هناك ثقافة للتسلية والضحك، وهذه أكثر الثقافات انتقالاً بين الشعوب ونستطيع أن نقول إن هذا النوع من الثقافات يلف العالم دون أن يدعي أي مجتمع الفضل في إنشائه.
ولأني عشت فترة في اليابان فقد وجدت نوعين من أساليب التسلية في المجتمع الياباني، يتشابهان مع ما هو موجود لدينا في مجتمعاتنا العربية، ففي البلاد العربية ظهر قديماً الحكواتي، والحكواتي شخصية جسّدها كثيرون على مر عقود من الزمن، وهي مهنة عرفتها بلاد الشام منذ مطلع القرن التاسع عشر، وحظيت بشعبية كبيرة جعلتها جزءاً من التراث الشعبي في هذه البلاد، وقد اشتهرت مدينة دمشق شهرة كبيرة
بـ الحكواتي، فلا يوجد مقهى من مقاهي مدينة دمشق التراثية قديماً إلّا وبه حكواتي.
وأيضاً شهدت دول عربية مثل مصر والمغرب ودول الخليج مثل هذا الفن، وقد نجح الفنان إبراهيم الصلال، في تجسيد شخصية الحكواتي في قصة بنت الخباز في المسلسل الكويتي الشهير (الأقدار)، أما في اليابان فلديهم هذا الثقافة، ثقافة الحكواتي.. ويقال إن هذا النوع من الفنون بدأ في عصر إدو (1603 - 1868م) ويستمر حتى الآن في الشكل العام من دون تغيير تقريباً. وهو عبارة عن فنان واحد يمكن تسميته الحكواتي يجلس فوق وسادة مربعة تسمى باليابانية «زابوتون» مرتدياً الزّي الياباني التقليدي، ويكون المسرح في غاية البساطة، ويمسك بمروحة ورقية يستخدمها في الدق على الطاولة لاستثارة انتباه الجمهور أو لاحداث مؤثرات صوتية تتناسب مع المشهد الذي يحكيه من الحكاية. وغالباً ما تكون الحكاية المسلية التي يحكيها متشعبة وبها شخصيات عديدة، ولكن الحكواتي هو الذي يقول كل الحوارات بين الشخصيات المختلفة مستخدماً مهارته في تغيير نبرة صوته ليتقمص دور شخصيات الحكاية جميعاً، وفي النهاية لا بد أن تنتهي الحكاية بالحكمة التي يريد الحكواتي إيصالها للناس.
وفي اليابان، أيضاً توجد أنواع من الكوميديا التي تشبه أيضاً ما لدينا وهي «المانزاي»، ويقال إن هذا النوع من الفنون بدأ منذ قديم الزمان، ويعود إلى عصر هييان (794 م - 1192 م) وتطور مع الزمن ليصبح في ثلاثينات القرن الماضي الشكل الذي هو عليه الآن، حيث يقف اثنان أمام الجمهور بملابس عصرية حديثة وبينهما ميكروفون ويتبادلان حديثاً مضحكاً، وفي الحوار الذي يدور بينهما يقوم كل منهما بدور مختلف عن الثاني. فأحدهما ويسمى «بوكِه» (boke)، دوره أن يقول كل ما هو غريب وشاذ وغير متوقع ولا متخيل رداً على أسئلة زميله أو تعليقاً على ما يقول، بهدف انتزاع الضحكات من الجمهور.
أما الآخر ويسمى «تسوكّومي» فيكون دوره إعادة زميله إلى جادة الصواب وتصحيح ما يقوله أو تنبيهه إلى الخطأ الذي يقوله بطريقة فكاهية لاذعة.
إن هذا الأسلوب الفكاهي الياباني تم استعماله بنجاح في بعض الدول العربية وبالذات في مصر، حيث يقوم أحدهما باختراع قصص بعيدة عن الحقيقة ويقوم الآخر بالاستنكار عليه والانفعال لما يسمعه من أكاذيب، وأشهر من أدى هذا الأسلوب هما الفنان حمد أحمد المصري، المعروف بـ(أبو لمعة) والفنان محمد فؤاد راتب، المعروف بـ (الخواجة بيجو)، حيث يسترسل أبو لمعة بالمبالغة والتهويل وينفجر الخواجة بيجو بالاستنكار ليحصد الاثنان ضحكات الجمهور كما فعل الممثلان اليابانيان.
تتشابه ثقافة التسلية بيننا، نحن العرب، وبين اليابانيين، وإن شاء الله تتشابه أيضاً ثقافة العمل الجاد بيننا وبينهم.