يُصادف في الأسابيع القريبة المقبلة تلاقي محطتان مصيريتان في الكويت وهما نهاية العام الدراسي، وما يترتب على ذلك من اختبارات يُفترض أنها تُجرى بغرض فرز الطالب المجتهد والآخر الذي لم يبذل أيّ مجهود، وينتظر أن يعبر للعام الدراسي المقبل بسفينة الغش التي اتسعت محلياً في السنوات الأخيرة، وحملت معها العديد والعديد من غير مستحقي النجاح تعليمياً.
أما المحطة الثانية، فهي انتخابات مجلس الأمة التي يتعيّن نظرياً أن يكون نجاح ممثل الأمة فيها مبنياً على حُسن الاختيار من الناخب دون الاعتماد على أيّ محاولات أو ممارسات غير مشروعة لتحقيق فوز باطل أخلاقياً.
وتتعاظم أهمية المحطتين في أنه بناء على مخرجاتهما يُحدد الكثير من أوجه المستقبل لعل أبرزها أن كليهما يمثل جيلاً من القياديين الذين يفترض فيهم أنهم قادرون على صياغة مستقبل مشرق للمواطنين أو تعميق جراحهم تنموياً وتعليمياً واقتصادياً وصحياً وما يصاحب ذلك من تفشٍ للفساد بكل صوره.
فالقاعدة الأصيلة تقول إنه إما أن تكون مخرجات مثل هذه الاختبارات صادقة وواعدة بتقديم قياديين أو جيل يجري إعداده سواء من النواب أو الطلاب مستحقين للنجاح ليعول عليهم كثيراً في المساهمة بمرحلة البناء المستحقة للبلاد كل من موقعه.
وهذا يتطلب مكافحة الغش بكل صوره... ثقافة وإجراء تفادياً لتنامي المخرجات الهزيلة والتي تنتج حكماً شريحة بشرية لتكون في المكان الخطأ الذي لا تستحقه، حيث وقتها ستكون النتائج في كل مرحلة لاحقة مبنية على الغش لكن بأسماء مختلفة وفي النهاية تكون النتائج بما لا تحمد عقباه.
إذاً، فلسفة محاربة الغش في التعليم أو في الانتخابات النيابية وغيرها ليست مجرد فوز باطل أو خسارة غير مستحقة كما يعتقد البعض، بل أزمة حقيقية تعرّض المجتمع لمخاطر مفزعة ستظهر آثارها السلبية بجميع مرافق الدولة، على مر السنين ما يجعلها مكشوفة على الشيخوخة المبكرة.
ولذلك، يُعتبر الغش في المجتمعات الناجحة رذيلة تستوجب التصدي لها سواء عبر عدم تمكين الفاعل من نيل ما لا يستحقه أو من خلال القضاء على منافذ مساعدة الغشاش، باعتبار أن شرعنة هذه الظاهرة تهدد كيان المجتمع بأكمله لما له من أضرار قاتلة.
فبسبب الغش في التعليم وفي انتخابات مجلس الأمة ومناحٍ سياسية وحياتية أخرى كثيرة تتم إزاحة الأشخاص المستحقين لصالح آخرين ليس لديهم مقومات النجاح، ولم يبذلوا جهداً كفاية يُعزز ما نالوه بالاحتيال من مكاسب ودرجات أعلى تعليمية أو قيادية.
فكانت النتيجة الحتمية مواجهة مستويات متتالية من التحديات المتجذرة التي أخرت الكويت وعطلت نهضتها التنموية بأكثر من 20 سنة، حيث بدأ الحديث عن خطط تحوّل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً في المنطقة، فيما الواقع يشهد أن أياً من خطط التنمية لم تحقق خلال العقدين الماضيين.
ولعل المفارقة المضحكة المبكية في هذا الخصوص أننا لم نفقد حق انجاز التنمية المستهدفة كل هذه السنوات فحسب بل إننا غرقنا في هموم ثانوية يومية أبسطها أزمة الطرق التي لا تنتهي وما خلّفته من لعنة الحفر وتطاير الحصى.
وما يستحق الإشارة هنا، أن الغشاش يُعتبر شخصاً غير مستقر من الناحية النفسية والعقلية؛ وذلك بسبب عدم توقفه عن البحث عن طرق للغش، ولكي يظهر للناس على غير حقيقته بجميع تفاصيل حياته.
ونتيجة طبيعية لذلك، يكون الشخص الذي نال درجته التعليمية أو الانتخابية بالغش غير موثوق العطاء للدولة المبني على المهارات الحقيقية والإخلاص والوفاء في العمل الذي لا يُمكن توافره في بيئة يقودها أو يشارك فيها غشاش.
ولذلك، تجد هذه النوعية تبحث دائماً في كل وقت عن حيلة جديدة غير مشروعة تضمن استمرار قفزها على الآخرين دون أن يمتلك المقومات المناسبة لذلك.
ونظراً للاضرار الجسيمة التي يُسببها الغش من تخريب العقول والحقوق لا تقبل الدول العابرة للمستقبل بوجود الغش بين مختلف أوجه الحياة لديها، ولذلك تتشدّد في وضع أنظمة حمائية تضمن عدم السماح بمثل هذه الممارسات الهادمة للعدالة الاجتماعية والتي من خلال مكافحتها تتفادى أن يكون مصير الدولة بيد مَنْ يستحق، حيث وقتها لا أمل في التقدم بل الرجوع للخلف.
يوجد العديد من الإحصائيات والأمثلة التي توضح كيف يمكن للغش أن يؤدي إلى إفلاس شركة بأكملها، إذ يؤثر الاحتيال في المدى البعيد على الشركات بشكل سلبي؛ فمثلاً يؤثر على السمعة ما يؤدي إلى ضياع الفرص الاقتصادية، وسوء الإدارة ومن ثم تعرض المساهمين لأذى مالي فادح.
أما بالنسبة للدول فالضرر أخطر ويشمل جميع المساهمين في الدولة، وهم المواطنون سواء الحاليون أو الأجيال المقبلة حيث سيدفع الجميع ثمن مساعدتهم للغشاشين باهظاً وسينال ذلك من جميع مكتسباتهم وحقوق أبنائهم على الأصعدة كافة.
الخلاصة:
انطلقت قبل فترة حملة تحت عنوان «مُستقبَلُنا لا يُبنَى بالغِش» لتضيء بقوة على مخاطر تفشي هذه الظاهرة بجميع مراحل التعليم في الكويت ما يزيد المخاوف من ظهور مخرجات تعليمية أو قيادية غير قادرة على صياغة المستقبل.
وعملياً يُعد الغش في الامتحانات وانتخابات مجلس الأمة وجهين لمصير مظلم واحد... فعندما يكون الشخص غير المناسب في المكان الذي لا يستحقه تضيع الفرص وتُهدر الأموال سواء بسبب سوء النية أو لسوء الإدارة وفي الحالتين الجميع خاسر.