أميركا تستخدم سياسة «عصا» الذخائر وجزرة «الناتو» لـ... إبقاء أوكرانيا على اندفاعها

مساعدات عسكرية أميركية لأوكرانيا
مساعدات عسكرية أميركية لأوكرانيا
تصغير
تكبير

تنعقد في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، قمة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) قبل أيام من انعقاد اجتماع وزراء الدفاع للحلف المقرر في بروكسيل (بلجيكا)، لبحث انضمام أوكرانيا إلى النادي العسكري الغربي. ومن شأن أي قرارٍ سيَصدر عن القمة، إما أن يحدّد زمن الحرب الدائرة بين أميركا وروسيا على الأرض الأوكرانية وإما إطالة أمدها إلى أَجَل غير مسمى، رغم أن إمكان انضمام أوكرانيا يبدو أنه مازال بعيد المنال.

من الطبيعي أن تتمنع دول الحلف عن انضمام أوكرانيا إلى صفوفها، لأن ذلك من شأنه وضْع دول الحلف الـ31 في مواجهة مباشرة مع الجيش الروسي، وفق دستور «الناتو». إذ إن البند الخامس يحتّم على دول التحالف العسكري الغربي التضامن في ما بينها إذا تعرض أي عضو للهجوم أو للخطر العسكري المباشر.

ورغم عدم تنفيذ هذا البند يوم كان الصِدام الروسي - التركي شبه حتمي في سورية عام 2015 - عند إسقاط أنقرة، طائرة روسية واعتبار التدخل غير ضروري - إلا أن الوضع القائم اليوم أخطر بكثير.

فالجيش الروسي لن يَستخدم السلاح الكلاسيكي في حال المواجهة مع دول الحلف لأنه لا يستطيع منافسة جميع أعضاء «الناتو» متّحدين، بل ان السلاح النووي سيكون على الطاولة وبقوة.

وهذا الاحتمال لا تريده أميركا ولا يقع ضمن أهدافها التي تنصّ على إرهاق روسيا عسكرياً واقتصادياً في حربٍ طويلة يدفع أثمانَها الباهظة الجيشُ والبنية التحتية الأوكرانية بالدرجة الأولى.

إضافة إلى ذلك، فإن جيش أوكرانيا المُنْهَك واقتصاد البلاد المدمَّر لن يشكلا قيمةً إضافية لحلفٍ يملك أكثر من ألف كيلومتر حدوداً مباشرة مع روسيا من جهة فنلندا.

وتالياً فإن نداء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالطلب من «الناتو» استخدام السلاح النووي كضربةٍ استباقية لن يجد أي صدى لدى أميركا التي تقود الحلف وأعضاءه، وستوجّه الحرب إلى الاتجاه الذي تريده من دون إخراج موسكو عن طورها.

إذاً، فإن أعضاء «الناتو»، خصوصاً الدول الأوروبية الغربية (وليس الشرقية الموالية والمخلصة لأميركا عدا المجر)، لن تندفع نحو صِدام نووي مع روسياً.

أما الأسباب الإضافية لذلك، فتتمثل في أن أوروبا تحتضن أكثر من 150 قنبلة نووية أميركية، ضمن قواعد عسكرية عدة تملك الولايات المتحدة السيطرة الكاملة عليها.

من هنا فإن أي ضربة نووية ستوجَّه - إذا حصلت وهو أمر مستبعَد في هذه المرحلة - من الأراضي الأوروبية الأقرب لروسيا والتي من الطبيعي أن يرد عليها الكرملين. فأميركا لن تخاطر بضرب روسيا من الأراضي الأميركية كي لا تتسبب بالرد الروسي على أراضيها.

وتالياً لا يوجد أي رئيس أو صاحب قرار أوروبي يستطيع الموافقة على المشاركة في ضرب روسيا من أراضيه حتى ولو امتلكت أميركا الهيمنة على البلاد وقرار الضربة النووية.

وأوروبا اليوم تترنّح تحت عبءٍ اقتصادي هائل واضطرابات داخلية تولد تململاً من السكان والمسؤولين.

وتالياً فإن خطوةَ دعْم أوكرانيا، ولو بضغطٍ أميركي كبير، كلفت الكثير من شعبية المسؤولين وميزانية الخزينة الأوروبية التي تشارف على الإفلاس كما أكد رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان بعد اجتماع رؤساء الدول الأوروبية الأخير في بروكسيل. لذلك فإن الموافقة على الانخراط في حربٍ عسكرية مباشرة مع روسيا يعني أن أوروبا تدخل في طريق اللاعودة والدمار المتبادَل الفظيع. وهذا ما لا يجذب شهية أي دولةٍ في القارة الأوروبية.

أما أميركا، فقد حصلت على بعضِ ما تريد تحقيقه: فقد دخلت فنلندا إلى «الناتو». وها هي السويد تقف على الباب وتتحضّر للدخول، حين يوافق الكونغرس على تحديث الأسطول الجوي لتركيا كشرطٍ غير معلَن من أنقرة للموافقة على انضمام السويد وإعادة الحياة إلى الحلف لبضع سنوات مقبلة.

إلا أن واشنطن لم تنجح في تركيع موسكو، بل قرّبتْها إلى الصين ودول متعددة أخرى، وخسرت الهيمنة الكاملة على العالم التي كسبتها في الثمانينيات. وأصبحت منبوذة - كما يقول البروفسور الأميركي جون ميرشايمر - وتُعتبر «الصبي الأزعر الذي يبتعد عنه الجميع الذين يجدون بدائل أخرى لينزعوا سيطرته ويتحالفون مع شركاء لا يعملون لاستغلالهم وتدميرهم».

وها هي أميركا تقدّم العصا لأوكرانيا وتُسَلِّمُها جميع أنواع الأسلحة بما فيها القنابل العنقودية لتستمرّ الحرب وتتسبب بخسائر أكثر في صفوف الجيش الروسي الذي استطاع وقف الهجوم المضاد من الجانب الأوكراني الذي يفقد الذخائر والرجال والحظوظ لإحداث خرقٍ ما يدفع روسيا إلى الهزيمة والجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وترفض أميركا أي مفاوضاتِ سلامٍ لغاية اليوم، إن كان من خلال الواسطة التركية أو الأفريقية أو أي محاولة أخرى لإنهاء الصراع لأنها تعتقد أن روسيا مازالت قادرةً على إعادة بناء قدراتها العسكرية والاقتصادية وانها لن ترضخ ولن تخسر الحرب.

وتالياً، فإن أي أفق لوقف القتال مرهون باستحالة أن تستمر أوكرانيا في الحرب. وتستطيع أميركا إبقاء الصراع خارج إطار التدخل المباشر والعلني للحلف والابتعاد عن ضمّ أوكرانيا إلى صفوفه والإبقاء على محاولة استنزاف روسيا على المدى الطويل.

إلا انها لا تريد للكرملين أن يَخْرُجَ عن روعه ويتوجه لاستخدام أسلحة أكثر فتْكاً تستطيع إنهاء الصراع في شكل أكثر تدميراً.

وتالياً فإن خطوة تسليم أوكرانيا أسلحة محرّمة من أكثر من 100 دولة (مسموحة من أميركا وروسيا) لا تشكل خطوة استفزازية لموسكو. وحتى إذا قررت أميركا تسليم أوكرانيا ذخائر معالَجة نووياً، فإن ذلك من شأنه دفْع روسيا لاستخدام أسلحة مماثلة من دون الذهاب أبعد من ذلك.

إذاً، فإن تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان ان «أوكرانيا تستحق الدخول في حلف الناتو» ما هو إلا مبادرة سياسية تركية لعلمه أن معظم أعضاء الحلف لن يوافقوا على هذه الخطوة.

وتالياً فإن قمة فيلنيوس ستعطي الكثير من الوعود الإيجابية بدعم أوكرانيا وتسليمها أسلحة وذخائر وبأحقية كييف في أن تصبح عضواً كاملاً ولكن إبقاءها خارج الباب ضروريّ للأمن القومي الغربي.

إن الوعودَ الإيجابية من دون أن تواكبها إجراءات تنفيذية مُجَدْوَلَة لم تتسبب يوماً بحربٍ نووية وسَتُبْقي الصراع العسكري تحت السيطرة.

انها سياسة أميركا بوضع الجزرة لكييف وتقديم وعود لها وأملاً غير واقعي بضمّها إلى «الناتو» لتبقى أوكرانيا على اندفاعها وتقدّم أبناءها على المذبح الأميركي وأهدافه.

أما كييف، فهي التي من المقدَّر لها أن تخرج فارغةَ اليدين لأنها قبلتْ طوعا الدمار الذاتي ولن ينفعها الندم يوم ينجلي غبار المعركة وتتوقف قرقعة الأسلحة لتستيقظ على حقيقة وضعها المُر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي