الأمنية اللازمة بالابتعاد عن المناطق التي تشهد صراعات مسلّحة، مع اتّباع الإرشادات الأمنية الصادرة من جهات الاختصاص»، توّجت أبو ظبي التحذيرات الخليجية بإعلان الخارجية الإماراتية أنّه «حفاظاً على سلامة مواطني الدولة، تؤكد أهميّة التقيّد بقرار منْع سفر مواطني دولة الإمارات إلى لبنان الصادر مسبقاً».
ولليوم الثالث على التوالي، بقيتْ أجراسُ الإنذار التي قرعتْها دول الخليج العربي محور عمليات بحث وتحرٍّ في بيروت - التي لم تعلّق أمس على توالي التحذيرات الخليجية - عن خلفيات هذا التطور النوعي الذي لا شكّ في أنه ينطوي على بُعدين:
أولهما النظر بعينِ حذَر عالٍ جداً للواقع اللبناني وآفاقه المحتملة في ضوء «الدفرسوار» الذي يمكن أن يشكّله مخيم عين الحلوة - الذي استراحت معاركه ولكن يُخشى أنها لم تُطوَ نهائياً - لعموم الوضع في بلاد الأرز الموصولة عبر الأوعية المتصلة بصواعق المنطقة التي عادت لتسير على «حبل مشدود» على مختلف الجبهات.
والثاني عودة «العين الحمراء» الخليجية على لبنان ربْطاً بتمادي غالبية الطبقة السياسية (ولا سيما قوى الممانعة) في ارتهانِ البلاد لحساباتٍ ومصالح «ما فوق لبنانية» تفرّغ مواقعه الدستورية بدءاً من رئاسة الجمهورية وتُنْذِر بتفريغ مؤسساتٍ ومراكز حساسة لتدار بالوكالة، بدءاً من حاكمية مصرف لبنان وليس انتهاءَ (في يناير) بقيادة الجيش، وتالياً تعمّق تحلُّل الدولة وأركانها ومقوّماتها فيما تقوى على يمينها ويسارها وفي قلبها أحزاب تشكّل امتداداً صريحاً لطهران ومشروعها الإقليمي، وجزر أمنية باتت بؤراً لصراعاتٍ قابلة للاستثمار عبر أكثر من «بندقية للإيجار» والاستخدام بخلفياتٍ ظاهرها نزاعاتٌ على الأحجام داخل المخيمات (كما في عين الحلوة بين «فتح» وإسلاميين) ولكنها تستبطن أبعاداً تطلّ على إنهاء آخِر رموز الشرعية الفلسطينية، خدمةً لـ «وحدة الساحات والجبهات» ومقتضيات المواجهة في الإقليم، تسخيناً أو تبريداً.
من هنا، بات جلياً أن استعادة دول الخليج مناخاتِ الحذر والتحذير من لبنان وله تأتي على مسرح عمليات مزدوج:
* محلي لبناني يتّصل بمؤشرات إلى أن «طنجرةَ الضغطِ» الأمنية بعناصرها الموصولة بفتائل عدة ربما تكون اقتربت من الانفجار بهذا «اللغم» أو ذاك، وفق ما عبّرت عنه معارك عين الحلوة التي تسود الخشية من أن تنفلش إلى مخيمات أخرى بحال تجدّدت ولاسيما أن أسباب التفجير لم تُعرف بعد ولا تداعيات اغتيال القائد الفتحاوي أبو أشرف العرموشي عولجتْ بتسليم الفاعلين.
* وإقليمي، وهو الأهمّ، ويرتبط باستعادة المنطقة أجواء التوتر العالي على أكثر من جبهة: روسية - أميركية في سورية تشكّل حديثة خلفية «للصراع الأكبر في أوكرانيا»، وإيرانية - أميركية في البحر وكان من أبرز تجلياتها «عراضة» كشف تزويد بحرية الحرس الثوري في إيران بمنظومات ومعدات استراتيجية من المسيّرات بعيدة المدى والصواريخ البالستية التي يصل مداها إلى الف كيلومتر، وتصوير الأمر على أنه ردّ على إعلان واشنطن عزمها على إرسالة طائرات «إف - 35» و«إف - 16» وسفينة حربية إلى الشرق الأوسط لمراقبة الممرات المائية.
في السياق نفسه، يأتي التوترُ الإيراني - الخليجي مع الكويت والسعودية خصوصاً اللتين اتخذتا موقف«وقفة رجُل واحد» حيال حقل الدرة، بالتوازي مع «ابتعاد» موعد فتْح الرياض سفارة في طهران، التي لم تُبدِ أي مرونة في ما خص ملحقات اتفاق بكين المرتبطة بالمنطقة بل بدا وكأن مرحلة «تنويم الساحات» انتهت، إضافة إلى «مؤشراتِ فرْملة" الانفتاح العربي على النظام السوري، في وقت تحاول واشنطن العودة إلى المنطقة وتعويض الخسائر التي مُنيت بها منذ انكفائها عن الشرق الأوسط وإدارتها الظهر لمَصالح قومية واستراتيجية لحلفائها التاريخيين.
وإذ كانت الأسئلة تتطاير في بيروت حول مَعاني التحفّز الخليجي حيال الوضع في لبنان ولو من ناحية أمنية وكيفية قراءته بتمعُّن في أي خطوة مقبلة ترتبط بمآلات الانتخابات الرئاسية واتجاهاتها السياسية، التي كان حدّد إطارها النظام «بيان الدوحة» الشهر الماضي لمجموعة الخمس حول لبنان (تضم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر)، كان بارزاً أن «حزب الله» مضى في إعلاء مظاهر التشدد التي لم يتخلّ عنها في الملف الرئاسي وإطلاق إشاراتٍ ذات مغزى حيال عصا العقوبات الأميركية التي عاد التلويح بها في وجه الرئيس نبيه بري.
وقد دعا رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد إلى «مزيد من اليقظة والتنبة لمخاطر ما يساق إليه لبنان من خلال الضغوط التي تمارَس عليه سواء في الاستحقاق الرئاسي أو بالتهديد بانهياره بكافة مؤسساته»، مشيراً إلى أن «على الأميركيين أن يعرفوا أن هناك من لا يستطيعون تجاوزه في هذا البلد».
وأعلن أن «هناك الكثير من الأشخاص لم نضع عليهم فيتو في الرئاسة لأننا نريد التسويات لكن من دون أن يحشرنا أحد، فهناك اشخاص لا نقبل بأن يكونوا حكاماً في هذا البلد لأن تجربتنا معهم كانت مُرة، وكانوا جنبا الى جنب مع العدو الإسرائيلي في غزو بلدنا وفي هتك كرامة مواطنينا».
وفي الإطار نفسه، رأى عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، أن «جماعة التقاطع (على المرشح جهاد أزعور) وصلوا إلى مرحلة من التراجع، وأصبحوا قِطعاً قطعاً، وباتوا يعملون على تقطيع الوقت، وبدأوا يراهنون على سلاح العقوبات الخارجية، ويعملون على التحريض لاستجرار هذه العقوبات ضد شركائهم في الوطن».
وشدد على أن «لبنان لا يتحمّل رئيساً للجمهورية يأتي بسلاح العقوبات، فنحن لسنا في العام 1982 ولن نكون، ومصلحة لبنان هي أن يكون هناك رئيس يرعى التوافقات لإنقاذ البلد، ولا يكون منصة لتصفية الحسابات السياسية وتهديد للوحدة الوطنية».
في موازاة ذلك، بدأ عضو اللجنة المركزية لـ«فتح» والمشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد، محادثات في بيروت مع كبار المسؤولين، ومع قيادة الحركة وممثّلي فصائل «منظمة التحرير».
وتتركّز محادثاته حول الأوضاع التي استجدّت داخل مخيم عين الحلوة والاشتباكات التي وقعت الأسبوع الماضي بين «فتح» وعناصر إسلامية متشددة.