التحالف الأميركي - الأوروبي «مبنيّ على الخوف وليس الصداقة»

زوبعة في بروكسيل لتعيين أميركية... كبيرة الاقتصاديين في المديرية العامة للمنافسة

انتقادات فرنسية لتعيين أميركية بمنصب رئيسي في الاتحاد الأوروبي
انتقادات فرنسية لتعيين أميركية بمنصب رئيسي في الاتحاد الأوروبي
تصغير
تكبير

انفجر الخلافُ في أوروبا، بين فرنسا، والتيار العابر للأطلسي المؤيد لأميركا داخل أروقة المجموعة الأوروبية وبيروقراطييها في العاصمة البلجيكية بروكسيل.

وقد خرج هذا الخلاف بعد إعلان مفوضة شؤون المنافسة في الاتحاد الأوروبي مارغريت فيستاغر، عن اختيار فيونا سكوت مورتون، الأستاذة الجامعية الأميركية - التي عملت داخل إدارة الديموقراطيين في البيت الأبيض أيام الرئيس باراك أوباما - في أعلى منصب ككبيرة الاقتصاديين في المديرية العامة الأوروبية للمنافسة.

ودَفَعَ تعيينُ أميركيةٍ في منصبٍ أوروبي بوزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا و3 وزراء آخَرين ومجموعة من النواب لانتقاد القرار والدعوة للعودة عنه وإعادة النظر في الترشيح، إلا أن بروكسيل ردّت بالرفض.

فهل فقدت أوروبا، أصحاب الكفاءات المحلية لتستعين، بقرارٍ نادر، بخبيرة أميركية، أم أن أوروبا خسرت استقلاليتها وأصبحت ترمي لكسْب ود أميركا لتعتبرها جزءاً من الولايات الخمسين أو الولاية الـ 51؟

لا شك في أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، اتبع سياسة أسلافه، وصولاً إلى الجنرال شارل ديغول الذي طرد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من بلاده، مؤكداً أن «أي جندي أجنبي يملك قراراً مستقلاً داخل فرنسا يعني أن البلاد محتلّة».

فكون فرنسا جزءاً من قوات أوروبية - أميركية مشتركة لا يعني أنها أصبحت في أحضان أميركا، كما هي حال دول أوروبية عدة، غربية أم شرقية، أصبحت تدور في فلك البيت الأبيض.

وكان ماكرون السبّاق في طلب إنشاء جيش أوروبي مُسْتَقِلّ ليدافع عن نفسه حتى ضدّ أميركا إذا لزِم الأمر.

إضافة إلى ذلك، انتقد الرئيس الفرنسي التأثيرَ غير المنضبط لشركات التكنولوجيا الكبرى الأميركية على اقتصاد الاتحاد الأوروبي.

كذلك ذهب ماكرون للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن ليطلب منه اتخاذ سياسة عقلانية تجاه التسهيلات الضريبية والمساعدات التي تقدّمها بلاده للشركات الصناعية الكبرى والتي تَتَسَبَّبَ بهجرة الصناعة الأوروبية.

إلا أن طلبه قوبل بالرفض، من دون أن يعني ذلك أن هناك قادة أوروبيين يدركون مدى خطورة الخطوات الأميركية لجهة إفقار أوروبا وصناعتها، وخصوصاً بعد تفجير خط أنابيب «نورد ستريم - 2» الغازي وتأثير ذلك على الصناعة الأوروبية، وكذلك دفع أوروبا بعيداً عن مصادر الطاقة الكبيرة والرخيصة الثمن الروسية وأخْذ القارة العجوز نحو مواجهةٍ عسكرية مع موسكو وجرّها بعيداً عن الصين، الشريك التجاري والصناعي الأساسي لأوروبا.

وقد شكل تعيين مورتون ما يشبه «الشعرة التي قصمت ظهر البعير» وخصوصاً بعد عملها السابق في وزارة العدل الأميركية وكذلك عملها الاستشاري لشركات Apple وAmazon وMicrosoft، وهي أولى الشركات التي تريد أوروبا الحدّ من منافستها للشركات الأوروبية لتأمين الحماية للصناعة والتكنولوجيا في القارة العجوز.

