دراسة شخّصت واقعها الحالي برؤية نقدية تضمّنت استطلاعات ميدانية لأساتذة الكليات
غياب الحوكمة أخّر جامعة الكويت... تصنيفاً ومخرجات
خلُصت دراسة حديثة إلى أن غياب تطبيق معايير الحوكمة يعد من أبرز الأسباب التي أثرت سلباً على جامعة الكويت سواء من حيث التصنيف أو المخرجات العلمية والبحثية.
وشخصت دراسة تحت عنوان «معايير الحوكمة والإدارة الرشيدة» أعدها أعضاء هيئة التدريسِ في جامعة الكويت الرؤساء السابقون للجمعية كل من الدكتور عبدالله سهر والدكتور إبراهيم الحمود والدكتور فلاح الهاجري، الواقع الحالي لجامعة الكويت، برؤية نقدية تضمّنت استطلاعات ميدانية لأساتذة الجامعة.
وأظهرت الدراسة أنّ الجامعة لا تلتزم بمعايير الحوكمة، وعلى رأسها الشفافية والمشاركة في القرار والاستقلالية واللامركزية، مبينة أن استطلاعات الرأي العام كشفت أنّ هناك استياءً كبيراً بين أعضاء هيئة التدريس إلى جانب أن هؤلاء الأعضاء الأغلبية الكبيرة منهم يرون أنّ المناصب في جامعة الكويت توزع دون مراعاة لعنصر المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص. وانتهت الدراسة إلى مجموعة من الخطوات الإصلاحية المطلوبة ليكون لجامعة الكويت محل يليق بها في دائرة المنافسة العلمية، ولكي تستعيد مكانتها كمصنع رئيسي للتنمية والنهضة في الكويت ولخدمة مجتمعها.
إصلاح الجامعة
رأت الدراسة أن جامعة الكويت هي إحدى مؤسسات الدولة العلمية الأبرز والأهم، وعلى الرغم من احتوائها على نخب علمية وأكاديمية متخرجة من أفضل الجامعات العالمية، إلا أن أداءها وتصنيفها آخذ بالانحدار ما يشكّل ظاهرة تناقض المدخلات مع المخرجات. وبالتالي، يمكن القول إن هنالك ثمة عمليات غير متجانسة وعوامل غير طبيعية تتم داخل الصندوق المؤسسي تؤدي إلى إشكاليات تنعكس على المكونات والمخرجات. ولا شك أن البيئة الداخلية في الجامعة والخارجية التي تتضمن السلطات الرسمية ذات العلاقة بالمؤسسة علاوة على المجتمع يشكلون عوامل ضاغطة من شأنها أن تؤثر على ظاهرة التناقض التي أشارت لها.
ورأت أن كل تلك العوامل التي تتمثل بالتدخلات والضغوطات والتيارات والتسييس والشخصانية، تنعكس على الإدارة، باعتبارها الجهة المسؤولة عن توظيف العناصر المادية والبشرية لبلوغ الأهداف المؤسسية. وباختصار يمكن القول إن جامعة الكويت تعاني من عدم وجود إدارة رشيدة، إذ ليس بمقدورها أن تطبق معايير الحوكمة المطلوبة في التطوير المؤسسي. فلا مندوحة من أن يكون لدينا تلك الظواهر والمشاكل وتواضع الأداء كنتيجة حتمية لغياب الإدارة الرشيدة بالمعنى العلمي.
وبناء عليه، رأت أن إصلاح جامعة الكويت بحاجة إلى عمليات «جراحية» كبيرة وليس الاقتصار على تبني سياسات ترقيعية موقتة وجزئية لا تؤدي للتطوير، أكثر من أنها تكرس التراجع وتخفي الأمراض تحت وسادة السلطة الإدارية.
ومن واقع السرد الوصفي والطرح التحليلي والاستدلالي البياني الذي سبق يتبين أن هناك فجوة كبيرة بين الأهداف والغايات التنموية والاستراتيجية وبين الواقع والأدوات والأساليب التي يتم استخدامها في تقويم العمل المؤسسي في جامعة الكويت. فهناك بون شاسع بين معايير الحوكمة والإدارة الرشيدة وبين الحقائق الماثلة على صدر الواقع.
استطلاع الرأي
كشفت الدراسة أن الاستطلاع الذي تمت الاستعانة به، يبين الفجوة بين معايير الحوكمة والإدارة الرشيدة وبين الحقائق الماثلة على صدر الواقع. ومدى شعور أعضاء الهيئة الأكاديمية من أساتذة ومدرسين مساعدين ومدرسي لغات وفنيين، بالمشاكل المحيطة بهم في البيئة الجامعية، ما يخلق شعوراً كبيراً بالإحباط وانحدار الروح المعنوية المطلوبة في أي مؤسسة، لا سيما الجامعات والمؤسسات العلمية للنهوض بها ولخلق بيئة للإبداع والتطوير.
ورأت أنّ نتائج الاستطلاع صريحة واضحة، ولكن لا بأس بتسليط الضوء عليها وقراءتها على نحو دقيق، وربطها بالوصف التحليلي الذي تم توضيحه، والذي انتهى بالفجوة الكبيرة بين معايير الحوكمة والإدارة الرشيدة مع الواقع العملي في جامعة الكويت.
إنه وعلى الرغم من إن الاستبيان قد ساهم به 33 في المئة ممن تبوأ منصباً قيادياً لمرة واحدة، و17 في المئة ممن حصل على المنصب القيادي أكثر من مرة واحدة، إلا أن 4 في المئة فقط ممن يرون بأن الحصول على المنصب القيادي قائم على أُسس عادلة و27 في المئة يرونه بأنه نوعاً ما أي لديهم شك في ذلك، بينما 68 في المئة لا يرون أسس العدالة مطبقة لتبوؤ المنصب القيادي. و6 في المئة فقط ممن شملهم الاستبيان يعتقدون بأن لجان الاختيار للمناصب موضوعية، و25 في المئة يرون بأنها نوعاً ما موضوعية، بينما 59 في المئة يجدونها غير موضوعية.
أما في ما يتعلق بالتدخلات السياسية والاجتماعية والضغوط الخارجية على الإدارة الجامعية، فهناك 65 في المئة يرون بأن ذوي المناصب لا يعملون باستقلالية، بينما 3 في المئة فقط يرون بأنهم يعملون باستقلالية، أي أن الكثير ممن تبوأ منصباً قيادياً وشارك في الاستبيان، يقر بأنه قد تعرّض لضغوط وتدخلات، وهو ما قد يوافق شعور 83 في المئة من العينة الذين يعتقدون أن هناك ضغوطاً على الإدارة الجامعية ونسبة 74 في المئة يرون بأن الإدارة الجامعية ترضخ لهذه الضغوط. وهذه النتائج تؤكد أيضاً على عدم وجود الاستقلالية الأكاديمية في الجامعة التي تتطلبها معايير الحوكمة.
أما في ما يتعلق بالحريات الأكاديمية، فلقد أجاب بنعم 79 في المئة من أفراد الهيئة الأكاديمية والهيئة الأكاديمية المساندة، أي أنّ كل من أجاب بنعم يرى بأنه قد تعرّض لموقف لا يتصل بالعدالة والمساواة، و 53 في المئة يشعر بأنه ستتم مضايقته إن أبدى رأيه بصراحة ضد الإدارة الجامعية، وأكد 72 في المئة من العينة بأنه يعرف زميلا له قد تمت معاقبته أو مضايقته بسبب رأيه المعارض لإدارة.
وتلك النتائج تؤكد على تواضع هامش الحرية الأكاديمية أو الشعور بها على أقل تقدير. وبناء على ما سبق، فإن معيار الحرية يعتبر متواضعاً ما يؤثر سلباً على مستوى تطبيق الإدارة الرشيدة التي تتطلب المشاركة بالرأي.
وكشف الاستطلاع أن 73 في المئة يعتقدون بأن هناك معايير مزدوجة للترقيات في مقابل 28 في المئة فقط، وهناك 76 في المئة ممن يعتقدون بأن لائحة الترقيات غير منصفة في مقابل 13 في المئة فقط ممن يرون بأنها منصفة.
وقد أبدى 75 في المئة من أفراد العينة بأن العلاقات الشخصية تلعب دوراً في الترقيات، في مقابل 6 في المئة فقط، وهو ما يؤكد غياب تكافؤ الفرص والمحسوبية التي تتناقض مع معايير الحوكمة والإدارة الرشيدة. ونتيجة لذلك الإحساس بعدم العدالة والمساواة وغياب تكافؤ الفرص، فلا غرابة بأن يبدي 61 في المئة من العينة تأييدهم للاحتجاجات مقابل 16 في المئة وللمحايدين 21 في المئة. أما بالنسبة للاعتصامات فهناك تأييد لها بنسبة 54 في المئة في مقابل 24 في المئة وللمحايدين 22 في المئة.
أما في ما يتعلق بالأكثر خطورة وهو ما يتمثل بالاستعداد للإضراب فقد أظهرت النتائج أن هناك ما يقارب 36 في المئة من المؤيدين له في مقابل 37 في المئة وأن المحايدين 27 في المئة.
إنّ هذا الاستعداد الذي يعتري أستاذ الجامعة مؤشر في غاية الخطورة لكونه يقوم بمهمة التعليم العالي وإعداد النشء، فإذا كانت درجة شعوره قد بلغت منه الاستعداد للاحتجاج والاعتصام ونسبة ليست قليلة للإضراب فلا بد وأن يكون مأخوذاً بالحسبان وعلى أنه جرس إنذار مبكر لمتخذي القرارات على مستوى الدولة، وليس على مستوى وزارة التعليم العالي.
مرتكزات تساهم في إصلاح الجامعة
1 - أن يكون للجامعة قيادة وليست رئاسة.
2 - أن يكون للمؤسسة تقييم داخلي وخارجي دوري لاكتشاف المشاكل والتنبؤ بها.
3 - تحقيق استقلالية المؤسسة العلمية مالياً وإدارياً وأكاديمياً.
4 - منع التدخل السياسي بكل أنواعه خاصة في مجال التعيينات بالمناصب.
5 - احترام الحريات الأكاديمية والعلمية وتحصين المؤسسة من التدخلات المؤدلجة أو المتحيزة أو العنصرية.
6 - إلغاء مجلس الجامعات الحكومية أو تعديل اختصاصاته وتركيبته.
7 - تشجيع البحث العلمي بطرق متعددة، كجذب الكفاءات العالمية بعقود خاصة.
8 - الاهتمام النوعي بالطلبة المتميزين بصفتهم أحد منتجات الجامعة.
9 - ترجمة شعار خدمة المجتمع بالواقع وبشكل تفاعي إيجابي عبر الشراكة مع مختلف شرائح المجتمع.
10 - دمج طلبة الدراسات العليا بالعملية البحثية والتدريسية واستخلاص أفضل النخب للاستفادة منهم ككوادر مستقبلية بالجامعة.
11 - منع التدخلات السياسية والممارسات الحزبية أو الفئوية أو أي نوع من أنواع العنصرية والتمييز في أي نشاط أو قرار.
12 - الحد من قوى النفوذ التعليمي ومنع تدوير المناصب القيادية واستغلال السلطة.
13 - المشاركة في القرارات الأكاديمية من خلال القنوات الإدارية واحترام الرأي الفني للأقسام العلمية والكليات.
14 - العمل على نسج شبكة من الشراكات الفاعلة مع المؤسسات النظيرة وذات الصلة داخلياً وخارجياً.
15 - يجب تقييم ومراجعة جميع المناهج التدريسية والمحتويات العلمية وتطويرها بشكل يواكب الحداثة في العلوم.
16 - العمل على مواءمة التخصصات مع سوق العمل من جهة والتطور العلمي والتقني والمسارات العالمية من جهة أخرى.
نتائج الدراسة
1 – افتقار الجامعة لدراسات تأصيلية في موضوعات الحوكمة.
2 – هيمنة البيروقراطية والتراتبية على قراراتها مع انتشار التسييس بإدارتها.
3 – تأثير غياب الشفافية على سوء الإدارة.
4 – رداءة العمل الإداري وتقهقره لتعطيل إدارتها حق الاطلاع وعدم احترام تعارض المصالح.
5 – مثالب خطيرة في قانون الجامعات الحكومية تهدم قواعد الحوكمة.
6 – تغيير الإدارات الجامعية من دون احترام للحياة الأكاديمية.
7 – تدوير المناصب بين ذات الأشخاص وتوريثها بين الإدارات المتعاقبة.
8 – محسوبية وتصفية حسابات في الترقيات بعيداً عن الحيادية والنزاهة.
9 – غياب البيانات والاحصائيات وتغييبها بشكل متعمد لإخفاء المخالفات.
10 – من أهم أسباب تراجع التصنيف الأكاديمي سوء الإدارة، وإخفاء المعلومات وتغييب البيانات.