«الراي» استطلعت آراء صُنّاع الموسيقى والمختصين بالثورة التكنولوجية التي طالت كل جوانب الفن
كيف سيؤثر «الذكاء الاصطناعي» على مستقبل الأغنية؟
ما قيمة «الذكاء الاصطناعي» ما لم تُقابله عبقرية البشر؟
فلعلّ هذا الاختراع الذي شغل العالم بأسره خلال الفترة الماضية، وأعاد - أصوات الأموات - إلى الحياة، ظلّ يطرح الكثير من التساؤلات المختلفة، عن كيفية العمل به، والتعامل معه!
فكم من شخص قد يخطر في باله سماع أغنية تخصّ مطرباً ما، لكن بصوت مطرب آخر يحبه، وكم من شخص قد يتمنى لو أن تلك الأغنية كانت موجودة في زمنٍ مضى، وغناها الفنان الذي يطربه صوته.
هي كلها من الأماني كانت في زمن ما، ولكنها اليوم ربما نستطيع القول إنها من الأماني التي تحققت في ظل وجود الذكاء الاصطناعي الذي وفّر هذه الخاصية التي تمنح فعل أمور عديدة وبسهولة وبساطة، ومثال على ذلك ما فعله المغني والملحن المصري عمرو مصطفى بطرحه مقطعاً ترويجياً لـ «كوكب الشرق» أم كلثوم تغني من ألحانه عملاً جديداً طالته عاصفة من الانتقادات، وقبله استنساخ صوتي المغنيين دريك وذا ويكند وجمعهما في ديو حصد ملايين الاستماعات، وأخيراً لم شمل أعضاء فرقة «البيتلز» بعد أكثر من 50 عاماً على انفراط عقدها عبر التقنية الحديثة.
«الراي» حملت التساؤلات الكثيرة المطروحة، حول إيجابيات وسلبيات الحالة الجديدة ومدى تأثيرها في صناعة الموسيقى والأغاني مستقبلاً، وطرحتها على عدد من المختصين في مجال الموسيقى من ملحنين ومؤلفين موسيقيين وموزعين ومطربين، لمعرفة آرائهم.
نبيل شعيل: التعامل معها بذكاء أيضاً
أيّد «نبض الكويت» الفنان نبيل شعيل، التعامل مع التقنية الحديثة، قائلاً: «أنا مع التقنية الجديدة (الذكاء الاصطناعي)، لكن بشرط أن يتم التعامل معها بذكاء وليس بالصد والابتعاد وعدم الرغبة في معرفة خفاياها، لأنها أمر قادم لا محالة، ويجب أن نعرف كيفية التصرف معها في حياتنا. وعلى الصعيد الشخصي، استفدت كثيراً من استخدام الذكاء الاصطناعي في كثير من الأمور الأخرى البعيدة عن الغناء مثل برامج التصوير أو لإصلاح بعض الأغاني القديمة وحتى الصور القديمة التي لها الكثير من الذكريات، لكنها قد أتلفت بسبب مرور الزمن».
وتابع بوشعيل: «الذكاء الاصطناعي هو علم بحد ذاته وتقنية جديدة يحتم علينا التعامل معها بذكاء تام كما هي ذكية. وكما هو معلوم، أي شيء جديد في حياتنا يتم طرحه، سوف نجد حوله لغطاً وكلاماً كثيراً، كما حصل عندما صنعوا السيارات أو مختلف الأجهزة الكهربائية وغيرها، لكن في النهاية تبقى خدمة يجب علينا الغوص فيها ومعرفة خفاياها، لأنه من الغباء تجاهلها وعدم أخذ المسألة على محمل الجد بالقول إن الذكاء الاصطناعي أمر خطر علينا».
وختم بوشعيل كلامه: «إضافة إلى ذلك كله، كل ما هو جديد لن نجد له قانوناً ينظمه ويحمي مستخدميه، لكن بالطبع في الفترة المقبلة يتم تحديد قانون يحمي جميع الأطراف. وعلى سبيل المثال، أغنيتي (ندمان) موجودة في أحد التطبيقات بصوت الفنانة العالمية بيونسيه، وبالطبع تم ذلك الأمر لأن التطبيق يمتلك تصريحاً وتخويلاً لذلك».
أسامة الرحباني: سنذهب للأسوأ في حال استخدمت بطريقة خاطئة
قال المنتج والمؤلف الموسيقي اللبناني أسامة الرحباني إنه «لا شك أن العصر السريع والاستهلاكي والتكنولوجي نوعاً ما يحرق كثيراً من مراحل الخبرة والتعلّم والثقافة الكبيرة والتجارب التي قد يمرّ بها الإنسان وصولاً إلى هدفه، فالإنسان في الماضي كان يتعامل مع القلم والورقة ثم يمسح ما كتب ويعيد صياغة أفكاره مجدداً ليعود ويمسح ويكتب وهكذا، أما اليوم في ظلّ وجود التكنولوجيا العصرية بات المستوى يمشي بسرعة كبيرة إضافة إلى كونه استهلاكياً بشكل كبير أيضاً، ولا شك أن الإنسان أصبح يبتعد عن العلم والثقافة، وبات مسطحاً مع وجود نوع من الرداءة في طريقة التربية الموسيقية أو الثقافية. وهنا لا أعمم كلامي، فهناك أناس عظماء في عملهم، لكن المجمل بات يضع الكمبيوتر أمامه ويؤلف ويجرّب في ظلّ وجود التسهيلات بالبرامج الخاصة بذلك، وهذه التسهيلات باتت تأتي معلّبة».
وأردف: «على سبيل المثال، لو أحببت صناعة لحن ما مع توزيعه على طريقة بيتهوفن، كل ما عليّ فعله طلب ذلك من الذكاء الاصطناعي الذي سيأخذ من هنا وهناك مستفيداً من علوم وخبرات الآخرين من دون الاستئذان منهم، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي فعلته أنا من إنجاز حيال صناعة هذا اللحن؟».
وأكمل: «المشكلة الحقيقية تمكن عند قيام هذا الشخص بعزف اللحن في الواقع، حينها سوف تشعر بالخجل الكبير أمام الموسيقيين، لأنهم سيكتشفوا عيبه ومستواه وسذاجته وبأنه شخص كاذب، وأن هذا اللحن ليس من صناعته وتأليفه وجهده الحقيقي».
وختم الرحباني: «أؤمن أن الناس يجب أن يعتمدوا على أنفسهم بالدرجة الأولى في صناعة الموسيقى، والذكاء الاصطناعي يكون من باب المساعدة لتطبيق بعض الأمور. أما أن أكون جاهلاً في كل شيء، ثم أضع إسمي على العمل في النهاية، فهو يخلو من الأمانة المهنية، وصاحب الفعل لا يمتلك ضميراً حتى. سوف نذهب إلى الأسوأ مع الذكاء الاصطناعي في حال تم استخدامه بطريقة خاطئة مع أشخاص لا يمتلكون الثقافة الموسيقية، لأن ضرره أكبر من نفعه».
فهد الناصر: مجرد تجربة مرحة وجميلة
أبدى الملحن فهد الناصر رأيه في الموضوع قائلاً: «طوال السنوات الماضية، صنعوا لنا العديد من البرامج، وجلبنا أحدث التقنيات والأجهزة التي كلفتنا مئات الآلاف من الدولارات من أجل تعويض الصوت البشري، لكن النتيجة لم ولن يحدث هذا الأمر وإن عملوا المستحيل في توفير البديل».
وتابع الناصر: «أتوا بعازفي آلة الكمنجة، واقتبسوا أصابعهم ثم قالوا إن ذلك سوف يغني عن العازف الأصلي، لكنه لم يحصل. لذلك فإن الذكاء الاصطناعي مجرد تجربة مرحة وجميلة نكاد نستمتع بها بأغاني مطربين بأصوات نجوم آخرين فقط لا غير».
ربيع الصيداوي: ما تصنعه الآلة لا يعتبر فناً
رأى الموزع الموسيقي ربيع الصيداوي أن الذكاء الاصطناعي «سلاح ذو حدين، فهو يضيف طريقة جديدة خاصة مع تطوير الأصوات، خصوصاً الفنانين الذين رحلوا عنا، لكن يجب المحافظة على القيمة الفنية الأساسية، بمعنى أن ما يصنعه البشر هو الفن، وما تصنعه الآلة لا يعتبر فناً، لأن الإحساس البشري لا يمكن لأي ذكاء اصطناعي أن يضاهيه».
وأكمل: «للذكاء الاصطناعي عيب واضح وهو تكرار نفسه، إذ إننا جيل وراء جيل من البشر تختلف أحاسيسنا وأفكارنا، وهو في المقابل يعمل على الخوارزميات التي تعتمد على نظام محدد لا تخرج عنه، لذلك عندما تطلب كمثال كلمات أغنية حزينة، سيعطيك المثال المتعارف عليه من خلال البحث الخوارزمي، والفن في المقابل يعتمد أن تقدم شيئاً جديداً».
مطرف المطرف: يخلو من الأحاسيس والمشاعر والخيال
قال المطرب مطرف المطرف: «لست متعمقاً كثيراً في ما يخصّ الذكاء الاصطناعي، لكنه أمر أصبح موجوداً ومطروحاً بيننا، سواء قمنا برفض ذلك أو تقبله على حد سواء. لكن من وجهة نظري الشخصية، لا أعتقد أن استخدام الذكاء الاصطناعي في عالم صناعة الموسيقى والأغاني أمر غير مفيد، باعتبار أنه شيء غير حقيقي ويخلو من الأحاسيس والمشاعر، ويمكن القول إن صحّ التعبير إنه خيار في وضع صوت فلان مكان شخص آخر وهكذا».
وأردف المطرف: «لكن لو تم استخدام الذكاء الاصطناعي في أمور أخرى تخصّ المعلومات وخلافه، فأعتقد حينها أن البشرية قد تستفيد من ذلك الأمر، على عكس الموسيقى التي كما أشرت سلفاً أنها تعتمد على أسس وأحاسيس وخيال، (عمره ما كان الجهاز مبدعاً) مقارنة بالعقل والإحساس البشري».
عمار البني: لن تمشي أموره مع الأغنيات العربية والخليجية
اعتبر الموزع الموسيقي عمار البني أن «فكرة الذكاء الاصطناعي موجودة منذ زمن بعيد، إذ كنا عن طريق تقنية (الكونفولفن) التي من خلالها نجعل (waves) صوت شخص ما تشابه (waves) صوت آخر. في السابق، كنا نقوم بتنظيف الصوت من خلال برامج تصل قيمتها إلى 1000 دينار، أما اليوم ومع التقنيات الحديثة في الذكاء الاصطناعي أصبح الموضوع أسهل وأرخص بكثير».
وتابع: «من وجهة نظري، أعتقد أن الذكاء الاصطناعي في ما يخص الأغنية العربية بشكل عام والخليجية خصوصاً، لن تمشي أموره بالشكل المطلوب مئة في المئة، ويحتاج إلى سنوات عديدة حتى يستوعب إيقاعاتنا بالشكل المطلوب والدقيق كونها بحراً كبيراً جداً، والأمر يختلف على صعيد الموسيقى الغربية. ولو أن الذكاء الاصطناعي كان من صنع العرب، لربما حينها سيكون الأمر مختلفاً».
وأكمل البني: «الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، لكنه سبب الكثير من المشاكل، آخرها ما قام به ورثة الفنان الراحل عبدالحليم حافظ باللجوء إلى القضاء ضد كل مستخدمي صوت الراحل في أغانٍ بتقنية الذكاء الاصطناعي، وتركيبه على أغنيات حديثة واصفين ما حدث بأنها تجربة فاشلة وفي غاية السوء. أما من ناحية التصوير الفوتوغرافي والفيديو، فقد جعل مستخدميه يتقدمون مراحل كثيرة».