إن أي حياة مهما كانت بسيطة وفقيرة فيها الفشل والنجاح، ومهما كانت تافهة أو نافعة؛ ستكون حياة ممتعة إذا عاش فيها الإنسان بصدق، ورواها بصدق.
أتشارك معك اليوم عزيزي القارئ موقفاً غريباً حدث معي من أسبوعين تقريباً، عندما كنت أُراقب على سير اختبارات الثانوية العامة للدور الثاني في إحدى المدارس، وبعد مرور عشرين دقيقة من وقت الاختبار، وتأكدت أن كل شيء على ما يرام، خرجت أمام أسوار المدرسة عندما لاحظ ولي أمر طالب أني أعمل في الاختبارات، اقترب مني وقال لي:
- السلام عليكم، فيه مجال تدخل اللجنة وتساعد ابني عنده اليوم امتحان رياضيات دور ثاني.
نظرت إليه وقد بدا وجهه مليئاً بالشيب والحكمة والوقار، وابتسمت له معرباً عن أسفي من كون ما يطلبه مني ليس مساعدة بل غشاً وحرمانية ومخالفة أربعة قوانين في وزارة التربية... ثم لملمت أفكاري وقلت له:
- ماذا ستفعل لو أعاد ابنك السنة الدراسية ولم يجتز هذا الاختبار؟ تبسم بوقار وعيناه تشع نوراً ثم قال:
- ابناء خالته سوف يسبقونه، وسوف يتأخر، وأنت فاهم أخاف نفسية الولد تتعب.
فعرفت من فوري أن تحت الشيب والوقار والحكمة الظاهرة أكثر أشكال السطحية والسخافة والتفاهة عمقاً ضارباً في «الظاهر».
عزيزي القارئ، نفكر في احتياجنا للأبوة، وعلى أبناء نستند عليهم إذا كبرنا، وعن ذرية تحمل أسماءنا متفوقة في المدارس وضباط في الأمن ومهندسين في البترول ودكاترة في مستشفى جابر، مخلصين لزوجاتهم في البيوت ومخلصين لقسمهم إذا أصبحوا أعضاء مجلس أمة، يرقصون على الأغاني الوطنية، ويشعرون بالولاء لبرنامج عمل الحكومة، محافظين على البيئة وأهداف التنمية المستدامة... أو ربما نبحث عن ولد صالح يدعو لنا وكفى... أياً كانت الأسباب... ولكن علينا أيضاً أن نتذكر أن هذه الأبوة لا تتطلب الزواج والإنجاب فقط، ولكنها تتطلب «احتواء ومحبة وعيب وحرام».
وإذا كنت تفكر في الأبوة فعليك أن تعلم أن ابنتك/ ابنك قد يتعرض إلى مشكلة في مدرسة، أو كلمة بايخة من صديق، أو تجربة ضياع تلفونه، أو نسيان أغراضه الشخصية على كرسي السينما واكتشاف ذلك بعد العودة للمنزل، أو يمر بأيام عصيبة بسبب المراهقة وخيانة الأصدقاء، أو أسئلة وجودية وهموم نفسية وربما مشاكل مادية في ما بعد، أو التعرض للظلم بأشكال مختلفة، أو تجربة إعادة السنة الدراسية وأن «ابناء خالته» وأصدقاءه سبقوه.
تحتاج هذه التجارب التي يمر بها أبناؤنا إلى تدخلات من الأبوة أو الأمومة أو المُوكل لهم الأمر، وهذه التدخلات ليست في أن نطلب ما فوق قدراتهم، بل مبنية على الاحتواء والتفهم والمحبة والاهتمام والعودة إلى الثنائية الأصيلة (حلال، حرام / عيب، واجب) وهي ثنائية ستُخرج بيوتا تحافظ على توازن الكويت وهذه هي الاستدامة يا بتوع الاستدامة!
ثم تذكرت جملة كنت قد قرأتها عند نجيب محفوظ، وهي أن مصير كل أسرة إلى التفرق السعيد رغم ما به من حزن، ليبحث كل واحد عن دوره الجديد في الحياة.
إن أي حياة مهما كانت بسيطة وفقيرة وفيها الفشل والنجاح، ومهما كانت تافهة أو نافعة؛ ستكون حياة ممتعة إذا عاش فيها الإنسان بصدق.
أسأل الله أن يكون الطالب نجح في اختباره، والوالد ارتاح قلبه، وأنا كتبت مقالي، وزوجتي راجعته، وأنت قرأته. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
moh1alatwn@