مشاهدات
المفهوم الخاطئ للديموقراطية
سأبدأ المقالة بسرد واقعة حقيقية حصلت منذ أمد فى إحدى الجهات الحكومية دون التطرق لاسم الجهة ولا كشف الأسماء المعنية.
التنمية البشرية وتدريب الموظفين على الالتحاق بالدورات التدريبية والعلمية يعزز المنظومة الوظيفية ويرفع ويرتقي بموظفي المنشأة، وبالتالي تزداد معلومات الموظفين القدامى والجدد في مجال العمل وتعمل على زيادة المعرفة لديهم ليصب كل ذلك في مصلحة الوطن.
وبالطبع كانت اللجنة الفنية مخولة بترشيح الأسماء ليتم الالتحاق بتلك الدورات والمهمات، وكان القرار أن يتم اختيار 6 من الموظفين القدامى وواحد من الجدد؟
فكان أن قام أحد الموظفين القدامى من خارج اللجنة الفنية بانتقاد هذا القرار، واجتمع مع زملائه وتباحث معهم واقترح على أن يكون العمل على عكس القرار المتخذ بمعنى 6 موظفين جدد وواحد من القدامى، ليكون الهدف إعطاء جرعات تدريبية أكبر للموظفين الجدد ويكون دور الموظف القديم إشرافياً وحلقة وصل بين الجهة المبتعث إليها والموظفين، وكذلك العمل على تذليل أي صعوبات قد تطرأ ويكون هو مسؤولاً عن الجميع.
وللأسف فقط جُوبهت فكرته بالرفض، وقيل له إن قرار اللجنة يشمله فلماذا تتطرق لإثارة الموضوع وتلحق الأذى بزملائك! وكان مما ذكره لهم دفاعاً عن نفسه أمام هذا الاتهام بأن الهدف هو المصلحة العامة وليست المصلحة الشخصية. وبالطبع لم يقتنعوا وكانوا مُصرّين على المُضي في هذا النهج.
قام الموظف بإبلاغ إدارة التدريب والإدارة العليا ليتم إصلاح اتجاه البوصلة واتخاذ القرار السليم. فتم استدعاؤه وإصدار قرار بتعيينه عضواً باللجنة الفنية.
والمفارقة أن في الاجتماع الأول تم إقرار الآلية السابقة ذاتها، ما أثار حفيظة هذا الموظف ووصف القرار بأنه قرار متعنت وليس في مصلحة العمل، فكان أن تم الرد عليه بأن الديموقراطية توجب عليك القبول بهذا القرار بعد أن يتم اللجوء إلى التصويت وليس هناك أي داع للاعتراض! وبالفعل تم التصويت والنتيجة واحد ضد خمسة! واتخذ القرار بالغالبية؟
وكان أن قام الموظف القديم برفض هذا القرار الذي اتخذ وفي الجلسة نفسها، قائلاً إن هذه القرارات التي اتخذت ليست من الديموقراطية في شيء، بل هو ستار لتنفيع البعض حسب المصالح الشخصية، وأصرّ على رأيه بعدم صحة هذا القرار، وقدّم استقالته المسببة في الاجتماع ذاته.
وهنا يتبين الفهم الخاطئ للديموقراطية وتكون عنواناً لشرعنة القرارات ذات المصالح الضيقة؟ ومن الممكن أن تتكالب الأطراف وتتفق على موقف سياسي ما وإن كانت متخذة من ذوي أجندات وأيديولوجيات مختلفة، ونقيس ذلك على الواقع المؤلم الذي نشاهده في المجلس التشريعي، فكيف نطالب الأعضاء بإلغاء المعاشات الاستثنائية عن الوزراء وهناك من الأعضاء المنتخبين ممن يتباكون على حرمة المال العام وهم أول من يقر هذه الرواتب الاستثنائية لهم؟!
هل ستكون القرارات التي يتخذها أعضاء مجلس الأمة قرارات تسودها المصالح الشخصية أو الحزبية أو الأجندات الأيديولوجية هي السائدة؟
كذلك لماذا لم يحاسب الوزراء المحللون الذين تجاوزوا على القانون باللجوء إلى الاستثناءات من نقل وتعيين؟
وكذلك عندما انسحبوا من جلسات المجلس؟ أليس للاستجواب وطرح الثقة ثمن من ادعياء الوطنية؟ أليس من أساسيات الديموقراطية إحقاق حقوق الأقلية وتحقيق العدالة؟
لماذا يتم إصدار قانون في شأن إعادة تعيين أعضاء هيئة التدريس بجامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي إلى العمل بعد خوض الانتخابات ويحرم بقية موظفي الدولة من هذا الحق؟ أليس من العدالة أن يشمل القانون الجميع ولا يتم استثناء البعض؟!
العمل الديموقراطي لا بد أن يرتكز على أساسيات متينة أساسها العقلانية والتوافق في اتخاذ القرار، والقرار يجب ألا يكون مجيراً لحزب أو طائفة أو قبيلة، بل يكون لما فيه المصلحة العامة للوطن والمواطنين.
فالمطلوب من الأعضاء المنتخبين بألا يكون هاجسهم هو عمل تكتل أو حزب لهدف فرض الرأي على زملائهم أعضاء المجلس (حكومة، وأعضاء)، وللأسف هناك البعض منهم يقول إنهم اجتمعوا مع رئيس الوزراء وقدّموا برنامج عمل يجب أن يتم تطبيقه، وإلاّ فإن الاستجواب والصدام سيكون الهدف القادم!
وفي الحقيقة هذه هي الديموقراطية الناقصة، فالأمر المنطقي والعقلاني الذي يجب أن يتّبع هو ألاّ يكون هناك ضرر على الوطن والمواطن، أما ان يتم فرض الرأي لتيار أو تكتل أو أجندة معينة فإن ذلك هو الخطر الحقيقي على الوطن.
نحن نعاني من تبعات الديموقراطية المغلوطة منذ أمد بعيد، وهدفنا الانتهاء من تلك الخلافات السطحية المقيتة، فهناك الكثير من العقبات والمشاكل التي تمس المواطنين ويجب العمل على حلحلتها وأن يكون هذا الأمر هو الغاية من المجلسين التشريعي والتنفيذي.
كفاكم مزايدات وكيل الاتهامات المقيتة دون وجه حق لكل من يشغل الوظائف الوزارية، فهم أبناء الوطن، ولا تزكوا أنفسكم بالأمانة وتطعنوا بذمم الآخرين.
وكفاكم هذا الصدام والتأزيم المستمر مع السلطة، وقد تم تشويه هذه الميزة الديموقراطية الفريدة في محيطنا الجغرافي، فبدلاً من أن تكون معولاً للبناء والتقدم، تراجعنا إلى الوراء وسبقتنا الدول المحيطة بالبناء والتقدم دون أن تحظى بمجلس منتخب!
في الغد سنقبل على الانتخابات المصيرية، فالاختيار يجب أن يكون للمرشح الذي يتصف بالسيرة العطرة والحنكة السياسية والمواقف المشرفة ولكن هل سيشفع له ذلك؟ بالتأكيد لا!
وللأسف الذي يكون منتمياً وتابعاً إلى شيخ أو متنفذاً أو تاجراً أو حزبياً أو قبلياً أو طائفياً أو من يخدم أجندات دول أخرى، ويتميز بالحيلة ولقلقة اللسان - سيشفع لهم كل ذلك وتكون لهم الأولية في اقتحام قاعة مجلس الأمة!
نتمنّى من الناخبين بان يحسنوا الاختيار، والمجرب لا يجرب، نحن بأمس الحاجة بأن نوصل النائب الذي يستحق أن يصل إلى المجلس لكونه إنساناً مخلصاً وطنياً يحب خدمة الوطن والمواطن وليس من ذوي المصالح والأمزجة.
وعلى النواب المشاركة في اقتراحات ودراسات بناءة... ومراقبة انجازات الحكومة وتطبيق برنامجها... وليس مثل ما يقوم به البعض من التركيز فقط على الترقية والتعيين للاقارب، أو علاج بالخارج وغيرها من الأمور التي لا تخدم عموم الشعب، كذلك على النواب العمل على إصدار قانون يمنع الواسطة والاستثناءات تماماً من أي متنفذٍ وزيراً كان أو نائباً.
النظام الديموقراطي ليس فيه عيب إنما الخطأ على من ينتخب ويختار الممثلين غير الأكفاء ومن ثم يطالبهم بالإصلاح (فاقد الشيء لا يعطيه)، وهذا ينطبق على نظام المؤسسات والوزارات الحكومية.
المطلوب التعاون بين السلطتين فهما جناحا الأمان للوطن، وليس المطلوب التناحر والمناكفة، فالمواطن ينشد الإصلاح ولا يتم ذلك إلا بالتكامل والتعاون بين السلطتين.
اللهمّ احفظ الكويت آمنةً مطمئنةً، والحمد لله رب العالمين.