الغربة... هل هي جزء من الحل مُستقبلاً ؟

تصغير
تكبير

كتب الشاعر جمال الساير، تغريدة قبل أيام يشكو أنّ ابنته خريجة هندسة بترول تجلس في المنزل منذ ثلاث سنوات بانتظار وظيفة، وتألّم عندما وصلته رسائل تشاركه الهمّ من مواطنين ومواطنات في انتظار منذ ست سنوات فرص العمل لفلذات أكبادهم بعد أن تحطم بعضهم، والبعض الآخر ذهب للقطاع الخاص للعمل بأي وظيفة وليس بتخصصه، ويستغرب بأن القبول بمؤسساتنا التعليمية ما زال مفتوحاً لهكذا تخصصات وغيرها، رغم أن لا مكان لها في سوق العمل.

وفي الأسبوع نفسه، نشر مركز الشال تقريره الأسبوعي بعنوان: بطالة الشباب كارثة مُحدقة، ومصير الأجيال أمانة في رقاب أصحاب القرار، واستدامة البلد مستحيلة في زمن تنحسر فيه أهمية النفط، فهناك 443 ألف مواطن قادمون إلى سوق العمل.

وبناءً على إعلان حديث من ديوان الخدمة تبين أن هناك 14 تخصصاً لا يوجد لها احتياج، منها تخصصات الهندسة في مجال البترول والصناعة الكيميائية والميكانيكية والفقه والسياسة الشرعية والفلسفة والعلاقات الدولية والتاريخ والإعلام والجغرافيا.

دول أخرى خليجية بادرت بتوطين عدد من المهن لاستيعاب مُخرجات التعليم حيث لا حلول أخرى ونجحت في جانب، نحن اكتفينا بحل دعم العمالة وهو حل موقت، أو الزج بمخرجات في إدارات حكومية لكن بلا عمل لهم ببطالة مقنعة بلا عائد.

اذكر بعد التحرير بسنتين دخل مكتبي شاب أعرف أهله وكنت آنذاك مديراً لقسم توظيف، وكان محمد يبحث عن فرصة عمل أفضل، وأوضحت له أنه يعمل في إدارة حكومية مرموقة قال: «نعم ولكن وجدت نفسي أضع أوراقاً في ملفات فقط»، وفهمت منه أنه عمل في أميركا بعد تخرجه في شركة كمبيوتر، لكنه فضل أن يعود للكويت، بعد فترة قصيرة سألت عن محمد وعرفت أنه عاد لأميركا ليعمل في شركة كمبيوتر مرموقة وتزوج هناك ولم يعد للكويت ليومنا هذا.

قد يشابه وضعنا في الكويت وضع لبنان، لبنان مُشابه لنا بالمساحة لهذا صعب على البلد استيعاب كل الناس وإيجاد لهم فرص عمل بالداخل، لهذا كانت الهجرة هي الحل حيث لأسباب عدة منها الاقتصادية والوضع السياسي، لهذا أجاز القانون للمغترب الاحتفاظ بجنسيته، ووفقاً لجريدة الشرق الأوسط هناك ما يقارب من 12 مليون لبناني يعيشون بالخارج بينما في الداخل تبقى أربعة ملايين، فهل ستسمح الدولة مستقبلاً لمواطن ما بازدواج الجنسية، لأنها لن يعد بمقدورها توفير فرصة عمل له، رغم أن الغربة ليست جديدة على أبناء البلد، ففي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي كان الكثير من المواطنين يبحثون عن الرزق في الهند وعدن وغيرها.

نختم بهذه الحكاية التي رواها صديق أثق به، يقول مسؤول في إحدى سفارات الكويت في عاصمة أوروبية في فترة السبعينات لاحظ أنه في كل عيد وطني يأتي شخص أجنبي للسفارة ويقدم علباً من الحلوى ويمشي ولا يترك اسمه، وفي أحد الأيام طلب المسؤول أن يحجز هذا الشخص لمعرفة من هو ولماذا كل سنة يقدم ما قدمه؟، وفعلاً عند قدومه تم حجزه ومعرفة من هو، وفهم منه أنه مواطن أوروبي كبير بالسن، لكن كانت المفاجأة أن اسمه عربي بل كويتي ويتكلّم لهجتنا، وكشف حقيقته بأنه كويتي كان يعيش في الخمسينات في الكويت وبعد تخرجه في الثانوية أرسل طلبات عدة لجامعات أوروبية للدراسة ووصلته موافقة من إحدى الجامعات وسافر ودرس بالجامعة وأجاد اللغة وتخرّج طبيباً وكوّن أسرة وأصبح له مكانة في مجتمعه ولم يعد للكويت.

قضية فرص العمل لآلاف الخريجين تؤرق أولياء الأمور، لكن لا نجد أصواتاً حكومية أو في المجلس تبحث عن حلول أو اتخاذ قرارات ولو كانت مؤلمة لقطاعات في السوق، لهذا ندور في حلقة مفرغة، وننتظر الزمن لحل هكذا أزمة تكبر ككرة الثلج، رغم أننا لا نتمنى أن تكون الغربة هي جزء من الحل لأبناء هذا الوطن، لو أننا نعرف العشرات من الشباب استقروا بالخارج ونعرف الكثيرين بالاسم، لكن نتنظر بارقة أمل... لحل ما، لو أن يكون جزءاً من الحل.

ما نعنيه بكل الأحوال لن تتمكن الدولة في الكويت من حل تلك الإشكالية بالنظرة المحدودة للتعليم، كونه تثقيفاً وليس تعليماً لتلبية حاجة المجتمع والسوق، وما أقوله: إن المدارس والجامعات هي مصانع، تصور مصنع ينتج مُنتجاً لا يحتاجه الناس... ما هو مصير ما ينتجه؟، ناهيك على أن الذكاء الاصطناعي الذي اقتحم عالمنا من دون مقدمات سيلغي آلاف الوظائف!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي