تبادل الاحترام... فطرة وليس وسيلة
يقول فؤاد معوض صديق الفنان الراحل عبدالحليم حافظ إن «العندليب» اعتاد فى ساعات الخروج للتنزه بالسيارة ليلاً أن يرتدي الجلباب والطاقية والشبشب فى قدميه، وحجته فى ذلك أن تريح نفسك من شيئين البنطلون والحذاء فإنك تقضي معظم حياتك فى هذا أو ذاك، وحين صادفهما تفتيش كان هناك شرطي المرور الذي كان يحدق فيه بارتياب ويتفحص ملامحه على مهل ثم راح يعبث بأطراف شاربه وهو يصرخ فيه وكأنه وضع يده على لص: معاك إثبات الشخصية؟ وفين رخصة العربية كمان؟! فأجاب عبد الحليم وهو يبتسم: دقيقة واحدة وأثبت لك أنا مين !
وبدأ عبدالحليم حتى يثبت له أنه حليم في أن يغني بصوته «أسير الحبايب يا قلبى يا دايب»... إلى «يا سيدي أمرك أمرك يا سيدي ولجل خاطرك خاطرك يا سيدي... ما أقدرش أخالفك لأني عارفك تقدر تحط الحديد فى إيديّ أمرك يا سيدي».
كردة فعل، فتح شرطي المرور فمه على آخره من الدهشة، ومن وقتها أصبح صديقاً لعبدالحليم، يزوره بلا موعد سابق، وأصبح له كرسي مخصوص فى كل حفلاته، بل تكفّل أيضاً بمصاريف أولاده في المدارس، وتوسط له بعد ذلك لينتقل من المعادي إلى الوقوف فى إشارة «كوبري أبو العلا» وتدخل لتعيين أكبر أولاده للعمل في وزارة الثقافة، وغنى كذلك فى فرح ابنته هدى.
مقابل هذه القصة تذكرت قصة تناقضها تماماً، عندما دُعيت ذات مرة وتحديداً قبل عشر سنوات من منتج صديق لعرض مسرحي من إنتاجه، واصطحبت ابنتي للعرض، وعند وصولي لشباك التذاكر وجدت التذاكر باسمي وتسلمتها من المسؤول الذي كانت تعابير وجهه غير مطمئنة، ومع هذا فرحت بالاستقبال والدعوة الكريمة، لكن الصدمة قبل بدء العرض بدقائق وصلتني رسالة على «الواتساب» من المنتج صديقي يسألني فيها: «بو محمد مسؤول الشباك يقول إنك لم تدفع رسوم التذاكر، طبعاً ذهلت من هذا التصرف وكان بالإمكان أن أنصرف فوراً، غير أن فرحة ابنتي لحضور العرض منعتني من ذلك، وكان ردي على رسالته: «اووف نسيت والله» رغم دعوته ونواياه المبيتة، وذهبت فعلاً ودفعت الرسوم، ومن يومها قررت أحجز لنفسي ولأسرتي من دون أن أتحدث مع أي فنان وإن كان صديقاً ومن دون علمه بوجودي، بعد هذا الموقف «دندنت» لعبدالحليم بصوتي:«توبة».
الفرق بين القصتين... كنت أعتقد أن العلاقات الانسانية الشيء الوحيد الذي يبقى في حياتنا عندما يذهب كل شيء آخر، وهذا ما حدث مع حليم، ولم أعلم بأن الخيط الذي يربط قلوب الناس مع بعضهم البعض ويجعل العالم أفضل مكان حالياً هي المادة والمصالح ولا غيرها وهذا ما حدث معي.
نهاية المطاف: ليس من الحكمة أن نتوقع من الناس أكثر مما يمكنهم تقديمه لك.