مواقف معارِضة تستبق وصول لودريان بتمنّي ألا تقف باريس بوجه إرادة اللبنانيين
لبنان: جلسة «تشريع الضرورة» مرّت بين التقاطعات الرئاسية
- مهمة لودريان شائكة وكلٌّ يقرأها... في دفتره
... «فَتِّشْ عن الاستحقاق الرئاسي». عبارةٌ باتت تنطبق على أي مسارٍ يسلكه ملفٌّ أو زيارةٌ أو تحرُّك، في تعبيرٍ عن حال اللا يقين التي تطبع الأزمةَ الرئاسيةَ التي بدا أن ثمة تسليماً داخلياً بأن الاستعصاءَ اللبناني المتمادي الذي يَحْكُمُها منذ نحو 8 أشهر «شرّع البابَ» لدخولِ الخارج على خط محاولة تسريع الحلول على قاعدة «آخِر الدواء»، ومن دون أي ضماناتٍ بأن تكون ظروفُ التفاهم المتعدّد الطرف الاقليمي - الدولي متوافرةً أو أكثر سهولة في ضوء الحاجة إلى شبْك تقاطعاتٍ فوق «رقعة شطرنج» متموّجة، فيها «البارد حديثاً» والساخن والـ «ما بين بين».
وهكذا تحوّلتْ مشهديةُ الجلسةِ التشريعيةِ الخاطفةِ التي عَقَدَها البرلمان أمس محط رصْدٍ «موصولٍ» بالأبعاد التي عبّرتْ عنها جلسة الأربعاء الماضي الانتخابية، وهي حجبتْ جزئياً الأنظارَ عن الزيارة البارزة التي يبدأها غداً لبيروت وزير الخارجية الفرنسي السابق جان - ايف لودريان موفداً شخصياً للرئيس ايمانويل ماكرون في مسعى لإطلاق ديناميةٍ جديدة في الملف الرئاسي «على أنقاض» موْقعة 14 يونيو التي بدا أن كلاً من تَقاطُع غالبية المعارضة – التيار الوطني الحر وفريق «الممانعة» أفرغا فيها كل ما في جعبتيْهما من أوراق معلَنة ومستورة كما من «أسلحة» سياسية وبعضها من العيار الثقيل ليصطدما بالجدار المسدود نفسه وإن مع تبدُّلٍ في أفضلية التموْضع عليه لـ «قوى التقاطُع».
فالجلسةُ التشريعية، وهي الثانية يعقدها البرلمان في كنف الشغورِ الرئاسي تحت عنوان «تشريع الضرورة» بعد محطة 18 ابريل حين أُقرّ التمديدُ للمجالس البلدية والاختيارية، مرّت وفق المتوقَّع و«المرسوم» لها ولم تستغرق أكثر من نصف ساعة تم خلالها تمرير اقتراحيْ قانونيْ فتْح اعتمادات لتغطية إعطاء تعويض موقت لجميع العاملين في القطاع العام وللمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي إضافة الى زيادة تعويض النقل لموظفي الدولة، وفتح اعتماد لتغطية نفقات إعطاء حوافز مالية وبدل نقْل لاساتذة الجامعة اللبنانية.
وبعيداً من البُعد التقني لهذه الجلسة التي ضمنتْ انسيابيةً في دفْع الرواتب ومتمّماتها للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين حتى نهاية السنة (كان تحويل الرواتب قبل عيد الأضحى مهدَّداً) ووفّرت لأساتذة «اللبنانية» استكمال العام الجاري، فإنّها شهدت تعبيراً نافراً عن واقعٍ سياسي «يختلط فيه الحابل بالنابل» ومحكوم بعوامل متحرّكة، منها التقاطع الظرفي بين غالبية المعارضة – التيار الحر الذي ثبت «بالحضور المشهود» لنوابِ التيار أنه «على القِطْعة» ومحصور بالملف الرئاسي وبهدفٍ أضيق حتى هو إبعاد مرشّح «الممانعة» سليمان فرنجية ما استوجب تلاقياً، ما زال مستمراً حتى إشعار آخَر، على دعْم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، في خطوةٍ حققت الغاية منها بعدما فاز الأخير (في جلسة الأربعاء الماضي) على زعيم «تيار المردة» بالنقاط الثماني أي بـ 59 صوتاً (مقابل 51 فرنجية) ليست كافية لأن يُنتخب رئيساً.
كما أن الجلسةَ التشريعية أمس ظهّرت أن «لا قطْع» نهائياً بين «التيار الحر» وبين الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري، وأن النائب جبران باسيل (رئيس التيار) تفادى ارتسامَ مشهدٍ كان سيُقرأ على أنه بات «في خندق واحد» سياسي مع غالبية المعارضة، وهو ما يحرص على تأكيد أنه غير صحيح رغم «الأضرار» السياسية والـ ما فوق سياسية التي تصيب فريق الممانعة في «معركته» الرئاسية جراء وقوف التيار «على المتراس» نفسه مع معارضي خيار فرنجية.
وإذ غطّى باسيل مشاركة كتلته في توفير النصاب الميثاقي لجلسة التشريع بأن مصالح 400 ألف عائلة تعلو أي حسابات أو اعتباراتٍ أو خلافاتٍ، فإن تياره انبرى إلى هجوم دفاعي بوجه أحزاب المعارضة المسيحية وبعض المستقلين والتغييريين الذين اعتبروا الجلسة غير دستورية «إذ لا يجوز اقرار اعتمادات إضافية في ظل غياب موازنة 2023»، مستغربين أنه «بعد تعطيل الجلسة الثانية عشرة لانتخابات رئاسة الجمهورية من فريق الممانعة، دعا رئيس المجلس لجلسة تشريعية وكأن شيئاً لم يكن»، ومؤكدين «أن موقفنا المتمثل بعدم حضور جلسات تشريعية هو نابع من منطلق مبدئي ودستوري، فالبرلمان، الذي يصادر رئيسه إرادته سعياً الى التطبيع مع الفراغ، لا يمكنه التشريع في ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية بحسب الدستور، وهو يُعد هيئة ناخبة حصراً حتى انتخاب الرئيس».
ففي معرض تفنيده حيثيات قراره المشاركة بجلسة التشريع، أكد تكتل باسيل أن الحضور مرهون بحصر جدول الأعمال ببند الرواتب للقطاع العام، معتبراً أن «هذا الموقف يأتي انسجاماً مع القاعدة التي اعتمدها بحصر مشاركته في تشريع المسائل الضرورية والتي تتعلّق بمصلحة الدولة العليا او بالقوّة القاهرة على الا يتم التوسّع بهذا التفسير».
وإذ أكد التكتل والتيار «انّهم يتفهمون بالكامل موقف الكتل النيابية الداعية الى مقاطعة الجلسة ويشاركونها في الكثير من أسبابها ومقارباتها، الا انّهم يدعونها الى اتخاذ الموقف المماثل مما يحصل في الحكومة (يقاطع وزراء التيار جلساتها)، إذا أرادت هذه الكتل أن يكون لنا موقف عملي واحد حول عدم جواز استمرار التشريع النيابي والعمل الحكومي في ظل الشغور الرئاسي بشكل عادي، مّا يطيل هذا الشغور ويثبّت المعادلة الموضوعة مِن قبل مَن يريد فرض رئيس للجمهورية على أساس إمّا القبول به، او حكم البلد بشكل احادي وبعيد عن الدستور والميثاق».
ولم تكن مفاجئةً مشاركة كتلة النائب تيمور وليد جنبلاط في الجلسة (صوّتت لأزعور في الجلسة الرئاسية) في تكرارٍ لهامش التمايز الذي لطالما اعتمده الزعيم الدرزي (وليد جنبلاط) ضمن أي تموْضُعٍ كما حيال العلاقة مع الرئيس بري التي كثُر الحديث عن اهتزازها - في ضوء اصطفاف الأول الصريح مع أزعور - ولكنها «لم تقع» وقد نجح الرجلان في «تنظيم خلافهما» حول الملف الرئاسي بحيث لا تكون الفوارق سبباً للافتراق.
وفي موازاة اثنين التشريع في البرلمان، بقيت التحريات على أشدّها حيال مَهمة لودريان في بيروت ابتداءً من يوم غدٍ، وسط غموض لفّ ما سيحمله وإن كانت أجندةُ لقاءاته تكشفت عن زيارات سيقوم بها لكل من بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، على أن يجتمع إلى رؤساء الأحزاب والكتل البرلمانية في قصر الصنوبر يوم الجمعة مبدئياً.
وفيما يروّج داعمو فرنجية أن محطة لودريان لن تحمل إشاراتٍ واضحةً إلى أن هذا الخيار الذي رعاه الاليزيه وسوّقه في الأشهر الماضية على قاعدة مقايضةٍ مع رئيس حكومة قريب مما كان يُعرف بقوى 14 مارس (نواف سلام) قد طويَ فرنسياً وأن باريس قد تكتفي بالتلميح إلى أنها باتت منفتحة على طروحات أخرى أيضاً وهذا سيكون كافياً لـ «الممانعة» للرهان مجدداً على «لعبة الإنهاك» واستنزاف الوقت و«معركة النفَس الأطول»، استبقت أطراف معارضة وصول لودريان الذي عُيّن حديثاً في هذه المهمة الشائكة بتمني ألا تقف فرنسا بوجه إرادة اللبنانيين كما عبّرت عنها نتائج جلسة الأربعاء الماضي الرئاسية التي لم يؤيّد فيها 77 نائباً زعيم «المردة».
وإذ بقيت أوساط سياسية على استبعادها أن يحمل لودريان في جيْبه طرحاً اسمياً محدداً بمقدار ما أنه سيقوم بجولة استطلاع «يُبنى عليها» في لقاء «مجموعة الخمسة» المرتقب حول لبنان، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي سبق أن وجّه انتقادات لاذعة لباريس على خلفية موقفها المتبنّي لفرنجية حين سئل عن توقعه من زيارة لو دريان وهل سيؤدي تعيينه إلى تغيير النهج الفرنسي في الملف الرئاسي: «أنتظر ما سيقوله، لكنني لا أتوقع أمراً غير عادي، لا سيما أن المشكلة تكمن في الزعماء المحليين. انطلاقاً من هنا، أشك في تحقيق اختراق على هذا المستوى، ما لم تضغط فرنسا والسعودية على إيران لتدفع حزب الله باتجاه تليين موقفه، وهو أمر غير محتمل».
وعن مقاربة السعودية للاستحقاق الرئاسي لا سيما أنه حليف كبير لها؟ أوضح جعجع «أن السعودية جدية جداً في دعوتها للبنانيين إلى التوافق وانتخاب رئيس جديد للبنان، انما عملياً لا يريدون (السعوديون) التدخل. لكن بعد الانتخابات، سيدلون برأيهم».
وفي السياق نفسه،ذهب نائب «القوات اللبنانية» نزيه متى للتذكير بأن «الفرنسيين طالبوا الأحزاب المسيحية بتوحيد صفوفها وعندما تم ذلك لم يعجبهم الأمر»، مطالباً الإدارة الفرنسية «بالضغط من أجل عقد جلسات متتالية وألا تبرر للفريق الآخر ما يفعله».