أوصى بعقوباتٍ ودعا لنزع السلاح وطالب بلجنة تقصي حقائق دولية في «بيروتشيما»

«مضبطة اتهام» البرلمان الأوروبي تضع لبنان بمرمى «العين الحمراء»

نازحون سوريون في لبنان (أرشيفية)
نازحون سوريون في لبنان (أرشيفية)
تصغير
تكبير

- تأويلات في بيروت لبند النازحين... سوء تفسير أو سوء نية؟
- تقارير في إسرائيل عن استخدام جيشها «عبوة غير قاتلة» ضد المتحرّشين بالسياج الحدودي

من خلف غبارِ البند المتعلّق بالنازحين السوريين والذي خضع لـ «سوءِ تفسيرٍ» واعتُبر دعوةً لبقائهم في «بلاد الأرز»، فإنّ القرارَ الذي صدر عن البرلمان الأوروبي حول الوضع في لبنان جاءَ أشبه بـ «مضبطة اتهام» مدجَّجة بأدقّ إحاطةٍ بالجوانب الداخلية لأزمةٍ عطّلتْ المسارَ الديموقراطي لتداوُل السلطة ورمتْ الوطنَ الصغيرَ في فم انهيارٍ مالي من الأعتى في التاريخ وتركتْ المؤسسات أسيرةَ الشلل والتحلُّل وفسادٍ «منظَّم» في غياب أي مساءلة أو محاسبة أو قواعد «رَدْعٍ» لمرتكبين بمَن فيهم المسؤولون المباشرون وغير المباشرين عن «بيروتشيما» الذي هشّم نصف العاصمة يوم «ابتلعه» (4 أغسطس 2020) المرفأ الذي «سقط» بمئات الأطنان من نيترات الأمونيوم كانت مخزَّنة في العنبر رقم 12.

وأتى القرار (3600 كلمة بالانكليزية) الذي صوّتتْ عليه كتل من مختلف الاتجاهات في الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على وقع استعداد لبنان لعودة الموفد الفرنسي جان - إيف لودريان إلى بيروت على الأرجح بعد اجتماعٍ مفترض لـ «مجموعة الخمس» (العربية الدولية) حول لبنان وأزمته الرئاسية في الدوحة، وفيما تعيش البلاد «مشدودةَ الأعصاب» حيال ملفين:

- الأول كيفية تنظيم مرحلةِ ما بعد خروج حاكم البنك المركزي رياض سلامة من منصبه نهاية يوليو وتَفادي أي عواصف نقدية جديدة قد تُفاقِمها معاندة نائبه الأول وسيم منصوري (الشيعي) تسلُّم مهماته من دون «عُدة شغل» من تشريعاتٍ وضمانات قانونية، وسط بقاء احتمال استقالته مع نواب الحاكم الثلاثة الآخَرين في الأيام المقبلة مطروحاً بقوة ما سيستوجب تكليفهم الاستمرار في تسيير المرفق العام، مع عدم استبعاد إخراج «أرانب» بخلفيات سياسية مثل طرح تعيين حارس قضائي على مصرف لبنان أو مدير موقت.

- والثاني التوتر، ولو المضبوط، في جنوب لبنان على خلفية فتيليْ السياج الذي أقامتْه اسرائيل في الشطر اللبناني من قرية الغجر وضمّها عملياً إلى الشطر السوري المحتل، والخيمة التي نصبها «حزب الله» في مزارع شبعا المحتلة، وهو التوتر الذي استدرج أول من أمس احتكاكاً بين الجيش الاسرائيلي ومجموعة شبان حاولوا التحرش بالسياج الحدودي ما أدى إلى اصابة 3 منهم، وسط توقف أوساط سياسية عند ما سبق لـ «الراي» أن أشارت إليه مراراً عن محاذرة تل أبيب أي ردود عسكرية أو أمنية على أي حدَث «محسوب أيضاً» يمكن أن تستدرج مواجهة بـ «خطأ كبير».

وقد عبّر عن هذا الأمر بوضوح ما كشفه المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» يوسى يهوشوع الذي أشار إلى «أن الجيش الاسرائيلي استخدم لأول ‏مرة الأربعاء سلاحاً جديداً وهو عبارة عن(عبوة غير قاتلة)‏ قام بتفجيرها بعناصر حاولوا تخريب السياج الحدودي ‏على الحدود الشمالية بين لبنان وإسرائيل».

البرلمان الأوروبي و«الطبقة الحاكمة»

ويؤشر تَقاطُع القرار ذات المَضامين شديدة اللهجة الذي صدر عن البرلمان الأوروبي تجاه «الطبقة الحاكمة» التي خصّ منها مرات عدة «حزب الله» وحليفاه «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» كما حيال «الأحزاب المسلحة» التي دعا لنزْع سلاحها، إلى منحى متشدّد قد يسلكه المجتمع الدولي تجاه الأزمة اللبنانية، سواء من بوابةِ المأزق الرئاسي أو الفساد أو عرقلة التحقيقات في انفجار المرفأ، في ظل إشهار متجدّد لسلاح «العقوبات الهادفة» التي أوْصى بوضْعها «ضدّ كل مَن يخالف العملية الديموقراطية والانتخابية في المؤسسات اللبنانية، أو يعوق التحقيق المحلي في انفجار مرفأ بيروت أو تحقيق دولي وشيك عبر بعثة تقصي حقائق، ووضع اليد على أصولهم في الاتحاد الأوروبي».

وذهبت بعض التقديرات إلى أن البيان الذي ذَهَبَ في البنديْن الأخيرين (14 و 15) إلى إبداء دعم البرلمان الأوروبي «لعمل قوة اليونيفيل على طول الحدود اللبنانية - الإسرائيلية ويدين بشدة جميع الهجمات عليها ويدعو إلى محاسبة المسؤولين عنها» مع ترحيب «بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية ويشجع البلدين على مواصلة مشاركتهما البناءة»، قد يشكّل إشارةً لتصلُّب سيواكب التجديد السنوي لليونيفيل نهاية أغسطس وخصوصاً في ضوء محاولاتٍ لبنانية لسحْب ما اعتُبر تعديلاً في قواعد الاشتباك انطوى عليه قرار تمديد عملها في 2022 من خلال السماح لها بحرية الحركة الكاملة في منطقة القرار 1701 من دون التنسيق مع الجيش اللبناني، وهو التعديل الذي شكل خلفية الاعتداء على آلية تابعة للكتيبة الإيرلندية (ديسمبر الماضي) في محلة العاقبية جنوب صيدا ما أدى إلى مصرع أحد عناصرها وجرْح 3 آخَرين.

«تدخل سافر»

وفيما كانت بيروت تَغرق في مواقف، وبعضها من وزراء في حكومة تصريف الأعمال، تندّد بقرار البرلمان الأوروبي في ما خص النازحين، معتبرة أنه «تدخل سافر في الشوؤن اللبنانية لفرض واقع لا يتوافق مع الإرادة الوطنية» و«قرار تعسفي مرفوض ينطوي على دعوة لبقاء النازحين في لبنان»، وسط دعوات للحكومة والبرلمان للانعقاد وإقرار «قانون سيادي يكلّف الحكومة بالمبادرة فوراً تنفيذ خطة إعادة النازحين الطوعية وبالتواصل المباشر مع السلطات السورية»، فإن التدقيق في البند المتعلّق بهذا الملف يُظْهِر أنه لا يحمل أي دعوة لإبقائهم في شكل دائم.

وقد نص البند 13 على «يشدد (البرلمان الأوروبي) على عدم توافر الشروط للعودة الطوعية الكريمة للاجئين في المناطق المعرَّضة للنزاع في سورية، ويشير إلى هشاشة وضع اللاجئين في لبنان ويشدد على الحاجة إلى توفير تمويل كاف ومتعدد الطبقات للوكالات التي تعمل مع اللاجئين من أجل ضمان التوفير الكامل للخدمات الأساسية لمجتمعات اللاجئين في البلاد؛ ويدعو المفوضية إلى العمل على تحسين الوضع الإنساني في سورية من أجل معالجة الأسباب الجذرية لأزمة اللاجئين. ويشدد على أن عودة اللاجئين يجب أن تكون طوعية وكريمة وآمنة وفق المعايير الدولية. ويدعو إلى استمرار تقديم المساعدات الإنسانية للسكان اللبنانيين واللاجئين مع ضوابط صارمة؛ ويدعو لبنان إلى الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967. ويدعو إلى تشكيل فريق عمل دولي بمشاركة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والسلطات اللبنانية لمعالجة قضية اللاجئين. ويعرب عن قلقه من تصاعد الخطاب المناهض للاجئين من الأحزاب السياسية والوزراء اللبنانيين. ويحض لبنان، في حال اتخاذ أي إجراء في شأن الهجرة، على الامتناع عن الترحيل وفرض إجراءات تمييزية والتحريض على الكراهية ضد اللاجئين السوريين. ويدعو، في هذا الصدد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى مواصلة تقديم التمويل للأونروا واللاجئين السوريين».

وفي موازاة ذلك حرصت مصادر مطلعة على الإضاءة على جوانب غير مسبوقة في القرار الذي «حضّ مجلس النواب اللبناني على انتخاب رئيس للبلاد في أقصر فترة زمنية ممكنة من أجل البدء في معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والصحية وحالة الانهيار المؤسساتي»، معرباً عن قلقه البالغ «إزاء العقبات التي تعترض تنفيذ الإصلاحات اللازمة» ومبدياً الأسف لأن مجلس النواب اللبناني لم ينتخب رئيساً بعد 12 جلسة انتخابية رئاسية غير حاسمة.

وكان بارزاً مطالبة البرلمان الاوروبي بـ«تشكيل فريق عمل إنساني دولي تحت رعاية الأمم المتحدة لدعم تنفيذ المساعدة الإنسانية والإشراف على استخدام الأموال»، والدعوة«إلى أن يعرض على لبنان نشْر بعثة استشارية إدارية شاملة تابعة للاتحاد الأوروبي من أجل تلبية الحاجة الملحة لمواجهة الانهيار المتسارع للإدارة العامة والخدمات الأساسية»، والطلب«من الحكومة اللبنانية التنفيذ السريع للإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية الرئيسية».

وإذ دعا«إلى مواصلة تنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك في القضاء، لضمان الاستقلال ومنع التدخل السياسي والإفلات المؤسساتي من العقاب في نظام العدالة»، طالب بـ«تطبيق عقوبات هادفة في الإطار الذي اعتمده المجلس في 30 يوليو / يوليو 2021 ضد كل من يخالف العملية الديموقراطية والانتخابية في المؤسسات اللبنانية، أو يعوق التحقيق المحلي في انفجار مرفأ بيروت أو تحقيق دولي وشيك عبر بعثة تقصي حقائق، ووضع اليد على أصولهم في الاتحاد الأوروبي».

وذكّر«بأن تحقيقاً شفافاً ومستقلاً وحيادياً وفعالاً في انفجار مرفأ بيروت يمثل أولوية ويجب ضمانه. ويحضّ السلطات اللبنانية على احترام الإجراءات القضائية واستقلال القضاء ومساعدة كل جهد من شأنه أن يسمح بالتحقيق الملائم مع المسؤولين عن القرارات التي أدت إلى الانفجار في ميناء بيروت ومحاسبتهم. ويدعو إلى إرسال بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق إلى لبنان للتحقيق في انفجار بيروت في إطار الأمم المتحدة. وحض السلطات على التعاون الكامل مع المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، الذي يقود التحقيق في انفجار الميناء».

وجاء بالغ الدلالة تشجيع«الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على مساعدة عائلات ضحايا انفجار ميناء بيروت في استكشاف إمكانات رفع دعاوى قضائية في محاكم وطنية أجنبية وكذلك استكشاف إمكانات محاكمة السياسيين المتهمين بارتكاب فظائع بموجب الولاية القضائية العالمية»، مع دعوة«مجلس حقوق الإنسان إلى إصدار قرار بإنشاء وإرسال بعثة تقصي حقائق مستقلة ومحايدة من أجل تحديد وقائع وظروف انفجار بيروت، بما في ذلك الأسباب الجذرية، وإقرار مسؤولية الدولة والأفراد وتعزيز العدالة».

وفيما دان«بشدة ثقافة الإفلات من العقاب التي انتشرت في لبنان«مبدياً القلق» إزاء محاولات ترهيب أعضاء المجتمع المدني المستقلين من خلال وسائل مختلفة»، ندد بـ«حالات سوء الإدارة والاحتيال المتعلقة بالمشاريع الممولة من الاتحاد الأوروبي بسبب الافتقار إلى الشفافية والرقابة وضعف معايير الاختيار والعطاءات وحفظ السجلات»، داعياً«المفوضية ومكتب المدعي العام الأوروبي للتحقيق في قضية سوء الاستخدام المزعوم لأموال الاتحاد الأوروبي لمرافق إدارة النفايات، ويشدد على أن الاتحاد يجب أن يشرف على المشاريع ويقدم التمويل على دفعات بعد عمليات التحقق المستقلة لكل مرحلة من أجل التعويض عن مخاطر الفساد العالية في لبنان».

«أسباب موجبة»

ارتكزتْ توصيات البرلمان الأوروبي على حيثياتٍ موسّعة فنّدها في 20 فقرة في صيغة«حيث إن»وأبرزها تناول:

-«الانسداد السياسي المستمرّ منذ فشل الرئيس نجيب ميقاتي في تشكيل حكومة بعد الانتخابات النيابية في مايو 2022 التي خسر فيها حزب الله وحلفاؤه الغالبية، وهو الواقع الذي استمر حتى انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لتصبح البلاد في عهدة حكومة تصريف الأعمال».

- لجوء «حزب الله» وحركة «أمل» والتيار الوطني الحر«إلى تكتيكات غير دستورية لمنْع إنجاز التصويت في البرلمان على انتخاب رئيسٍ، ومنها تطييرهم النصاب بعد الدورة الأولى للحؤول دون انتخاب مرشّح المعارضة، ورفْض الرئيس نبيه بري عقد جلسات مفتوحة ومتتالية لانتخاب الرئيس، وهو ما أدى إلى عرقلة إتمام الاستحقاق منذ 10 أشهر في وقتٍ لبنان بأمس الحاجة لرئيس لتطبيق الاصلاحات الضرورية ومنْع الانهيار الشامل.

- عرقلة التحقيق المحلي في انفجار مرفأ بيروت بسبب إساءة استخدام السلطة من لاعبين سياسيين بمَن فيهم حزب الله وحلفاؤه، والفساد المزمن وسوء الإدارة والإهمال وهيكلية الإدارة في المرفأ التي سمحت بتخزين عشوائي للنيترات لمدة 6 سنوات قبل انفجارها رغم التحذيرات من مسؤولين محليين. والهجوم من «حزب الله» و«أمل» خلال تظاهرةٍ في 14 أكتوبر 2021 ضدّ المحقّق العدلي القاضي طارق بيطار على منطقة عين الرمانة وحزب القوات اللبنانية الذي يدعم التحقيق.

- توثيق عيوبٍ ممنهجة في التحقيق المحلي تجعله غير قادر على توفير العدالة، بما في ذلك تدخلٌ سياسي نافر ومنْحُ حصانة لمسؤولين سياسيين كبار وعدم احترام القواعد التي تتيح الوصول الى محاكمة عادلة، ما يجعل من الضروري تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية يؤذن لها بالعمل من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة.

- جريمة قتل رئيس شعبة الجمارك السابق في مرفأ بيروت العقيد جوزف سكاف في 2017 هو الذي سبق أن حذّر في 2014 ووفق التسلسل الهرمي الإداري من مخاطر تخزين المواد الكيميائية.

وقتْل المصور جو بجاني في ديسمبر 2020 هو الذي كان صوّر العنبر (12) قبل الانفجار وبعده وسُرق هاتفه.

وقتْل الناشط والكاتب لقمان سليم في فبراير 2021 بعد 10 أيام من اتهامه «حزب الله» بتزويد نظام بشار الأسد بنيترات الأمونيوم.

- عرقلة عمل القاضي بيطار وقضاة آخَرين يعملون في الملف بـ 21 دعوى قضائية ضدهم، وغالبيتها من سياسيين قريبين من«حزب الله»وحلفائه، ما أدى لتعليق التحقيق منذ ديسمبر 2021.

- الملاحقة القضائية لرياض سلامة الصادرة بحقه مذكرة توقيف دولية بطلب من فرنسا وألمانيا في تهم تبييض أموال وتزوير واختلاس والمشاركة في منظمة إجرامية، هو الذي رفض التهم الموجهة إليه والاستقالة وتنتهي ولايته في 31 يوليو.

- التحقيقات في موناكو في قضية تبييض أموال ضد ميقاتي، الذي يَظهر أيضاً في «أوراق باناما».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي