الراعي: مهزلةٌ ما جرى بجلسة الانتخاب حيث انتُهك الدستور بدم بارد
«مهمة لودريان» في لبنان... سيرٌ فوق «الجمر» الرئاسي
- معلومات عن زيارة باسيل لقطر... فهل «التيار الحر» يوسّع مروحة الخيارات رئاسياً؟
انطلق في لبنان أسبوعُ جان - إيف لودريان، الذي ستكون له في بيروت ابتداء من بعد غد جولة محادثاتٍ مع مختلف الأفرقاء تتناول الأزمةَ الرئاسيةَ في ضوء «المرحلةِ الانتقاليةِ» الجديدة التي دَخَلَتْها على متن خلاصاتِ جلسة الأربعاء الماضي الانتخابية، وما أفرزتْه من تَوازنٍ سلبي ولكن مع تَفوُّقٍ لمرشّحِ تَقاطُعِ غالبية المعارضة والتيار الوطني الحر، الوزير السابق جهاد أزعور، على مرشح فريق الممانعة سليمان فرنجية.
وإذ ينطبع ما بعد «مكاسرة الأربعاء» محلياً بتعاطي داعمي فرنجية مع «الجِراحٍ» التي أصيب بها على أنها لا «تقتل» حظوظه الرئاسية المحصّنة بسلاح تعطيلٍ لن يُرمى إلا بعد اقتياد الآخَرين إلى هذا الخيار أو بلوغ تسويةٍ وفق موازين القوى «الحقيقية» التي تمنح هؤلاء أفضليةً في تقاسم كعكة السلطة في العهد الجديد، فإن معاينةً لصيقة تجْري لمهمة لودريان الذي عيّنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أخيراً موفداً شخصياً إلى لبنان «للمساعدة في إيجاد حلّ توافقي وفعال» للملف الرئاسي.
وليس خافياً أن لودريان سينطلق في مهمته من حيث انتهت مبادرة خلية الأزمة الفرنسية بقيادة المستشار الرئاسي باتريك دوريل والتي قامتْ على مقايضةٍ تحت ستار «الواقعية» بين وصول فرنجية بوصْفه «الحل الممكن» الذي يراعي واقعَ عدم إمكان انتخاب رئيسٍ لا يرضى عنه «حزب الله»، وبين اختيار رئيس للحكومة قريبٍ من خصوم الحزب (نواف سلام) بما يعوّض هؤلاء بقاء الرئاسة الأولى وللمرة الثانية على التوالي «تحت عباءة» الحزب.
ومع اصطدام المبادرة - المقايضة باعتراضٍ لبناني عبّر عن نفسه في ما يشبه انتفاضةً برلمانية استقطبتْ أضداداً ورفعت «متراساً» عريضاً أمام وصول فرنجية، كما بغياب غطاء خارجي لهذا الخيار وسط إصرار الرياض على ترْك الدينامية الداخلية تحدّد مسار الاستحقاق الرئاسي بعيداً من أي فيتو على مرشح أو دعم لآخَر ومع تَمسُّك برهْن أي دعم مالي بانتظام عمل المؤسسات وانطلاق قطارالإصلاحات، يصعب تَصَوُّر أن يكون لودريان عائداً لتكرار محاولة تسويق طرحٍ كرّستْه جلسةُ الأربعاء الماضي عنصراً انقسامياً ويعبّر عن توجُّه 51 نائباً من أصل 128 اختار 59 منهم أزعور بالاسم.
من هنا، ورغم أن أي معطياتٍ لم تتبلور حول المدى الزمني لزيارة لودريان بدءاً من الأربعاء، ولا برنامج لقاءاته، فإن أجواءَ متقاطعة رجّحتْ أن يكون الموفد الفرنسي، الملمّ جداً بتعقيدات الواقع اللبناني الذي سبق أن شبّهه حين كان وزيراً للخارجية بسفينة «التايتنيك» التي تغرق «ولكن من دون موسيقى»، مستمعاً أكثر منه متحدثاً حيث سيستطلع مواقف مختلف الأفرقاء من المأزق الرئاسي في ضوء خلاصات جلسة الأربعاء ورؤيتهم لكيفية كسْر الجدار المسدود ومدى استعدادهم لأي تراجعات وحدودها، وهل يمكن عزْل هذه الأزمة عن سلّة الاستحقاقات الدستورية المُلازمة لكل انتخاباتٍ رئاسية (مثل تشكيل الحكومة والتعيينات - المفاتيح العسكرية والمالية)، على أن يرفع تقريراً بحصيلة مهمته يُفترض أن يكون لاحقاً على طاولة اجتماعٍ مرتقب لمجموعة الخمس حول لبنان التي تضم إلى فرنسا كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر.
ولا شكّ في أن خلاصاتِ محادثات ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يوم الجمعة الماضي والتي تطرّقت في جانب منها الى الملف اللبناني حيث شدّد الزعيمان على «ضرورة وضع حد سريع للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان» مع تأكيد «أن عدم انتخاب رئيس منذ ثمانية أشهر يبقى العائق الرئيسي أمام معالجة الأزمة الاجتماعية الاقتصادية الحادة»، ستؤخذ بالاعتبار في مهمة لودريان، من دون أن يُعرف إذا كانت باريس التي أقرّت بأضرار الإفراط في دعْم فرنجية على علاقاتها التاريخية بمسيحيي لبنان تراجعتْ عن مبدأ المقايضة بين رئاستيْ الجمهورية والحكومة أم أن هذه المعادلة ستبقى مطروحةً ولكن مع تبديل في الأسماء على قاعدة أن يكون «منسوب» بُعْدها السياسي متناسِباً على طرفيْ المعادلة.
وإذ كان لودريان التقى يوم الجمعة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا التي شاركتْه معطيات حول المناقشات التي أجرتْها في الأشهر الأخيرة مع مسؤولين لبنانيين في ما خص الملف الرئاسي، فإن الداخل اللبناني بقي تحت تأثير «ارتجاجات» جولة الـ انتخاب الرقم 12 وسط محاولةٍ من «حزب الله» لتحويل «المشكلة إلى فرصةٍ» لجرّ الجميع في الداخل إلى حوارٍ لطالما دعا إليه الحزب والرئيس نبيه بري باعتبار أنه أقصر الطرق للتفاهم على مخارج «بالجُملة»، وهو الطرح الذي قوبل باعتراضٍ من قوى في المعارضة ولا سيما الأحزاب المسيحية التي أكدت أن الحلّ موجود بالدستور وعبر جلسات انتخاب متتالية، في موازاة محاولة التيار الحر إخضاع الحوار لـ «فيلتراج» يشمل لائحة الأسماء المطروحة لـ «الإقناع المتبادَل» حولها وعلى قاعدة عدم شمولها فرنجية وهو ما رَفَضَه الحزب.
وفي هذا الإطار، تحوّلت الجلسة التشريعية التي يعقدها البرلمان اليوم، لدرس إقتراحي قانونين يتعلقان بفتْح اعتمادات لتغطية نفقات إضافية تتصل برواتب الموظفين في القطاع العام وحوافز وبدل نقل لأساتذة الجامعة اللبنانية، بمثابة اختبارٍ لِما إذا كانت ستفتح الباب مواربةً أمام بداية وصْلٍ على خط الثنائي الشيعي والتيار الحر «يُبنى عليه» لمحاولة ردم الهوة السحيقة بينهما في الملف الرئاسي.
وإذ سادت معطيات عن أن التيار الحر سيحضر جلسة البرلمان على قاعدة أن جدول أعمال محصور ولعدم جواز أخذ المصالح الحيوية للمواطنين رهينةً، في ظلّ مقاطعة القوى المسيحية الوازنة في المعارضة انسجاماً مع رفْض التشريع في كنف الشغور الرئاسي تفادياً لتكريس أن عجلة الحُكْم يمكن أن تدور من دون رأس للدولة، برزت بعد ظهر أمس المعلومات التي أشارت الى ان رئيس «التيار الحر» جبران باسيل موجود في قطر للقاء المسؤولين الذين يتابعون الملف اللبناني، وهو ما تَرَك علامات استفهام حول إذا كان باسيل الذي لم يتخلّ عن دعم أزعور ولن يفعل إلا حال تراجُع الحزب عن ترشيح فرنجية يحاول توسيع الخيارات رئاسياً وتعطيل محاولاتٍ لحشْره من حزب الله، بمعادلاتٍ كانت «الراي» سبّاقة في الإضاءة على أبعادها وأبرزها وضْعه أمام مفاضلةٍ مُرّة بين فرنجية أو قائد الجيش العماد جوزف عون.
ولطالما أثير في بيروت، أن قائد الجيش يبقى المرشح الفعلي القادر على جمْع غالبية المعارضة حوله والذي يحظى بقبول عربي - دولي، وسط أسئلة عن الجهة الخارجية التي يمكن أن توفّر «الضمانة» أو «بوليصة التأمين» لباسيل للسير بهذا الاسم، رغم اقتناعِ أوساط سياسية بأن رئيس «التيار الحر» له حسابات متعددة البُعد في تحفّظه عن خيار عون، لا تتصل فقط بأن لا إمكان لصفقات أو تسويات مسبقة معه تتناول مرحلة ما بعد الرئاسة، بل أيضاً بأن انتخاب قائد للجيش قد يجذب فئات من جمهور التيار الذي تشدّه إلى المؤسسة العسكرية روابط عاطفية، ليس أقلّها أن مؤسس التيار الرئيس السابق ميشال عون كان على رأس المؤسسة العسكرية وبنى مسيرته السياسية ووهجه الشعبي انطلاقاً من رمزية هذا الموقع.
الراعي
في موازاة ذلك، وجّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي انتقاداً لاذعاً لِما واكب جلسة الأربعاء الرئاسية التي انتهت بتطيير نصاب الدورة الثانية قبل انعقادها بعدما انطبعت دورتها الأولى بـ «ضياع» صوتٍ لأحد النواب، إذ سأل في عظة الأحد «كيف نستطيع مع شعبنا، الذي تكويه في الصميم هذه الأزمات، أن نقبل بمهزلة ما جرى في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية الأربعاء الماضي، بعد ثمانية أشهر من الفراغ والانتظار، حيث انتُهك الدستور والنظام الديموقراطي بدم بارد، وتوسّع جرح الانقسام والانشطار، في وقتٍ يحتاج لبنان إلى شد أواصر الوحدة الداخلية»؟
وأضاف «أهكذا نحتفل بمئوية لبنان المميز بميثاق العيش معاً مسيحيين ومسلمين، وبالحريات العامة، والديموقراطية، والتعددية الثقافية والدينية في الوحدة؟ أهكذا ننتزع من لبنان ميزة نموذجيته، ونجرّده من رسالته في بيئته العربية؟ فلا بد من عودة كل مسؤول الى روح التواضع والتوبة والإقرار بخطئه الشخصي، كي يصحح خطأه، ويتطلع إلى حاجة الدولة والمواطنين من منظار آخَر».