في بداية هذا الأسبوع أحال الرئيس أحمد السعدون، مشروع قانون في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمّة إلى لجنة الشؤون الداخلية والدفاع البرلمانية. ويتكون مشروع القانون من (65) مادة ضمن تسعة أبواب، ولكنني سأكتفي في هذه المقال باستعراض المادة الرابعة منه، كمثال لتوضيح فئتين أو صورتين من الصيغ التشريعية.
المادة (4) مشكّلة من فقرتين متناقضتين في مستوى الصياغة التشريعية، الأولى مستحقّة وملزمة والثانية إنشائية ويرجّح أن يكون غرضها تسويق القانون وتيسير تشريعه. فالفقرة الأولى من المادة تنص على أن «تلتزم أجهزة الدولة بمعاونة المفوّضية العامة للانتخابات في مباشرة اختصاصاتها وتزويدها بما تطلبه من بيانات أو معلومات أو مستندات ترى لزومها في سبيل مباشرة اختصاصاتها».
في حين تنص الفقرة الثانية على أن «للمفوضية استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة المُؤمّنة في كل أو بعض مراحل الانتخابات على النحو الذي يدخل في اختصاصها، ويجوز لها أن تستعين بمن تراه من ذوي الخبرة والكفاءة لإنجاز عملها بشرط أن تتوافر فيه الاستقلالية والحيادية».
الفقرة الأولى ملزمة على عموم أجهزة الدولة وليست خاصة بأجهزة الحكومة، فضلاً عن كون الإلزام في مطلق ما تطلبه المفوضية من بيانات أو معلومات أو مستندات من دون أي قيد حقيقي، حيث إن القيد الوحيد المنصوص عليه في الفقرة هو أن «ترى المفوضية» ذاتها لزوم الحصول على تلك البيانات والمعلومات والمستندات في سبيل مباشرة اختصاصاتها.
وعلى الطرف النقيض – من حيث المستوى التشريعي – تأتي الفقرة الثانية التي يمكن شطبها من دون أثر تنظيمي. حيث إن ميكنة الإجراءات أو «استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة المؤمنة» مباح من دون الحاجة إلى نص قانوني. بل انه عمل مطلوب محمود لتعدّد منافعه كتعزيز الشفافية والنزاهة في الانتخابات.
لذلك، أدعو لجنة الشؤون الداخلية والدفاع إلى تعديل الفقرة الثانية، لتبدأ كما بدأت الفقرة الأولى، لتصبح بدايتها «تلتزم المفوضية باستخدام» عوضاً عن «للمفوضية استخدام». كما أدعوها إلى إضافة ما يُقيّد استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة المؤمّنة، من خلال إضافة شرط توافر وتحقق المصداقية والموثوقية في الوسائل المستخدمة، لتفادي اعتماد المفوضية التصويت الإلكتروني باستخدام تطبيق أو منصّة إلكترونية – بلا أوراق – يمكن التلاعب بهما خفية عبر برمجيّاتهما.
المشكلة أكبر من مجرّد ملاحظات على مشروع قانون محال إلى المجلس، فهي أزمة تعرّض المجلس الحالي إلى موجة من اقتراحات بقوانين ومشاريع قانونين تعاني من خلل تشريعي مقصود ومن تغافل متعمّد عن مشاكل مزمنة متفاقمة، بدرجة أن الكثير من كوادر النوّاب بادروا منذ فترة بإخلاء مسؤولية المجلس عن تبعات التشريعات الأخيرة والمنظورة، من خلال الادعاء أن المجلس قام بدوره التشريعي، وأي قصور ينكشف لاحقاً يفترض أن تتحمله الحكومة وحدها لأنها هي المعنيّة بالتنفيذ.
عوضاً عن البحث عن أعذار وهمية لتحصين النواب، أدعو النوّاب إلى الاستفادة من الملاحظات الإيجابية والسلبية على مشروع القانون أعلاه، وبالأخص المتعلّقة بالمادة (4) من القانون، لما يتضمنه من قيود مستحقّة واردة وأخرى منسيّة، من أجل إعداد اقتراحات بقانونين لترميم مواقع الخلل التشريعي في القوانين التي أقرت في الفترة الأخيرة، ومن بينها قانون خصخصة الرعاية السكنية، الذي أقرّه المجلس بمداولتين في جلسة خاصة قبل أسبوعين.
فمن بين القيود الضرورية المفقودة من قانون خصخصة الرعاية السكنية، تلك التي تمنع تكرار أخطاء إشاعة في تخطيط المدن والمناطق الإسكانية، وبالخصوص في المناطق السكنية التي كانت مملوكة للقطاع الخاص ابّان تخطيطها. ومن بين هذه الأخطاء الإشاعة المتفاقمة – التي لا يجوز للمشرّع التغافل عنها – ضيق عرض الشوارع وقصر ارتدادات المنازل.
باختصار المجلس الحالي تجتاحه موجة مشاريع قوانين مستحقة بعناوينها هشّة بصياغتها وقيودها...
اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com