ورغم الادعاء بأن خبرة الاختصاصية الأميركية في هذه الشركات التي تعتبرها مصدر قوة لها أكسبتْها المعرفة اللازمة لتبوؤ منصبها الجديد في أول سبتمبر المقبل، إلا أن هناك مجموعة كبرى من المسؤولين الأوروبيين الذين يَعتقدون أن ذلك من شأنه جعل مورتون أسيرة تَضارُب المصالح، وأن أوروبا تملك الخبرات اللازمة البشرية لتجد شخصاً آخَر يحمل الجنسية الأوروبية للقيام بهذا العمل الإستراتيجي، الحساس، المهم والعالي، خصوصاً أنها ستصبح أول مواطن من خارج الاتحاد الأوروبي يشغل هذا الموقع.

أنها ليست قضية تعيين خبير أميركي من خارج الاتحاد الأوروبي فقط، بل إنها سياسة بعض المسؤولين الأوروبيين بالاندفاع نحو أميركا ومحاولة كسب مودّتها، لاقتناعهم بأن أوروبا تملك المصالح والقيم والأهداف المشترَكة.

بالإضافة إلى طموح المسؤولين الأوروبيين للاستحواذ على رضا واشنطن التي أصبح لها أكثر من موقع قدم في القارة العجوز والتي يتنامى ويتعاظم نفوذها في الأروقة الأوروبية، خصوصاً في بروكسيل.

ويعتقد العديد من هؤلاء أن ما يسمى بـ «النظام العالمي»، وهو فعلاً النظام الأميركي - الأوروبي، يجب ان يسود الدول جميعها وأن على القارات الأخرى غير الغربية الانضمام والانصياع والموافقة على قيِمه التي يعتبرها الغرب الأعلى والأفضل.

فتُشن الحروب فقط، إذا كان الغرب هو مَن يقف وراءها، وكذلك تُقلب الأنظمة وتُحتل الدول وتُفرض العقوبات على كل من يتجرأ على مخالفة «القِيَم الغربية»، أي النفوذ الغربي، أو كل مَن يحاول القيام بنفس ما يفعله الغرب المسيطر على المؤسسات الدولية والذي يفعل ما يشاء.

إلا أنه يوجد اختلاف كبير من حيث القِيَم الأوروبية والأميركية. فأميركا تقف مع مَن يسير خلفها، مهما كان. أما أوروبا فلديها قِيَم تتمسك بها ولكنها تغض النظر عنها ما دامت الولايات المتحدة تريد ذلك أو مسؤولة عن خرق هذه القِيَم التي أصبحت في نهاية الأمر من دون فائدة أو جدوى.

لذلك ليس من المستغرَب مشاهدة المسؤولين في بروكسيل يعملون للتقرب من أميركا التي تستطيع فرض ما تشاء على أوروبا بدل العمل لمصلحة القارة وسكانها وشركاتها بالدرجة الأولى.

فواشنطن لم تكن يوماً غير صادقة عندما تعلن شعارها ان «أميركا أولاً» فوق أي مصلحة أخرى.

إلا أن المشكلة ان أوروبا وقادتها أصبحوا أيضاً يعملون «لأميركا أولاً» وليس لمصلحة القارة، معتقدين أن أي خطوة مُخالِفة لأميركا ستَتَسَبَّبُ بخساراتٍ فادحة على أوروبا.

وهذا يعني أن الحلف الأميركي - الأوروبي مبنيّ على الخوف من العقوبات وعدم الرغبة برؤية الاقتصاد الأوروبي ينهار على يد أميركا إذا حاولت القارة مخالفتها، وأنه بعيد عن أن يكون حلف الأصدقاء، بل حلف لدفع البلاء ليس أكثر، وتالياً فإن تعيين مسؤولة كبيرة أميركية في أروقة القرار في بروكسيل ليس إلا عنصراً آخَر للاقتراب من «الشرّ الذي لا بد منه».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي