الضباب الكثيف للواقع السياسي الكويتي

تصغير
تكبير

مع بدء فتح باب الترشح بدأت حمى الانتخابات الكويتية تأخذ زخماً بين أوساط المرشحين، بينما نرى أن هناك قطاعاً كبيراً من الشعب يبدو أنه غير متحمّس لهذه الانتخابات نتيجة وجود الضباب الكثيف الذي يغطي الساحة السياسية المحلية، وبسبب قيام غالبية المرشحين السابقين ممن كانوا يمارسون النيابة لأعوام بترشيح أنفسهم مع علمهم بأن الشعب لم يشاهد لهم أي إنجاز يُذكر سوى خلق المشاحنات بينهم وبين الأعضاء الآخرين في المجلس، أو مع رئيس وأعضاء الحكومة وبعيداً عن الدفاع عن المصالح الوطنية أو الدفع في تطوير الحياة الديموقراطية، خصوصاً بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً دون أن يوجد أي إنجاز يسجّل لهؤلاء أصحاب الحناجر الصاخبة، والذين أشبعونا شعارات رنانة ما أنزلَ الله بها من سلطان، والتي لا تملك في حقيقة أمرها أي برنامج إصلاحي، حتى أولئك المحسوبين على بعض التيارات السياسية، فحال هؤلاء كحال الحكومة والتي دائماً ما تتشكّل من وزراء الله بالخير ليس لهم أي بصمة أو تاريخ سياسي.

ويكفي أن ندلل إلى ما سبق أنه خلال هذه السنة تم تشكيل حكومة استمرت لمدة ساعات محدودة، ثم تم تعديل تشكيلها ما يؤكد على التخبط السياسي في كيفية اختيار الوزراء (!) فكيف لشعب يأمل في أن ينتخب أفضل السيئين (؟) طالما أن آلية الانتخاب لم تتغير، كما أن الشخوص المرشحة معظمها من لا طعم لهم ولا رائحة ولم يضيفوا أي إيجابية إلى الحياة البرلمانية.

كما أن الحكومة طالما تراوح في مكانها ودون تقديم أي برنامج حقيقي ودون اختيار أعضاء يمثلون فكراً نيّراً ويتصرفون كرجال دولة أُنيطت بهم مسؤولية هذا الوطن، فإن الأمور لن تتغير على الإطلاق، وسيظل الضباب السياسي الكثيف قائماً ومخيماً على الساحة السياسية قد يطول أو يقصر، إلا أنني أخشى ما أخشاه أن تأتي بعد تراكم هذا الضباب الكثيف أمطار هائلة تصحبها الأعاصير الرعدية والتي قد تعصف بالكل، ما يهدّد الأمن الوطني من خلال ما يمكن اعتباره غزواً داخلياً نتيجة التركيبة السكانية وأمور أخرى، لذا فإنني كمواطن أشعر بالخوف على وطني من الضياع، وإنني في مقالتي هذه أنطلق من الحرص على الأمن الوطني ويكفينا ما حدث لنا من غزو عراقي غاشم.

من المهم، أن تأخذ الدولة زمام المبادرة في تغيير هذا الواقع إلى الأفضل من منظور إستراتيجي يحقق تعزيز مفهوم الدولة واستقرارها وأمنها الداخلي وذلك على النحو التالي:

- أولاً: أن يتم تغيير نظام الانتخاب الحالي بالكامل وليس النظر في تعديله، على أن يتم اختيار نظام انتخابي يمكنه القضاء على الطائفية والقبلية المستشرية والتي وصلت حتى بين أوساط الشباب اليافع، وهذا هو الجهل بعينه ولا أعتقد أن هذه المسألة صعبة التحقيق اذا صفت النوايا.

- ثانياً: تشكيل هيئة وطنية مستقلة للجنسية مهمتها مراجعة قانون الجنسية لعام 1959، وبعض القوانين ومنها القانون 1994/44 ومن تحصّل على الجنسية بالتزوير والتدليس والشراء، إضافة إلى المزدوجين، على أن يصدر مرسوم بأسماء هؤلاء الأعضاء لهذه الهيئة من رجال وطنيين في حدود (10) أشخاص أقل أو أكثر لهم تاريخهم النضالي والمشهود لهم بالسمعة والسلوك الطيب والأخلاق الحميدة ولا يخشون في الله لومة لائم، وألا يتقاضوا أي مكافآت مالية بل هم متطوعون، كما يجب إعطاء الهيئة المقترحة الصلاحية المطلقة في ما يتخذ من إجراءات قانونية ممن تثبت عليهم جريمة حصولهم على الجنسية بطرق ملتوية، وذلك لتحديد مَن هو المواطن الكويتي وإعادة التركيبة السكانية إلى وضعها الحقيقي.

- ثالثاً: تعديل الدستور بما فيه صالح الأمة وتطور البلاد، فلا قدسية للدستور حين يتعلّق الأمر بمصالح الأمة وأمنها نظراً للحاجة الماسة خصوصاً بعد مرور ستين عاماً على العمل بالدستور، كما أن المؤسسين لم يغفلوا ذلك بل طالبوا بالتعديل بعد مرور خمس سنوات.

- رابعاً: ضرورة تغيير النهج الذي كانت تسير عليه الدولة في تسيير أمورها منذ سبعينات القرن الماضي مع القناعة بأن ذلك النهج لم يعد مقبولاً ولا مناسباً في هذا القرن.

- خامساً: إن تراجع دور الدولة يعد بمثابة حصاد تراكمي من الارتجال والتردد والارتباك والتساهل في تطبيق القانون والأخذ بنهج الاحتواء والارتكاز على عامل الوقت وترحيل المشكلات التي أوصلتنا إلى هذا الوضع الذي نعاني منه ما لم يعد مناسباً للمستقبل.

أعتقد أنه قد حان الوقت المناسب للقيام في اتخاذ القفزة النوعية الأولى (أسلوب الصدمة) للإصلاح والتي أشرنا إليها في النقاط السابقة حتى تسترد الحكومة ثقة شعبها من الأداء العام من جانبها.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي