وقّع كتابه الخامس في بيروت... بعد باريس

حقيقة لبنان يحبكها كريم ثابت خلف... «شاشة من دخان»

تصغير
تكبير

- رواية بوليسية الملامح أراد ثابت أن يستمتع ببناء أحداثها ويفصّلهاً لتكون متنفساً له
- البطل ليس سوى الكاتب... يلعب لعبته المزدوجة ليصل إلى هدفه

مع كتاب «Un Écran De Fumée» (شاشة من دخان)، يعود كريم ثابت إلى ملعبه... إلى الرواية التي يعشق نسْج أحداثها وشخصياتها. يترك التاريخ ومسرحه ليستوحي من حاضر يقلقه ويؤلمه، هو حاضر الوطن الصغير الذي بات مسدود الأفق ومقفلاً على ومضات الأمل.

في روايته الجديدة، يحاول الروائي أن يخترع أملاً من نسْج الخيال، لكنه يترك الباب مفتوحاً على سؤال مُلِحّ: لِمَ لا؟

رواية بوليسية الملامح، أراد كريم ثابت أن يستمتع ببناء أحداثها ويفصّلها لتكون متنفساً له أو «فشة خلق» كما يُقال بالعامية، لِما يعيشه من غضبٍ ورفْضٍ للواقع الذي يمرّ به لبنان.

تخيّل بلداً أسماه «طاجستان»، يشبه إلى حد التوأمة بلداً آخَر لم يشأ ذكر اسمه مباشرة، يعاني من فساد طبقته الحاكمة ومسؤوليه ومصارفه وعدْله.

ووسط إحدى القرى في هذا البلد، يُقتل رجل لا لسبب سوى أنه ضحية زمرة مافيوية غارقة في الصفقات، ويقرر ابنه الشاب الانتقام له. وهنا تبدأ أحداث الرواية ويصبح الشاب الشخصية المحورية التي تقرّ العزم على التخلص من كل الطبقة الفاسدة التي كانت سبباً في مقتل أبيه.

نهاية مريحة

ويلعب بطل الرواية لعبته المزدوجة ليصل إلى هدفه. يدرس الحقوق وينتسب إلى واحد من أهمّ مكاتب المحاماة ليدخل الدائرة الضيقة لأصحاب النفوذ ويتقرّب منهم ويتعرف إلى طرقهم الملتوية. ويُبْقي شخصيته الثانية خفيةً، تُراقِب، تتعلّم وتخطّط... وكحصان طروادة، يخترق صفوف العدو ليصبح موضع ثقة ويتدرّج في مراتب السلطة ويُنتخب نائباً.

ومِن موقعه هذا، وبمساعدة بعض الشركاء، يخطط للضربة الكبرى ويضع خطةً جهنميةً تنجح بالتخلص من تلك الطبقة الفاسدة التي هي في أساس كل البلاء.

حبكةٌ تتصاعد من دون أن تخرج عن سياق الواقع والمعقول أو تغرق في التعقيدات البوليسية، وتتداخل فيها شخصياتٌ تشبه إلى حد كبير شخصيات يعرفها القارئ ويكتشف في الرواية وجهاً فاقعاً لها.

وتتوالى الأحداث وتُحبك النهاية لتكون مفاجأةً في الصفحات العشرين الأخيرة للكتاب... نهايةٌ تريح القارئ كما في الروايات البوليسية، حيث المجرم الذي أميط اللثام عنه ينال عقابه. لكن بطل كريم ثابت يُعاقِبُ مجرمين كثراً ويفتح الباب لأمل واعد ببلد أكثر نقاء قادر على النهوض من جديد...

الكاتب هو البطل

حبكةٌ وهميةٌ وكل تَشابُهٍ فيها مع الواقع (ليس) من نسْج خيال الكاتب... لكن قراءها يتمنّون لو لم تكن كذلك، يأملون أن تكون واقعاً.

لم يُطِلْ ثابت كثيراً في كتابة روايته هذه، فأحداثها وخلفياتها حاضرة في نشرات الأخبار اليومية، وشخصياتُها تحتلّ عناوين الصحف. وحده البطل كان يجب أن يختمر في مخيلته ليَخرج بحبكةٍ غير متوقَّعة.

والبطل ليس سوى الكاتب نفسه باسمه المعكوس «ميراك»، والأحداث هي حلم اليقظة الذي يتمنّاه في يومياته ويرسم تفاصيله في مخيّلته. أما اسم الرواية، فيمكن أن يكون معناه باللغة العربية «ذرّ الرماد في العيون»، لأن البطل يتعمّد تعمية مَن يتعامل معهم عن حقيقته ليصل إلى هدفه المنشود.

لوحة الأقنعة

في شهر مارس الماضي وقّع كريم ثابت روايته «Un Écran De Fumée» الصادرة عن منشورات «Complicités» في صالون الكتاب في باريس ونالت أصداء رائعة من الفرنسيين واللبنانيين.

ومساء الخميس، وقّع الكتاب في بيروت بحضور حشد من الأصدقاء والمتذوّقين للأدب الروائي.

وقد اختار غلافاً له لوحةً لوالده سمير ثابت تمثّل أقنعةً تتلاعب بها خيوطٌ خفية لتكون انعكاساً لواقعٍ تحوّل فيه الجميع إلى دمى تحرّكهم أيادٍ خفية.

في حديثه إلى «الراي»، يختصر ثابت مسيرته الروائية والأدبية قائلاً إن عشقه الأول هو للتاريخ. فالكاتب الذي تَخَصَّصَ بالتاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت ثم في جامعة أوكسفورد البريطانية أخذتْه الحياة بعيداً نحو عالم الأعمال والتسويق، لتعيده الرواية إلى عشقه الأول، فيكتب ثلاث روايات تاريخية تجمع بين الخيال والواقع التاريخي المدوّن.

وبعد هلالين فتحهما في كتاب «La Jungle où je suis né» الذي يحمل حكايا على لسان الحيوانات على طريقة كليلة ودمنة تروي بأسلوبٍ ساخر متهكّم الواقعَ اللبناني، يعود اليوم إلى الرواية مع «Un Écran De Fumee» التي كتبها كسائر كتبه باللغة الفرنسية، لكنه يأمل بترجمتها إلى العربية لتجد تفاعلاً من جمهورٍ ربما يتماهى مع أحداثها رغم معرفته الأكيدة أن ما يعيشه لبنان هو تجربة خاصة ومعاناة لم تمرّ على أي شعب آخَر.

الحل ممكن

بحثه الخيالي عن حلول، يدفع كريم ثابت إلى إيمانٍ راسخ بأن الحل ممكنٌ في لبنان وأن التخلص من طبقة فاسدة تعيث في الوطن يأساً وخراباً لا شك آتٍ لكنه يحتاج إلى وقت وصبر وناس شرفاء ينهضون بالبلد من كبوةٍ استمرت طويلاً، لكنها في عمر حضارة تعود إلى آلاف السنين ليست سوى غيمة عابرة لا بد أن تنجلي.

هل هي تمنياتٌ، أحلامٌ أم قناعةٌ بأن لبنان لا بد أن ينفض عنه يوماً ثوب الفساد وينظر نحو المستقبل؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي