مناخاتٌ عن أن خيار فرنجية يبقى «الأول والأخير» لفريق الممانعة
ما بعد زيارة لودريان للبنان اليوم كما قبْلها... وعضّ الأصابع يشتدّ
- باسيل على رفْضه انتخاب قائد الجيش: لو حصل اتفاق دولي انصاع له البعض لن أسمح بأن يكون التيار جزءاً من مشروع رئاسي محكوم بالفشل
- تقارير عن لقاء مرتقب بين لودريان وسفراء مجموعة الخمس حول لبنان... وهل يشمل السفير الإيراني؟
تزداد المؤشرات في بيروت إلى أن سيناريو الانتظار «حتى تنقطع أنفاس الآخَرين» الذي نجح في 2016 بإيصال العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا بعد نحو 30 شهراً من الشغور في موقع رئاسة الجمهورية هو الذي يتمسّك به «حزب الله» حتى الساعة إلى أن يتم انتخاب زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية «ولو مهما طال الزمن».
وإذا كان فراغ مايو 2014 - أكتوبر 2016 غُلِّف بشعار دعم استعادة التوازن الطائفي - الميثاقي في المواقع الدستورية الرئيسية الثلاث والسماح بوصول المسيحي الأقوى بهدف تصحيح «وزن» هذا المكوّن في المعادلة الوطنية، فإنّ تَأبُّط «حزب الله» بعد 6 سنوات خيار فرنجية يرتبط بـ «ميزانٍ» سياسي صرف لم يمانع معه فريق الممانعة الاصطدام الصريح بكل الواقع المسيحي وإدارة الظهر له سواء في شبه إجماع أحزابه الأكثر تمثيلاً، بما فيها «التيار الوطني الحر» (حزب عون) على رفْض انتخاب زعيم «المردة»، أو في تَلاقيهم أنفسهم على دعْم مرشح آخر هو الوزير السابق جهاد أزعور.
وإذا كان رئيس «التيار الحر» النائب جبران باسيل أكثر من وصّف هذا البُعد بكلامه (عبر شاشة ال بي سي آي ليل الاثنين) عن «ان عنوان معركة الرئيس عون كان إعادة التوازن، أما عنوان دعم المرشح الآخَر اليوم فهو إعادة كسر التوازن باختيار شخص لا يعبّر عن توجُّه التوازن... والقصة عندنا قصة وجود كي لا نعود إلى الوراء»، فإن العارفين بخفايا موقف «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري يعتبرون أن هذا الفريق حَسَم خياره بالذهاب حتى النهاية في الإمساك بيد فرنجية إلى أن يفتح باب قصر بعبدا.
ووفق هؤلاء فإن «حزب الله» وبري في هذا الموقف الثابت لن يتوقفا عند أي اعتبارات، ولا سيما أن الحزب يرى أنه لم يعد بحاجة إلى «فحص دم» في مدى حرصه على المكوّن المسيحي الذي دَعَمَهُ في قضايا محقّة مثل رئاسية 2014 لدرجة وقوفه بوجه شريكه في الثنائية الشيعية (بري) رغم الحساسية الكبرى لهذا الأمر، كما سانده حتى في معارك سُلطوية تتصل بالحكومات والحصص «الشخصية» فيها والحقائب، وفق ما ذكّرت مراراً مناخاتٌ قريبة من «الممانعة».
وليس عابراً أن تسود هذه الأجواء عشية وصول وزير الخارجية الفرنسي السابق جان - إيف لودريان الى بيروت اليوم في مستهل مهمة معقّدة كلّفه بها أخيراً الرئيس ايمانويل ماكرون بوصفه «موفده الشخصي» واعتُبرت بمثابة اعترافٍ من باريس بفشل مبادرة دعم ترشيح فرنجية مقابل تولي نواف سلام (قريب مما كان يُعرف بقوى 14 مارس) رئاسة الحكومة، بعدما قوبلت برفضٍ مسيحي كبير ولم تلقَ حماسةً دولية.
وبحسب المطلعين على كيفية مقاربة فريق الممانعة الملف الرئاسي، بالأمس واليوم وغداً، فإن ما بعد زيارة لودريان سيكون كما قبْله اياً كانت طبيعة مهمة الأخير، استطلاعيةً بحت أم بمثابة «جس نبض» لطروحاتٍ جاهزة تُكشف لاحقاً ولو من دون التخلي الصريح عن خيار فرنجية.
ورغم إقرار هؤلاء بأن تشكيل باريس - بواقعيّتها ورغبتها في الشبْك مع طهران لِما بعد إحياء الاتفاق النووي - رافعةً لدعم فرنجية كان المدماك الأول في حملة تسويقه دولياً، وأن تبنّي قيادة «حزب الله» ترشيحه علناً تم بناء على تمنٍ فرنسي على الرئيس بري بالمجاهرة بهذا الدعم لينطلق قطار مبادرة الاليزيه، فإنهم لا يتوانون عن التذكير بأن ثمة إدراكاً حقيقياً لمحدودية التأثير الفرنسي في الواقع اللبناني وأن ملاقاة باريس موْضعياً في موضوع فرنجية لا تعني أن ثمة مَن سلّفها أو سلّم لها بدورٍ مقرِّر لبنانياً، بمقدار ما ان البوابة الفرنسية التي جاءت «على طَبَقٍ من فضة» يُستفاد منها بطريقة أو أخرى سواء كـ «نافذة» على الولايات المتحدة أو كقناة إضافية مع عواصم اقليمية، بهدف تزكية «الخيار - الهدف» رئاسياً.
ويعتبر هؤلاء أن الحزب الذي أشْهَرَ «الصبر الاستراتيجي» وسبق لرئيس كتلة نوابه محمد رعد أن أطلق سباق «النفَس الأطول» والذي يسعى لاقتياد الجميع الى طاولة حوار لإقناعهم بخيار فرنجية، مستعدّ للانتظار طويلاً إلى أن يفقد الرافضون أو الذين يقفون على الحياد في الداخل والخارج صبرهم ويبدّلوا موقفهم، مع إشاراتٍ إلى عدم استعداد الحزب للبحث في أي خيارات غير فرنجية، بما في ذلك قائد الجيش العماد جوزف عون، بعدما استوعب نتائج جلسة الاربعاء الماضي الانتخابية وتعاطى مع خسارة فرنجية أمام أزعور بثمانية أصوات في الدورة الأولى (تم تطيير نصاب الثانية) على أنه فوز سياسي لمرشحه الذي نال 51 نعم متجانسة وثابتة وقابلة للارتفاع مقابل 59 صوتاً «من كل وادي عصا» لأزعور الذي بدأ داعموه يتفرّقون بدليل كلام باسيل عن عدم القدرة على إيصال أزعور.
وكان باسيل أعلن «ان لا فريق الممانعة ولا المواجهة ولا نحن قادرون على الاتيان برئيس ولا أن ينجح إذا أتى بهذه الطريقة ومن هنا استراتيجيتنا هي التوافق، واي انتظار هو مميت وقاتل أكثر للشعب اللبناني. والجلسة الأخيرة كرست أن مَن كان يقول ان لديه مرشحاً يملك 65 صوتاً لم يكن على حق... ونحن أيضاً لو حصلنا على 65 صوتاً هل كنا سنعلنه رئيساً؟ طبعاً لا. علماً أن كثيرين لم يحسموا رأيهم هذه المرة لأنهم لم يعتبروا الجلسة نهائية».
وإذ أكد رداً على سؤال «ان القطريين يطلبون حلاً»، لافتاً إلى «أن العماد جوزف عون من الأسماء المطروحة لكن لا أرى أنه ينطبق عليه المشروع الاصلاحي»، قال «هل يمكن لحكومة تصريف أعمال أن تعدّل الدستور لانتخاب قائد الجيش؟ وفي حال حصل اتفاق دولي انصاع له البعض أنا لن أسمح بأن يكون التيار الوطني الحر جزءاً من مشروع رئاسي محكوم بالفشل».
واعتبر «أن الاتفاق الحالي بين المسيحيين هو بداية وأنا لا أفرض شيئاً كما يقال ونحن محكومون بالذهاب الى البرنامج... الازمة الوجودية تتطلب الاتفاق على الاستراتيجيات والخطوط العريضة وعلى كيفية إدارة الاختلاف على الأمور الأخرى... وبكل الأحوال لا يجوز أن نتفق مسيحياً وان ننكسر... إما هناك شراكة أو نكون نذهب الى تعميق الأزمة أكثر».
وأضاف: «القصة ان نسلم جميعاً بأن التمسك باسم وحيد من جهة أو بمرشح يكسر الآخَرين من جهة أخرى لا يمشي وعلينا الذهاب الى طريقة أخرى... نحن ووليد جنبلاط يمكن أن نتكامل لا أن نتنافس في القيام بدور صلة الوصل مع الجميع».
وعن جلسة الأربعاء الرئاسية والانقسام داخل «التيار الوطني الحر» حول قرار التصويت لأزعور، قال باسيل: «سنتخذُ الإجراءات اللازمة بحق مُخالفي قرار التيار الخاص بالتصويت لأزعور».
في موازاة ذلك، اكتملت التحضيرات في بيروت لاستقبال لودريان، الذي يُتوقَّع أن تنطبع مهمته بطباعه التي سبق أن عبّرت عن نَفَس هجومي تقريعي للطبقة السياسية اللبنانية في عزّ بدايات الانهيار المالي وبعد الأزمة الحكومية التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت حين خاطبهم بلغة التحذير من زوال لبنان «التايتنيك التي تغرق ولكن حتى من موسيقى».
وعُلم أن لقاءات لودريان الذي يجتمع بالرئيسين بري ونجيب ميقاتي والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وقادة الأحزاب ويعقد لقاء مع ممثلي الكتل النيابية في قصر الصنوبر الجمعة، ستشمل فرنجية وقائد الجيش وربما الوزير السابق زياد بارود وأزعور إذا كان في بيروت وإلا قد يجتمع به «عن بُعد».
وفيما ذكرت تقارير احتمال أن يلتقي لودريان أيضاً الجمعة سفراء مجموعة الخمسة حول لبنان التي تضم المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وقطر ومصر وفرنسا، أعلن النائب مروان حماده «أن اللقاءات ستشمل سفراء الدول العربية والسفير الإيراني والقائم بالأعمال السوري».